الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في أوضاع الاسرى في يوم الأسير الفلسطيني

نشر بتاريخ: 17/04/2018 ( آخر تحديث: 17/04/2018 الساعة: 11:17 )

الكاتب: ابراهيم عبد الله صرصور

(1)
أحيي الشعب الفلسطيني هذا الاسبوع "يوم الأسير الفلسطيني"، تكريما للمعتقلين في السجون الإسرائيلية، تنفيذا لقرار المجلس الوطني الفلسطيني، (برلمان منظمة التحرير) عام 1974، السابع عشر من نيسان من كل عام، يومًا وطنيا وعالميا لنصرة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
حل "يوم الأسير الفلسطيني" في هذا العام (2018) والقضية الفلسطينية برمتها ومنها قضية الاسرى والمعتقلين بالضرورة، في أسوأ حال، حيث وقع تراجع خطير وكبير في حضور القضية الفلسطينية على اجندة الاهتمام العالمي بسبب التردي العربي والإسلامي غير المسبوق، واستشراء الغطرسة الصهيو – أمريكية وتغولها في المنطقة غير آبه بأي مصلحة عربية او إسلامية، والذي ما زالت مفاعيله تعصف بالأمة ومصالحها القومية والوطنية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وفي قلبها قضية القدس الشريف والاقصى المبارك، وهو الواقع الذي أثَّر سلبا على قضية الاسرى الذين تتزايد اعداهم باطراد بشكل يومي تقريبا بسبب الاعتقالات الإسرائيلية المستمرة، وتسوء احوالهم داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي بسبب غياب الرقابة والمحاسبة الداخلية والخارجية الضامنة لظروف أسْرٍ تتفق مع الحد الأدنى من الشروط المنصوص عليها في الاتفاقات والمعاهدات الدولية..
وقد جاء في آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن هيئة شئون الأسرى (تابعة لمنظمة التحرير)، ونادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي)، أن عدد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين قد وصل ل - 6500 معتقل، بينهم 350 طفلا، و62 معتقلة، بينهن 21 أما، و8 قاصرات، و6 نواب بالمجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان)، و500 معتقل إداري (معتقلون بلا تهمة)، و1800 مريض، بينهم 700 بحاجة لتدخل طبي عاجل. من بين المعتقلين، 12 معتقلا أمضوا أكثر من 30 عاما، و25 قضوا أكثر من 25 عاما، و48 أمضوا أكثر من 20 عاما بشكل متواصل. ويعد المعتقلان كريم وماهر يونس من قرية عارة-عرعرة، أقدم السجناء، حيث يقبعون في السجون الإسرائيلية منذ نحوٍ من 35 عاما.
(2)
من خلال عملي البرلماني السابق اهتممت بملف الاسرى كثيرا، وتابعت تفاصيله بشكل مباشر مع الاسرى أنفسهم وبالذات السياسيين منهم، وفي جميع السجون الإسرائيلية، ومع كل الهيئات الرسمية والشعبية ذات العلاقة مع قضية الاسرى، وما زلت أهتم في هذا الملف حتى اليوم. دفعني إلى ذلك ما لمسته بنفسي من معاناة بلا حدود ليس فقط للأسرى داخل السجون والذي تاقت أنفسهم إلى الحرية بعد عقود طويلة قضوها في السجون، ولكن بسبب معاناة الاهل من أمهات وزوجات واولاد وبنات، اشتاقت أنفسهم هم أيضا إلى لقاء الأحبة واحتضانهم بعد سنوات طويلة من الفراق قضينها في سفر دائم ولمئات الكيلومترات في بعض الأحيان (يتوقف على مكان السجن)، من أجل لقاء أبنائهم وازواجهن داخل السجون لخمس وأربعين دقيقة، يطفئن فيها بعضا من لوعة الفراق وطول الغياب. لمست معاناة الاسرى المضاعفة بسبب ما يلاقونه من اضطهاد داخل السجون بسبب سياسات السجان الظالمة من جهة، وبسبب معاناة الاهل التي زادت همومهم وضاعفت أحزانهم من جهة اخرى، وتقصير أمتهم على المستويين الرسمي والشعبي في متابعة قضيتهم وعمل اللازم من اجل تحريرهم، خصوصا وأنهم ما دخلوا السجون إلا دفاعا عن قضيتهم وذودا عن كرامة شعبهم وأمتهم من جهة ثالثة.
