الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لعنة أبي عرّام

نشر بتاريخ: 24/03/2018 ( آخر تحديث: 24/03/2018 الساعة: 20:52 )

جدعون ليفي وأليكس ليبك
هآرتس، 2018/3/23 ترجمة: أمين خير الدين


صادرت الإدارة المدنيّة تراخيص العمل من مئات الفلسطينيين من بلدة يطّا، فقط لأنهم ينتمون لنفس الحمولة التي ينتمي لها شخص قام بعمليّة طعن في يبنه قبل نصف سنة، وأسماؤهم مثل اسمه. منذ ذلك الحين بدأت الديون تتراكم، والحوانيت تفرغ من البضائع، وحفلات الأفراح تُلغى والأولاد يتركون المدارس.
إذا لم يكن هذا عقابا جماعيا، إذن ما هو العقاب الجماعي؟ إذا لم يكن هذا تعسّفا، إذن كيف يكون التعسّف؟ وإذا لم يُشعل هذا الإجراء هذه البلدة الهادئة نسبيّا، يطّا، إذن ما المقصود من هذا الإجراء؟ يطاّ ثائرة، اقتصادها يهدد بالانهيار. شخص واحد أخطأ، وإسرائيل تعاقب كل البلدة بسببه.
حسب مُعطيات قيادة التنسيق والارتباط ألفلسطينية، كان قبل الإلغاء الجماعي في يطّا حوالي 7000 حامل ترخيص للعمل في إسرائيل. وحسب مُعْطياتهم 915 عاملا من حمولة أبي عرار عملوا في إسرائيل ومئات آخرين عملوا في المستوطنات. وهذا ليس قليلا بالنسبة لبلدة عدد سكانها 65 ألف نسمة.
وقد فقد كل هؤلاء أعمالهم في الأشهر الأخيرة، بسبب اسم عائلتهم فقط، حسب قرار تعسّفي صادر عن الإدارة المدنيّة. قام العشرات منهم بتغيير اسم العائلة في بطاقات هويّاتهم من اليأس. لكن بدون فائدة - طريق عودتهم لأعمالهم في إسرائيل، حيث عملوا سنين طويلة، مسدود بدون ذنب. وهذا ما كان.
بتاريخ 2 أغسطس/آب قام ابن البلدة إسماعيل أبو عرّام، عمره 19 سنة، بطعن نيف نحاميا في متجر في يبنه وأصابه إصابة خطيرة. أعتقل الفاعل. وتقرر في اليوم التالي أن يمْنَع كلّ أبناء حمولته من الدخول للعمل في إسرائيل، كما هو مُتّبَع بعد كل عملية عدائيّة. ألغي الأمر بعد عشرة أيّام، وعاد العمال إلى أعمالهم في إسرائيل وفي المستوطنات وعادت الحياة اليوميّة إلى يطّا. لكن بعد أربعة شهور، بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول، تذكروا عملية الطعن ثانية، ومن غير الواضح لماذا، وتجدد المنع الشامل المفروض على آلاف الأشخاص بدون إنذار مُسْبَق وبدون أيّ تبريرات.
كما هو معروف، هكذا تتصرّف إسرائيل بعد كلّ عمليّة عدائيّة، لكن هذه المرة بنطاق لا سابق له: حَمولة أبي عرّام أكبر الحمائل في يطّا وحسب اقوال النشطاء، إن العمل في إسرائيل وفي المستوطنات أحيا آلافا من سكانها. وكل من يحمل هذا الإسم المُبْتَلي، مع عائلاتهم، حُكِم عليهم بالبطالة وضيق العَيْش بسبب عمليّة الطعن التي قام بها إسماعيل، مع أن معظمهم لا يعرفونه.
يستأصلون الشوكة
من حينه والبلدة تنهار: مئات المُعيلين يبقَوْن في بيوتهم عاطلين عن العمل منذ أربعة شهور، الديون تتراكم عليهم، حفلات الزفاف أُلْغيَت، اُعيدت شيكات، الدكاكين فرِغَت من البضاعة والأولاد تركوا مدارسهم. وهذا يعني خسارة مئات آلاف الشواقل شهريّا، في بلدة يعمل مُعْظمها في إسرائيل.
طلبوا هذا الأسبوع لقاءا للإعراب عن ضائقتهم المعيشيّة وعن احتجاجهم. وصل أكثر من مائة شخص إلى مطعم "زيف" عند مدخل بلدة يطا. وقد أعدّ بعضهم مُسْبقا لافتات على ورق البريستول، يستصرخوا بلغتهم العبريّة الركيكة: "عمال ضدّ العقاب"، "لا لسياسة العنف".
