الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

بواعث الاطمئنان الإسرائيلي من استهداف سوريا

نشر بتاريخ: 18/04/2018 ( آخر تحديث: 18/04/2018 الساعة: 11:15 )

الكاتب: عماد أبو عواد

لم يكن الاستهداف الإسرائيلي المتتالي في الآونة الأخيرة للساحة السورية، أمراً مستغرباً، فوفق الإحصاءات فقد قامت "إسرائيل" باستهداف عشرات كثيرة من الأهداف خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي كانت تتحفظ عليه تل ابيب دون إعلان، بل كان يرافقه النفي في أحيان أخرى، لاعتبارات سياسية وأمنية "إسرائيلية".
الأمر الذي باتت "إسرائيل" تتجاوزه في الآونة الأخيرة، بإعلانها المتكرر عن استهداف مواقع وأهداف سورية، وايرانية مؤخرا على الساحة السورية، بل واعتبر المحللون أنّ الإعلان الإسرائيلي الأخير عن استهداف ما ادعت "إسرائيل" أنّه مفاعل نووي قبل نحو عقد من الآن في سوريا، يأتي ضمن رفع سقف التحدي الإسرائيلي، وتأكيد الدور الإسرائيلي الكبير في اللعب على الساحة السورية.
الملفت للنظر أنّ "إسرائيل"، وقبل نحو شهر من الآن، وعلى لسان رئيس هيئة أركانها جادي آيزنكوت، خفضت من احتمالية اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية، حرب كانت "تل ابيب" قد رفعت سقف احتماليتها في صيف 2017، واستبعدها مركز القدس في تحليله آنذاك.
ويرى مركز القدس في تحليله أنّ بواعث الاطمئنان الإسرائيلي وتقليل احتمالية اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية، هو أحد أهم أسباب الاستهداف المستمر للساحة السورية، وفي مناطق بعيدة عن أن تُشكل خطراُ على الجولان السوري المحتل من قبل "إسرائيل"، وقد لخص المركز هذه الأسباب كما يلي:
أولاً: إدراك "إسرائيل"، أنّ اللاعب الأبرز على الساحة السورية هي روسيا، ولن تكون هناك أي حرب شاملة، أو محدودة دون الموافقة الروسية، ووفق "إسرائيل" فإنّ التنسيق بين "تل ابيب" وموسكو حيال ما تستهدفه "إسرائيل" من مواقع، هو سيد الموقف، إلى جانب ذلك فإنّ روسيا وفق "إسرائيل"، وإن كانت تعتبر أنّ إيران حليف مهم، إلّا أنّ روسيا في نفس الوقت تعتبر أنّ "إسرائيل" صديق مهم لا يجب التفريط به.
من جانب آخر، فإنّ روسيا تُدرك أن تصعيد الموقف على الساحة السورية، والوصول إلى مرحلة حرب مباشرة بين الطرفين، ربما ستدفع المنطقة لحرب أشمل بمشاركة الولايات المتحدة، الأمر الذي لا تريده روسيا، والتي باتت اللاعب الأبرز في المنطقة، دون الحاجة لحرب، ربما تكلّفها الكثير، وتضعفها في جبهات متنوعة.
علاوة على ذلك ترجح "إسرائيل" أنّ روسيا ذاتها غير معنية بوجود ثقل إيراني كبير في سوريا، حيث باتت روسيا أكثر اهتماماً بجعل خيوط اللعبة أكثر في يدها، وتقليل حجم اللاعبين على الساحة السورية، سيجعل من روسيا صاحبة النفوذ الأكبر ولفترة مستمرة على الساحة السورية، وعلى نظامها في دمشق.
ثانياُ: التعويل الإسرائيلي على الدور الأمريكي بات أكبر، حيث ورغم الضربة الاستعراضية للولايات المتحدة لدمشق، والتي اعتبرتها "إسرائيل" دون المستوى المطلوب، إلّا أنّ "إسرائيل" رأت في ذلك تأكيداً من الولايات المتحدة على وجودها في المنطقة، وعدم نيتها الانسحاب منها، وتركها لخصمها السياسي الأول في العالم روسيا.
هذا الوجود الأمريكي وإن كان بثقل أخف من قرينه الروسي، إلّا أنّه يجعل من تل ابيب في ظل العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والعلاقة القوّية مع روسيا، ليست محط خلاف في ضرورة الدفاع عنها من قبل الطرفين، بل ومحاولة كسب ودّها، تحت قاعدة لا يعني أنّ حلف "إسرائيل" مع الولايات المتحدة، بالضرورة العداء مع روسيا.
ثالثاً: لا تُخفي "إسرائيل" تخوّفها من احتمالية وجود مواجهة مع حزب الله، وما الاستهداف الإسرائيلي المستمر لقوافل السلاح المتجهة إليه وفق "تل أبيب"، إلّا تأكيد على تلك الخشية، إلّا أنّ "إسرائيل"، باتت على قناعة أنّ ما حققته من ردع للحزب، وتأكيد "إسرائيل" على نيتها استهداف كل لبنان في أي حرب قادمة، جعل ثقل قرار اتخاذ الحرب أثقل على كاهل متخذ القرار في الحزب، حرصاً منه على عدم جرّ لبنان لدمار شامل، رغم ما قد تعانيه "إسرائيل" من خسائر فادحة في حال المواجهة مع الحزب.
إلى جانب ذلك، فإنّ معادلة اتخاذ القرار عند حزب الله باتت تراها "إسرائيل" أكثر تعقيداً، فالحزب خسر الكثير من قوّته في سوريا، ولا يزال يتواجد بثقل كبير هناك، الأمر الذي يدفعه لعدم الاستعجال في اتخاذ قرار الحرب، والأهم من كل ذلك أنّ قرار الحرب لم يعد ملكاً للحزب بحد ذاته، ففي تقريره الاستراتيجي، أشار معهد دراسات الأمن القومي أنّ هذا القرار بات يدور في الفلك الإيراني، ولربما بشكل أكبر عند الدب الروسي.
ختاماً يرى المركز، أنّ هذا لا يعني عدم استعداد "إسرائيل"، لاحتمالية وجود ردود من قبل إيران وحلفائها، تلك الردود باتت تراها "إسرائيل" في سيناريو الرد المحدود، الذي من الممكن أن تتقبله "تل ابيب"، والذي يجعل يدها هي العليا، بمعنى أنّ ضرباتها أقوى بكثير من تلك التي قد تتلقاها، معادلة باتت "تل ابيب" تهضمها خلال العقد الأخير، لأنّها تُحقق وفق رؤيتها مكاسب كبيرة، وضربات قوّية، تستحق أن تُضحي من أجلها، في الصمت على ردود محدودة، تبقي يدها طليقة في المنطقة.
قراءة مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني