الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الخطاب الحقوقي الجديد وألوان قوس قزح

نشر بتاريخ: 16/04/2018 ( آخر تحديث: 16/04/2018 الساعة: 11:46 )

الكاتب: د.عصام عابدين

هنالك حاجة للتفكير العميق في الخطاب الحقوقي السائد، وأدوات المناصرة التقليدية المستخدمة، هل ما زالت صالحة في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة؟ وهل ستكون قادرة على الصمود أمام مخاطر المرحلة القادمة؟
لم يخضع الخطاب الحقوقي، ولا الأدوات الحقوقية التقليدية المستخدمة، منذ عشرات السنين للمراجعة والتقييم، الذي هو الأساس لاستخلاص الدروس المستفادة ومراكمة التجربة الحقوقية، رغم عراقة وتجذر العمل الأهلي في فلسطين، ولعل هذا ما يفسر استمرار اتساع الهوة بين مؤسسات العمل الأهلي والمجتمع الأهلي، والنتيجة أن المؤسسات الأهلية تفقد تدريجياً، وإنْ بشكل متسارع، قاعدتها المجتمعية العريضة.
عندما يصل الأمر إلى نعت مؤسسات العمل الأهلي ذات التاريخ النضالي الحقوقي العريق المتجذر في أرض فلسطين بأوصاف من قبيل "جماعة الإنجيوز" وما شابه؛ حتى وإنْ استخدمت تلك الأوصاف في بعض الأحيان لتأليب الرأي العام ضدها، فالأمر جلل، ويدقُ ناقوس خطر يهدد حاضر ومستقبل العمل الأهلي في فلسطين.
المراجعة والتقييم الموضوعي الجاد، مسألة حياة ومصير للمؤسسات الأهلية الفلسطينية، تستدعي التوقف أمامها ملياً، إذا ما أرادت أن لا تفقد دورها حاضراً، ولا شك مستقبلاً، وهذا الدور لا يمكن تصوره بعيداً عن ثقة القاعدة بالخطاب الحقوقي وأدواته، وبفقدان دور مؤسسات العمل الأهلي تفقد القاعدة بوصلتها الحقوقية.
وحتى لا تضيع البوصلة، وتحقق عملية المراجعة أهدافها، فإن المشكلة التي سرعان ما تظهر تتعلق بكيفية بناء جسور عملاقة بين المؤسسات الأهلية وقواعدها، مبنية على الثقة بالخطاب أولاً، والأدوات الكفيلة بترجمة الخطاب إلى واقع ملموس، لأنه بدون ثقة المواطن (القاعدة) بالمؤسسات الأهلية فإن التغيير ضربٌ من الخيال.
ثقة القاعدة، بالعمل الأهلي، تتطور تدريجياً، مع العمل المثابر والتقييم وقياس الأثر، وتصل مع المراكمة مستوى الفخر بالمؤسسات وخطابها وأدائها، وتدُب الحياة في "العمل التطوعي" وهذا سر نجاح العمل الأهلي.
استمرار الخطاب الحقوقي التقليدي السائد، وأدواته الهشة، على حالها، يعني أننا من وجهة نظر القاعدة وفي وعيها مجرد "جماعة إنجيوز" سواء قبلنا بذلك أم لم نقبل، وما الفرق إذا كانت القاعدة مقتنعة بذلك، فأصلُ الشيء فرع تصوره، المسألة هنا ليست محاولات لإقناع القاعدة أننا لسنا "جماعة انجيوز" بقدر ما هي قناعة تتشكل في وجدان القاعدة أن لنا تاريخ نضالي حقوقي عريق ومستقبل واعد، أننا "أشجارٌ وارفة" تستظل بها قاعدتنا العريضة، وليس هذا فحسب، بل تُنبت محصولاً وفيراً من ثمار الحق والعدل والحرية والكرامة.