(3)
لن تستطيع هذه الصفحات احتمال ما يحمله القلب من هَمِّ هؤلاء الابطال داخل الاسر، ولا ما تحمله الذاكرة من تفاصيل لا يمكن ان تنسى لثلة ضحت بأغلى ما تملك في سبيل حياة حرة وكريمة لشعبهم، شبعوا فيها جوعا وجورا وذلا في سبيل أن يشبع شعبهم كرامة وعزة..
ما زلت أذكر قصة أم الأسير (يحيى إصليح) من سكان خان يونس، والتي لن أنساها ما حييت، فهي تمثل اعمق ما في قضية الاسرى والمعتقلين من مشاعر واحاسيس لا يمكن لأحد أن يتخيلها غلا ما عاشها او عايشها..... وقعت الملحمة الانسانية قبل نحو خمس سنوات، وفي فترة ما بعد الاضراب الكبير عن الطعام في العام 2012. كان قد مضى على (يحيى إصليح) في سجون الاحتلال الإسرائيلي خمس سنوات بعد حُكْم بالسجن لاثنتي عشرة سنة بتهمة مقاومة الاحتلال، لم ير فيها والدته العجوز بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية... جاء اتفاق الأسرى مع مصلحة السجون بعد الإضراب الكبير ليفتح بابا من أبواب الأمل أمام الحاجة عائشة (75 عامًا)، أم الأسير يحيى ...
لم تسع الدنيا الأمَّ الرءوم ... انتظرت لحظة اللقاء بِكَمٍّ هائل من المشاعر والأحاسيس والعواطف، لم يحتملها قلب الأم، لكن الغيب لا يعلم به إلا الله ... "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي ارض تموت." ... هكذا قضى الله، ولا راد لقضائه... بدأت الرحلة في منتصف شهر رمضان الكريم من ذلك العام، إلى حيث فلذة الكبد.. الابن السجين... ولكن....
يروي الحاج (أحمد إصليح) كما جاء في تقارير صحفية تسلسل الأحداث التي بدأت بفيضان من الفرحة، ثم تحول فجأة إلى بحر عميق من الأحزان... كل ذلك والأسرة الفلسطينية مرابطة على أرض الصبر لا تزول ولا تحول، وقد رضعت من ضروعه حتى ضج الصبر ومادت به الأرض...
يقول إصليح: "لم ننم ليلتنا.. أما الحاجة عائشة فكانت أكثرنا شوقا، طوال الليل ونحن نستقبل الأقارب والمحبين الذين جاؤوا لتهنئتنا بالزيارة المرتقبة، ومن أجل إهداء السلامات لابننا الأسير.. كانت فرحتنا كبيرة والحاجة - رحمها الله - قالت إنها صغرت 20 عاماً بعد خبر إبلاغها أنها ستزور يحيى.. كان البيت يبدو وكأنما يحتفي بعرس (يحيى) لا بزيارته داخل السجن، لكثرة المهنئين وعظمة الأفراح التي سادت المكان ".. انتهى..
أنسى الشوق والحنين إلى الحبيب الغائب، وما أكثر الغائبين الفلسطينيين، العائلةَ تناول طعام السحور.. انطلق موكب الإباء قبيل الفجر بتاريخ (6.8.2012)، إلى حيث ينتظر الأسير كالأسد في براثنه... وصلوا الحافلة التي يشرف عليها الصليب الأحمر، لتبدأ رحلة من أعظم الرحلات لما تجسده من مُثُلٍ وقيمٍ، ولما تمثله من إصرار فلسطيني على الحياة رغم قيد السجان وزرد المحتل الغاشم ...