نزل عن التلة التي بُني عليها جامع البلدة أشخاص آخرين، معظمهم بسن الكهولة، وجوههم مكويّة وغير محلوقة، أياديهم أيدي عمّال، يلبسون بأيديهم ساعات بلاستيكية رخيصة، بُناة البلاد وفاتحي طرقاتها، ممنوعون الآن عن ذلك. العمال الذي يستيقظون في الثالثة صباحا ليصلوا في السابعة إلى أماكن أعمالهم في تل أبيب، بئر السبع، أورشليم، بيت شيمش أو أشدود، ويعودون إلى بيوتهم بعد غروب الشمس، يجلسون الآن غاضبين ومُحْبَطين في بيوتهم.
"مَن اعتاد أن يُمْضي حياته كلّها في إسرائيل، هل يمكنه أن يعمل في الأراضي المُحْتلّة؟ ليس هناك عمل في يطّا. في البداية كنّا نستيقظ في الصباح ونذهب إلى الحاجز. الآن أنا أستيقظ في الصباح وأتشاجر مع زوجتتي" محمد، ابن أل - 43 سنة، أب لخمسة.
كلهم يتكلّمون اللغة العبرية تقريبا، عرضوا تصاريح أعمالهم. تكدّست التصاريح الورديّة على الطاولة، جزء منها لا زال ساري المفعول والجزء الآخر انتهى مفعوله، ومُنِعوا من تجديده، وفي كلّ الحالات يمنعونهم من العودة إلى العمل. لا يمنعون العمال فقط من الدخول. يمنعون التجّار أيضا ويمنعون المحتاجين للعلاج الطبي من الدخول إلى إسرائيل في حصار أبي عرّام هذا.
لنسميهم بأسمائهم الخاصة، لأن اسم العائلة لجميعهم أبو عرّام، زيادة في البليّة. نعيم، 52 سنة، أب لثمانية ابناء، يعمل في شركة ردريان إخوان، وهي شركة بُنى تحتيّة وحفريّات من أورشليم. حوالي 300 من أبناء هذه العائلة يعملون بهذه الشركة. يعمل بها نعيم منذ 13 سنة. استيقظ في اليوم التالي لعملية الطعن في يبنه في الليل كي يذهب للعمل، وصل إلى حاجز 300 في بيت لحم وأُعيد إلى البيت كما جاء مع مئات العمال الآخرين، من أبناء الحمولة. قالوا لهم في الحاجز سينتهي أمر المنع بعد عشرة أيّام.
وفي الواقع، بعد مرور عشرة أيّام الندم عاد جميعهم إلى العمل، مسرورين مرحين. مرّت أربعة أشهر، حتى 14 ديسمبر/كانون الأول. وعندئذ، في الليل، على الحواجز التي يمرّون منها وهم في طريقهم للعمل – تُرْكُميه، ميتار وحاجز 300 – قيل لهم: كل أبناء حمولة أبي عرّام ، إلى البيت. على الأقل لمدة نصف سنة. وأُشْعِر أصحاب أعمالهم بان لا يقبلوا للعمل كل مَن يحمل إسم الحمولة الممنوع هذا.
يُعاملوننا كما يعاملون الأعداء – مثل هذه السياسة تزيد من أعمال العُنْف. ألا يفهمون ذلك عندكم؟ " إبراهيم 52 سنة
"عدنا وبقينا في البيوت"، يقول نعيم الآن، بخجل. كثيرون منهم جرّبوا حظّهم خلال الأشهر الماضية، وأعيدوا جميعهم إلى بيوتهم بمهانة. ومَن حاول أكثر من مرّة – صودر منه التصريح الذي معه، مع انه لم يستفد.
عليهم أن يجددوا تصاريح العمل كلّ ستة أشهر. هذا تصريح صابر، كان ساري المفعول لغاية 10 مارس/آذار. وتصريح محمد كان ساري المفعول لغاية 14 فبراير/شباط. يرمون التصاريح على الطاولة كما يرمون أوراق القمار على طاولة اللباد الخضراء في الكازينو، قد يعمل السحر ويعود السريان. "تصريح الخروج إلى العمل في إسرائيل. العمل في كل ساعات النهار، في إسرائيل، باستثناء إيلات، الموقّع، إسحق ليفي ،ضابط مصلحة الاستخدام".
توجّهوا إلى مكاتب الإدارة المدنيّة وإلى قيادة التنسيق والارتباط في الخليل، ووصلوا في توجّهاهم حتى بيت إيل. لم يكن هناك شخص واحد على استعداد لسماعهم، أو ليعطيهم تفسيرا. فقط ضابطة واحدة قالت لهم إن الأمر جاء من أعلى. من أين من أعلى؟ لا أحد يعرف. جربوا حظّهم في بلدية الخليل، لم يجدوا هناك مَن يستطيع مساعدتهم طبعا.
ناصر، تاجر خردة، هو أيضا عاطل عن العمل يجلس في البيت، عمره 51 سنة، أب لتسعة. مع أقدميّة ستّ سنوات في عمله: رهيب، يا أخي، الوضع رهيب. إننا نعاني". محمد، عمره 43 سنة، أب لخمسة أبناء، عمل في النقل لدى الأخوة ليفي. 11 سنة برفقة الإخوة ليفي: "من يتعوّد طيلة حياته على الحياة في إسرائيل، أيمكنه أن يعمل في الأراضي المحتلّة؟ لا يوجد عمل في يطّا. في البداية كنّا نستيقظ في الصباح ونذهب إلى الحاجز. الآن أستيقظ في الصباح وأتشاجر مع زوجتي، نريد أن تصل أقوالنا إليهم".