ليست دعوة إلى قلب الطاولة على الخطاب الحقوقي السائد وأدواته التقليدية، ولكي أكون صادقاً أميناً في الكلام، لا ندعو لقلب الطاولة على الخطاب والأدوات مرة واحدة، فالأمر يحتاج نقاشاً جماعياً عميقاً في حاضرنا ومستقبلنا، كي لا نضيع وتضيع بوصلة القاعدة، فنخسر أنفسنا ونخسر القاعدة، وتصبح الرسالة والأدوات الحقوقية مجرد مضيعة للوقت، لنا وللقاعدة، أو مجرد عمل روتيني نتلقى عليه أجراً، وهذه ليست رسالة، إنه انفصالٌ عن التاريخ والواقع، لن يحقق شيئاً من طموح التغيير، الذي نريده، وتنتظره القاعدة.
الخطاب الحقوقي، يُبنى من أوجاع الناس، من أنفاسهم يُبنى الخطاب، من آلامهم، من عرق جبينهم، من واقعهم المرير، من الظلم الذي يعانوه، من عشقهم للحرية والعيش بكرامة إنسانية، وعندما نرى ظل خطابنا الحقوقي في عيون الفقراء والمستضعفين، مع العمال في المصانع، مع المزارعين في الحقول، مع النساء في الأرياف قبل المدن، نراه بيئة موائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، نراه على وجوه أطفال المدارس في الصباح بالتربية على ثقافة حقوق الإنسان في عالم متغير، تراه يُحلق عالياً في سماء الوطن، نكون عندئذ قد نجحنا في الخطاب الجديد وأدواته.
الخطاب الحقوقي الجديد، ألوان قوس قزح، هذا اللون مخصصٌ للمخيمات اللون الذي يحبونه هو مصممٌ لهم يعرفهم جيداً ويتلمس آلامهم وأوجاعهم، وذاك اللون مخصصٌ للمرأة للحماية والتمكين باللون الذي تحب، وهكذا، قوس قزح ليس لوناً واحداً، قوس قزح ألوان، إنه الخطاب الحقوقي الجديد، قوس قزح الحقوقي، يرسم لوحته الجميلة في السماء، يأخذ الأبصار، يعشقه الجميع، ألوانه رائعة، متناسقة، تليقُ بالجميع.
أدوات الخطاب الحقوقي الجديد، ليست تقليدية، ليست ثابتة، ولا ينبغي أن تكون، جديد الخطاب يحتاج أدوات جديدة، إنها أدوات مبتكرة، خلاقة، أدوات متطورة باستمرار، تخضع للتقييم المستمر، وعمل جماعي منظم، تشخيص عميق للمشكلة، وتحديد للرؤية، وساحة العمل، وابتكار الوسائل، ورسم خطة العمل، إنه عالم المناصرة الجديد، القادر بعد اتضاح معالم الخطاب الحقوقي الجديد، على رسم معالم التغيير المنشود.
فِرق البحث الميداني، القلب النابض للعمل الحقوقي، وفِرق المناصرة التكتيكية، العقل المدبر، والعمل الجماعي على مستوى البحث الميداني وعلى مستوى المناصرة بين مؤسسات العمل الأهلي، على قلب وعقل امرأة ورجل واحد، عنوان المرحلة القادمة.
فيلق البحث الميداني ينتشر في كل مكان، وفيلق المناصرة يرسم الخطط ويبتكر التكتيكات الفعّالة، وتوزيع مُحكم للمهام والأدوار والمسؤوليات، ونواة محترفة تدير قيادة العمليات الحقوقية، وتشبيكٌ مع الحلفاء كنقابة المحامين ونقابة الصحفيين ومَن يرغب بالانضمام للتحالف الأهلي العريض، والنتيجة أن سرعة انتشار فيلق البحث الميداني الجماعي على الأرض، الخطط والأدوات التكتيكية الهائلة لفيلق المناصرة الجماعي، ومؤازرة فيلق الحلفاء، كفيلة برسم صورة قوس قزح الحقوقي بكفاءة واقتدار كما يحب أن يراها الجميع.
جيشٌ حقوقيٌ واحدٌ، من فيالق، يرسم مستقبل المرحلة القادمة، قادر على مواجهة التحديات كافة، واستيعاب متغيرات الخريطة التمويلية، والصمود في وجه المخاطر والتحديات، جيشٌ حقوقيٌ على موعد مع النصر في مواجهة امتهان الكرامة الإنسانية، النصر الذي يصنع التغيير ويحقق تربية شاملة على ثقافة حقوق الإنسان.