يقول الحاج أحمد: "وصلنا إلى وادي غزة.. كانت تجلس بجانبي، وفجأة شهقت وخرج السر الإلهي.. ليخيم الصمت والحزن على الجميع." انتهى... هب الجميع للمساعدة.. نُقِلَتْ الحاجة عائشة إلى مستشفى الشفاء... لم يكن أمام الأطباء إلا أن يعلنوا وفاتها... توفيت الحاجة قبل أن تصل غايتها وترى ابنها الذي اشتاقت إليه كثيرا.. لم يحتمل قلبها الضعيف هذا الحجم الكبير من العواطف التي خالطت مهجتها، فتوقف فجأة... كان الهدف الوصول إلى سجن الاحتلال لملاقاة ابنها (يحيى).. هذا ما أرادته ... لكن الله سبحانه أرادها عنده في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. فلله في خلقه شؤون، وله فيما يجري حِكَم....
أما أخت الأسير (خديجة إصليح) وهي ابنة الحاجة عائشة، فقد قالت بأنها زارت – بحكم إقامتها في إحدى قرى النقب – أخاها الأسير يوم الأحد بتاريخ 5.8.2012، أي قبل يوم واحد من الموعد المقرر لزيارة الأم عبر الصليب الأحمر الدولي، ولاحظت السعادة الغامرة التي امتلأ بها قلبه بزيارة والدته، حيث طلب أن تزوره وهي ترتدي الثوب الفلاحي الفلسطيني، إلا أن القدر شاء ألا تكتحل عيناه برؤيتها، ولا عيناها برؤيته....
مضت الحاجة عائشة إلى الله سبحانه لتأخذ مكانها بين خنساوات الأمة منذ العصر الأول للإسلام.. ومضى الأسير (يحيى) ليواجه حكم القدر بالصبر والتسليم والتفويض، وحُكْمَ محاكم الاحتلال الظالمة بكل الكبرياء والشموخ، حتى يأتي الله بأمر كان مفعولا، ليحيى من حَيَّ عن بَيِّنَة، ويهلك من هَلَكَ عن بَيِّنه....
(4)
المشهد الثاني الذي ما زلت أذكره وقع قريبا من اللحظات التاريخية التي كان يتم فيها تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، حيث اختلاط المشاعر والأحاسيس ... فرح لا تصفه الكلمات بالإفراج عن ألف وسبعة وعشرين أسيرا وأسيرة فلسطينية، منهم خمسة أسرى من عرب الداخل، سامي يونس – رحمه الله، مخلص برغال، محمد زيادة، محمد جبارين وعلي عمرية، وحزنٌ مكبوت يلسع القلب بسياطه لبقاء الآلاف من الأسرى من خلفهم، منهم أساسا خمسة عشر أسيرا من الداخل يقضون في السجن مددا تتراوح بين خمسة وعشرين وخمسة وثلاثين عاما في الأسر الظالم هم: كريم يونس، ماهر يونس، إبراهيم بيادسة، إبراهيم أبو مخ، وليد دقة، رشدي أبو مخ، محمود جبارين، سمير سرساوي، أحمد أبو جابر، بشير خطيب، محمد اغبارية، إبراهيم اغبارية، يحيى اغبارية ومحمد اغبارية ...
كان لي ولزميلي الأخ النائب مسعود غنايم شرف زيارة قرية (إبطن) قبل يوم من إطلاق سراح أسرانا البواسل، والتي كان من المفروض أن تحتضن بعد ساعات قليلة ابنها المحرر (علي العمرية)، الذي التقيت به وبسمير سرساوي واحمد أبو جابر في التاسع عشر من شهر أيلول من نفس العام 2011 في سجن ( جلبوع )، دون أن ندري أننا كنا على موعد مع حدث كبير يتعلق بالأسر، وإن كنا نحس بقرب تحقق هذا الحدث ، لكن (إبطن) مع استعدادها لاستقبال البطل العائد، فإن مسحة من الحزن تكسوها لأنها ستفتقد كثيرا - وإن مؤقتا - ابنها الآخر الأسير (سمير سرساوي) ، وزميل علي عمرية ) في المشوار الذي استمر لأربعة وعشرين عاما، من أوله إلى آخره، والذي شاءت الأقدار ألا تشمله الصفقة ..
