السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اللهـم انصـر المجاهديـن فـي سوريـا

نشر بتاريخ: 22/05/2018 ( آخر تحديث: 22/05/2018 الساعة: 11:07 )

الكاتب: د.وليد القططي

"اللهم انصر المجاهدين في سوريا " دعاء أصمّ آذاننا طوال سنوات الحرب الأهلية السورية من خطباء الجمعة وعلى منصات التواصل الاجتماعي ولم يخفت بريقه إلاّ مؤخراً وهو دعاء يذكّرنا بعقد الثمانينات من القرن العشرين عندما كان خطباء المساجد يدعون للمجاهدين في أفغانستان بنفس الدعاء. استغرق الأمر عقداً من الزمن أو أكثر لندرك إنهم لا مجاهدون ولا ما يحزنون، وأنهم كانوا مجرد وقود رخيص الثمن للحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي يتم توجيههم بالريموت كونترول من واشنطن ويتم تمويلهم بفائض أموال البترودولار السعودية وتعبئتهم إيديولوجياً بفائض مخزون الكراهية والعنف الكامن في الفكر الوهابي. وقد ساهم في هذه (الزيطة والزمبليطة) للتحريض على الجهاد في أفغانستان والدعاء للمجاهدين آنذاك تياران يتنافسان ولا زالا على تمثيل الإسلام السُني هما التياران: الوهابي والإخواني وكل منهما من منطلقات مختلفة.
هذه الحقيقة كانت في ذلك الوقت في إطار التحليل والاستنتاج، ولكنها كشفت صراحة بعد ذلك من أطراف متعددة كان آخرها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مخترع نظرية العدو البديل والتحالف مع العدو الأصيل عندما تحدث عن هذا الموضوع لصحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية ونقلتها مترجمة صحيفة (القدس العربي) ومضمونها قوله إن انتشار الفكر الوهابي في بلاده يعود إلى فترة الحرب الباردة عندما طلبت دولة حليفة من السعودية استخدام أموالها لمنع تقدم الاتحاد السوفيتي في العالم الإسلامي.
ولكن هذه الحقيقة لم تكن لتخفى على مفكر فلسطيني كبير امتلك معادلة الإيمان والوعي والثورة وعرف كلمة السر التي تجمع بين الإسلام وفلسطين والجهاد هو الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عندما حذّر من انحراف بوصلة الجهاد من فلسطين إلى أفغانستان محاولاً التساؤل عن سبب ذلك مستغرباً من خروج الفلسطينيين والعرب للجهاد في أفغانستان وترك الجهاد في فلسطين وكتب في مقال له بعنوان: اللهم انصرنا في أفغانستان وارزقنا الشهادة في فلسطين يقول: نحن لا نسأل الحكومات والدول التي فتحت أبوابها للمجاهدين الأفغان وساندتهم، وفي نفس الوقت ضيعت فلسطين وخانت مسرى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومعراجه نحن لا نسأل الحكومات التي فتحت مكاتب للمجاهدين الأفغان على أرضها بلا حصر ولا عدد فيما اعتقلت مجاهدين من فلسطين حاولوا أن يجمعوا التبرعات لمجاهدي فلسطين وعوائل شهدائها، ولكن نسأل الذين تحججوا بأن راية الإسلام لم تكن تظلل المقاتلين في فلسطين وهم يسمعون اليوم صيحات الله أكبر تتردد في كل جنبات فلسطين.
التحريض على (الجهاد) والدعاء لنصرة (المجاهدين) في أماكن مليئة بالشبهات وأزمنة مليئة بالظنون تكرر مرات عديدة آخرها في سوريا ومن نفس التيارين – الوهابي والإخواني- داعين إلى الجهاد ضد (الشبيحة والروافض والمرتدين والملاحدة والمجوس وميليشيات الأسد...) وتضمنت الأدعية الطويلة لنصرة (المجاهدين)، وتراجعت الأدعية التي تنادي للجهاد في فلسطين إلى الخلف ووصل الأمر بأحد قادة التيار الإسلامي الفلسطيني إلى الدعوة لأولوية الجهاد في سوريا على الجهاد في فلسطين. وجميعهم استرشدوا بفتوى الإمام أحمد بن تيمية التي تتوّسع في تكفير المسلم وتُعطي الأولوية لقتال (المرتدين والرافضة) من السنة والشيعة على قتال الكفار الأصليين من اليهود والنصارى حتى لو كانوا معتدين، فأصبح الجهاد ضد (إسرائيل) مؤجلاً إلى أجلٍ غير مُسمى وفق هذا الفهم المغلوط لأولويات الجهاد.
هذا الفهم المغلوط لأولويات الجهاد وُظّف لخداع الأغبياء من الحمقى والهُبْل لاستخدامهم وقوداً للحرب وحَطَباً للملحمة، وهو جزء صغير من الحقيقة، أما الحقيقة كلها فتتعلق بأهداف سياسية لا تبعد كثيراً عن الأهداف السياسية لإنشاء ظاهرة (المجاهدين العرب) سابقاً في أفغانستان، فالصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا - الاتحاد السوفيتي سابقاً- على المشرق العربي حل محل الحرب الباردة السابقة، وزاد عليه الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران المرتبط بالصراع الدولي ولا يخرج عن إطاره العام الذي تدخل فيه بعض الدول الاقليمية الأخرى في دائرة التنافس مع السعودية داخل بيت الطاعة الأمريكي. أما أهم الدوافع من وراء دعم (المجاهدين) فهو تفكيك وتقسيم الدولة السورية – وليس فقط إسقاط النظام- وتدمير الجيش العربي السوري باعتباره آخر الجيوش العربية الموجودة التي لا زالت تحمل عقيدة عسكرية تعتبر (إسرائيل) هي العدو المركزي للعرب وباعتباره محوراً مركزياً في الجبهة المعادية للكيان الصهيوني.
دعاء (اللهم انصر المجاهدين في سوريا) أصبح دعاءً مأزوماً اليوم بعد أن اتضحت صورة هؤلاء (المجاهدين) الذي قتلوا من أنفسهم أكثر مما قتل الجيش السوري وحلفاؤه منهم من أجل الصراع على ما تبقى من مناطق السيطرة والنفوذ وهبات المانحين وتوزيع الأموال والسبايا، وبعد أن تراجعت أوهام النصر والتمكين أمام حقائق الهزيمة والانحسار وتراجع (المجاهدين) أمام (غير المجاهدين)، وبعد أن دخل أهل الكتاب من اليهود (إسرائيل) وأهل الكتاب من النصارى (الأمريكان) على خط الحرب الأهلية السورية مباشرة ضد المرتدين والرافضة (النظام وحلفائه) دعماً لإخوانهم من أهل الكتاب المسلمين (المجاهدين) والسؤال الذي لا بد من الإجابة عليه متى ستنتهي هذه المؤامرات التي وقودها دماء العرب والمسلمين ليتم توجيه بوصلة الجهاد والمقاومة إلى القدس وفلسطين؟ّ!.