محمد، عمره 42 سنة، يعمل في شركة ي.د. برزاني في أورشليم. وكيل مقاول يُحْضِر كل صباح عشرة عمّال للعمل، الآن هو والعمال العشرة عاطلون في البيت. حسب ما كُتِب في التصاريح، إنهم يبنون " كريات همداع، بيت أموت".
محمد كان مع المجتمعين، فتًى عمره 12 سنة، قالوا عنه إنه ترك المدرسة لأنه لم يكن باستطاعة والديه أن يشتريا له الدفاتر، "لم يكن معه شاقلان ليشتري شيئا في الفرصة"، هذا ما يقوله أحد العمّال. ويقولون إن عددا من السكان قد اعتقلته الشرطة الفلسطينيّة بسبب شيكات أُعيدت لعدم وجود رصيد لها وبسبب ديون لم تُسْتَوْفى.
كان عدد المبادرين قد توجّهوا إلى وزارة الداخليّة الفلسطينيّة في يطّا وطلبوا تغيير اسم عائلتهم. صبري ابو عرّام اصبح صبري حسين، محمود أبو عرام تحوّل إلى محمود محمد وراضي أبو عرّام غيّر لراضي جبارين. غُيّرَت الأسماء في بطاقات الهويّة، وهي تُعْرَض أمامنا، لكن هذا لم يُجْد في الحاجز: لأن رقم اللبطاقة بقي كما كان.
ناصر تاجر الخردة، يثير سؤالا: "إذا ذهبنا الآن إلى الشارع الرئيسي، ونظمنا مظاهرة سلميّة، نريد فقط أن نقول إننا نريد أن نعيش. الجيش قريب.على التلّة، خمس دقائق. قد يأتوا هل تتكلّم معهم" ويقول إبراهيم لو كانت نبتة شوك في الحديقة يستأصلون نبتة الشوك وليس كل الحديقة.
إبراهيم، عمره 52 سنة يعرّف نفسه على أنه ناشط سلام. ربما لأجل ذلك يُمْنع من دخول إسرائيل منذ 20 سنة. يقدر بأنه تضرر من هذا الحصار حوالي 30 ألف إنسان، وتضررت معهم كل البلدة. الحوانيت فارغة، كما يقول."يتعاملون معنا كما يتعاملون مع الأعداء – إن هذه السياسة ستزيد من العنف. ألا يفهمون ذلك عندكم؟ نحن نعمل من أجل التقارب ومن أجل السلام، لكن هذه يؤدي إلى العكس". وأضاف أيضا "كنا نتأمل أن يضغط اليسار في إسراائيل، وحتّى أن يثير ذلك في الكنيست. لقد وجّهنا رسائل إلى كل منظمات السلام".
أفكار وتخوفات
وقد صرح الناطقون بلسان منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلّة كردٍّ على توجّه جريدة "هآرتس فقال " قام إسماعيل أبوعرّام من بلدة يطّا بعمليّة طعن في يبنه، وقد أصاب خلال هذه العملية مواطنا بإصابة خطيرة. وعليه، جُمّدت التصاريح المُعطاة لأبناء هذه الحمولة التي ينتمي إليها إسماعيل أبو عرام بشكل فوري".
يقولون في يطّا إنه كان قبل 1967 أسماء حمائل كثيرة في هذه البلدة. بعد الاحتلال سجّل الإسرائيليون كل هذه الحمائل تحت اسم حمولة المختار الذي كان في حينه، أبو عرّام، والآن هم يُعاقبون.
على الأقل أنتم تنامون لساعات متأخرة في الصباح؟ "كيف ننام، لدينا الكثير من التفكير والمخاوف". بعد ذلك جمعوا عن الطاولة كل تصاريحهم، ثروتهم المكبوحة، وأدخلوها إلى أعماق جيوبهم، وتفرّقوا ببطء إلى بيوتهم.
لأنهم عاطلون عن العمل، خرج يوم الأربعاء أربعة أشخاص للتنزه في صحراء يهودا. وفي الساعات المتأخّرة بعد الظهر، وهم في طريقهم بأحد الوديان المتجهة نحو البحر الميّت، سمعوا صوت استغاثة. وعندما وصلوا إلى مكان الصوت وجدوا سائحَيْن من بئر السبع، أضاعا طريقهما خائرَي القوى وبدون ماء. قام الأربعة بإنقاذ السائحَين وحملوهما على أكتافهما من أسفل الوادي حتى أوصلوهما إلى سيارتهما. وعندما وصلوا إلى شارع رقم 60 اتصلوا بموكيد الأمن في مستوطنة كرمل.