ربطتنا أنا والأخ مسعود بالأسرى وأسرهم علاقة عميقة وخاصة، في قرية (إبطن) كان لنا مثل هذه العلاقة مع أسرتي الاخوين علي وسمير، خصوصا وأننا احتفلنا قبل مدة قصيرة من تنفيذ صفقة (وفاء الاحرار/شاليط) في بيت أسرة سمير ومع عائلته، وبحضور حشد من الضيوف ، بمناسبة حصول سمير على شهادة الماجستير في العلوم السياسية ..
كانت محطتنا الأولى في بيت أسرة سمير، التقينا هنالك مع أم سمير (أم طه)... سيدة جليلة تجاوزت الثمانين من العمر، قضت ربع عمرها في زيارة ابنها سمير في السجن... كتلة من الجلد والصبر والاحتساب والتضحية... زارت ابنها سمير مدة اربعة وعشرين عاما، كما فعلت غالبية أمهات الأسرى، حتى أقعدها المرض عن زيارته منذ عام تقريبا... كانت تحرص دائما على الاتصال بي للاطمئنان على سمير، خصوصا وأنها تعرف أنني أقوم بزيارات دورية للأسرى... كنت أشعر دائما أنها تستحلب الأمل من صخرة القدر، فكنت أطمئنها بأن من توكل على الله فهو حسبه... لطالما قلت لها (إرْمِ حِمْلِكْ على الله) وقولي له من غير تفصيل ( يا رب، علمك بحالي يغنيك عن سؤال ) مثل ذلك يقال في الحاجة (أم كريم) وهي أم الأسير (كريم يونس)، والحاجة ام الأسير (ماهر يونس)، والحاجة ام الأسير(وليد دقة)، والحاجة ام الأسير(رشدي أبو مخ)، وام الاسيرين الاخوين (إبراهيم ومحمد اغبارية)، وباقي الأمهات والزوجات، كزوجة الأسير (أحمد أبو جابر)، الذي ترك وراءه أطفالا كان الأصغر فيهم رضيعه (سامر) ابن الثلاثة أشهر، والذي أصبح اليوم ابن نحو 28 عاما تخرج فيها من الجامعة بفضل الله تعالى ثم بفضل رعاية امه الصابرة..
عاشت (أم طه) على أمل أن تحتضن ابنها البار (سمير) بعد هذا العمر الطويل وهذه المعاناة التي لا تنتهي.. أرادت الشيء الطبيعي الذي تريده كل أم، إلا أن متخذي القرار في إسرائيل اختاروا أن يطعنوها بخنجر لوعة الأم من جديد، ويحركوا الخنجر داخل قلبها حقدا منهم ولؤما، فحالوا بينها وبين تحقيق مرادها، لحكمة أرادها الله سبحانه، فله على الدوام في خلقة شؤون، وله فيما يجري حكمة بالغة... رأينا تفويضها وتسليمها بقضاء الله وقدر، تفويض يليق بالأمهات الفلسطينيات، عمالقة الصبر والاحتساب والتضحية. كان حال أولادها وبناتها، أخوة سمير وأخواته، كحال أمهم صبرا واحتسابا.. ملامحٌ من قصة الملحمة الفلسطينية الآسرة ...
كان معنا في زيارة بيت الأم (أم طه)، الأخ الفاضل (أبو صايل) أخ الأسير المحرر (علي)، شريك سمير في مشوار الحياة... لم نلحظ على وجهه ولا في كلامه ما يشير إلى فرح أسرة انتظرت غائبها (علي) منذ أربعة وعشرين عاما... لم أستغرب الموقف، خصوصا بعد أن حدثني بقصة هي أغرب من الأساطير، عن ردة فعل أمه العجوز التي أضناها فراق فلذة كبدها، بعدما سمعت خبر الإفراج عن ابنها علي... كان سؤالها الأول، وماذا عن سمير؟ عندما عرفت أن سميرا لم تشمله الصفقة، غابت الفرحة عن وجهها، وكست وجهها هالة من عبوس مقدس كشف عما يجيش في صدرها من ألم وحسرة، وما يضطرم في قلبها من نار اللوعة، وما يتلاطم في فؤادها من أمواج الحزن على استمرار ابن رفيقتها بعيدا في غياب السجن... قالت في ذهول ودهشة: كيف لي أن أفرح بعودة عل، ورفيقتي وأختي أم سمير لن تحتضن ابنها كما سأفعل؟ كيف لي أن أزغرد وأم سمير هنالك غارقة في أحزانها، لن تحظى برؤية ولدها كما سأفعل أن؟؟ كيف، وكيف وكيف؟؟؟ أخذت تنوح نواح الثكالى، وراحت تردد منشدة قصة ملحمة خاضتها مع أختها ورفيقة دربها أم سمير لأربعة وعشرين عاما، اقتسمتا فيها أحمالا من الأحزان تهد الجبال، وها هي الأقدار تنسج خيوط فصل جديد في هذه الملحمة، كان من المفروض أن تتقاسما فيه الفرحة بتحرير ولديهما معا مع باقي الأسرى والأسيرات، فجاءت النتائج على غير ما اشتهتا... وحالت (إنسانية !!!) إسرائيل بين أمهات عشن عقودا على أمل اللقاء بأنصاف قلوبهن، ولكن الله أكبر، وهو ولي الصابرين ...
ملحمة لم تخطها يد فيلسوف أو حكيم أو شاعر أو روائي عبقري، وإنما هي ملحمة بطلتاها عجوزان شاختا وهما تنتظران عودة الأحباب... هذه المشاعر الصادقة، هي الوجه الحقيقي لهذا الشعب... هي رأس مالنا الذي نتحدى به الأخطار، ونخوض به الأهوال، وهو فوق كل ذلك ضمان تيسير الله سبحانه لفرج ندعوه سبحانه أن يجعله قريبا جدا، حتى تفرح أم سمير وكل أمهات الأسرى بنصر الله وبعودة الأحبة بعد طول غياب...
(5)
لقد اهتمت الحركة الإسلامية وعلى جميع مستوياتها بملف الأسرى والمعتقلين، وحرصت كل الحرص على متابعة هَمِّ الحركة الأسيرة من خلال سعيها الدؤوب إلى التخفيف من معاناة أسرى الحرية قدر المستطاع وفي جميع المجالات، لا تفرق في ذلك بين أسرى الداخل الفلسطيني أو أسرى الضفة والقطاع والقدس، وإن كان اهتمامها الأكبر موجه إلى أسرى الداخل والقدس لأسباب موضوعية، على رأسها رفض إسرائيل الدائم التعامل مع هؤلاء الأسرى كجزء من الحركة الأسيرة الفلسطينية، يسري عليهم ما يسري على إخوانهم من سياسات، وخصوصا في جانب الحقوق المطلبية أو السياسية كشملهم في أية اتفاقات لتبادل الأسرى، مما يضعهم في وضع صعب للغاية يحتاج منا إلى اهتمام اكبر وعناية أكثر ...
من أجل ذلك، وإيمانا بمركزية دور الحركة الأسيرة في مجمل عملية التحرر الوطني، فقد حظيت بدعم الحركة الإسلامية وعلى جميع المستويات الإغاثية والقانونية، كما وحرص نوابها في البرلمان على متابعة شانها من خلال الزيارات المتكررة والدائمة للسجناء الأمنيين في كل السجون والمعتقلات تقريبا، مما خفف كثيرا من معانة هؤلاء الأبطال الذي دفعوا وما يزالون ثمنا باهظا نيابة عن الأمة كلها.
ما زالت قضية الاسرى في "يوم الأسير" ودائما، من القضايا الساخنة التي تحتاج إلى متابعة خاصة من كل المعنيين من أجل الضغط على الحكومة الإسرائيلية ومصلحة السجون لتحسين ظروفهم في ملفات خمسة: العزل، الاعتقال الإداري، أسرى غزة، عودة الأوضاع في السجون إلى ما كانت عليه قبل الافراج عن شالي، ووقف سياسة الاذلال والتنكيل داخل السجون، إلى غير ذلك من القضايا التي ما تزال تشكل انتهاكا إسرائيليا صارخا لحقوق الأسرى الأساسية، لا بد من التذكير بعدد من القضايا الهامة:
أولا: لا يمكن التوصل لأي سلام في المنطقة دون أن تتحقق الأماني الوطنية للشعب الفلسطيني، ومنها بالطبع إطلاق أسرى الحرية وتامين عودتهم إلى أهلهم وأسرهم، بما في ذلك أسرى الداخل، وعليه فلا بد من التمسك بالمطلب الشرعي الداعي إلى تحرير أسرى الداخل كجزء أو بمعزل عن الحركة الأسيرة الفلسطينية.
ثانيا: نرفض محاولات إسرائيل الدائمة الفصل بين أسرى فلسطين المحتلة في العام 1967، وبين أسرى الداخل، ونرى في الأسباب التي تسوقها إسرائيل في هذا الشأن ضربا من التعسف غير المبرر، وإمعانا في تعميق معاناتهم دونما سبب، خصوصا وأن القضية التي سجنوا من أجلها هي نفس القضية، وأن الدواعي التي أدت إلى إطلاق سراح قياداتهم على الساحة الفلسطينية في حينه بموجب اتفاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تستدعي بالضرورة إطلاق سراح من دونهم رتبة وإن اختلفت جنسياتهم، الأمر الذي ترفضه إسرائيل بشكل يدعو إلى الاشمئزاز والرفض ...
ثالثا: نرفض سياسة الاعتقالات العشوائية التي تمارسها إسرائيل يوميا ضد كل قطاعات الشعب الفلسطيني، والتي تحولت إلى أداة إرهاب سياسية، يسعى الاحتلال من خلالها إلى تنفيذ سياسة عقاب جماعي ضد شعب سيظل يرفض الاحتلال ويقاومه حتى نهايته وزواله .
رابعا: ندعو كل المعنيين بِشأن ملف حقوق الإنسان الفلسطيني إلى إطلاق حملة واسعة ومنظمة لرفع الظلم عن أسرى الحرية الفلسطينيين والعرب حتى الإفراج عنهم، ومنع أي اعتقال تعسفي ضد الفلسطينيين ...
خامسا: ندعو جماهيرنا العربية في الداخل إلى توحيد جهودها المباركة في دعم الحركة الأسيرة، وتنسيق عمليات الدعم والإسناد المادي والمعنوي لها، ليس فقط في بعض المناسبات، ولكن على مدار العام ...
نحن على ثقة في أن ملف أسرى الحرية ومنهم أسرى الداخل سَيُطْوى في يوم من الأيام، وسنقيم الاحتفالات بهذه المناسبة عاجلا أم آجلا... كما أنني على ثقة أيضا في أن الاحتلال الإسرائيلي سيزول حتما عن الأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشريف والأقصى المبارك، كما بشر بذلك مولانا سبحانه: "... وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين."... هذا بالنسبة لي من البديهيات والمُسَلَّمَات، وإن ظن البعض أنني حالم ولربما واهم أيضا... لكنني مع ذلك أومن أيضا بأن الحرية والاستقلال باب بكل يد مضرجة يُدَقُّ، وأن الشعب يجب أن يظل مستعدا لدفع الثمن مهما كان غاليا في سبيل بلوغ الغاية النبيلة والهدف السامي..
وصدق محمود درويش حينما قال: "يا دامي العينين والكفين، إن الليل زائل.. لا غرفة التوقيف باقية، ولا زرد السلاسل..".. 

**** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني