الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ضربوه حتى نسي النوم

نشر بتاريخ: 21/05/2018 ( آخر تحديث: 21/05/2018 الساعة: 12:14 )

الكاتب: عيسى قراقع

الليل ليس للنوم، قوات الاحتلال وضباط المخابرات الاسرائيلية يتسلطون على النوم، أعداء النوم، يعملون فقط كالخفافيش في وسط الظلام وفي منتصف الليل، يداهمون بقواتهم وأسلحتهم وكلابهم المفترسة منازل الفلسطينيين، لا يطرقون على الباب ، بل يفجرونه بالبارود ويقتحمون المنزل على سكانه النائمين كأنهم يقتحمون قلعة، هم تدربوا على مداهمة فراش النوم واطلاق الرصاص والقنابل والصراخ على اليقظة، وهم تدربوا على التفتيش التخريبي لكل شيء، الخزائن ، الجدران، المكتبات، الاجهزة الكهربائية، الملابس ، وهم تدربوا على مفاجأة اهل البيت، فوهات البنادق في وجوههم الناعسة، لا حرمة للسكان ولا للنساء وكل ذلك من اجل اعتقال ولد صغير يحلم بالنهار، الجنود المقتحمون للمنازل يشبهون العتمة، ملثمون بالاسود، يتحركون كالاشباح، خائفون ان تظهر وجوههم، وهم جاهزون تماما لاعتقال الولد المطلوب، وجاهزون اكثر لاطلاق الرصاص عليه إذا ما حاول الهرب او المقاومة.
الجنود المستهترون بالحياة الانسانية للفلسطينيين يحشرون سكان المنزل في غرفة صغيرة فوق بعضهم البعض ليأخذوا راحتهم في التفتيش والتدمير ، يقلبون كل شيء ويحطمون ما يقع تحت ايديهم، ماذا يريدون؟ وهم يعرفون ان هذه الاجراءات ليست لأخذ معلومات او دلائل بل عقاب جماعي وارهاب متعمد وخلق اجواء من الرعب والخوف والفزع بين سكان البيت.
الجنود يستفزهم كثيرا وجود علم فلسطين على مكتبة او على حائط، يستفزهم وجود صور أو قصائد او كتب وطنية، يستفزهم ان سكان البيت مثقفون ، هنا دواوين محمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو، وهناك على الجدار المعلق مفتاح بيت قديم لم ينس طريق العودة.
الجنود تستفزهم لوحة لبحر يافا وجبال الكرمل تتصدر صالون البيت ، رائحة البحر الذي لا ينام، صور شهداء تملأ أرجاء البيت ارتقوا على يد جنود الاحتلال ، وصور اسرى مكبلين خلف القضبان ، صور اطفال ومعاقين قتلوا في مسيرات العودة في قطاع غزة، مشهد مجزرة، الجنود يستفزهم ان يروا جرائمهم في هذه الصور والمواد، فيزدادوا بطشا وقمعا وجنونا، يشعرون انهم دخلاء وغرباء وبلا هوية وتاريخ ومشاعر.
الاسير القاصر خالد عرفات عمرو 16 سنة، سكان جنين، استفاق على كسر باب المنزل، دخل الجنود على غرفته بسرعة وهو نائم، صاحوا به ورفعوه من السرير، أفاق مذعورا ليجد الجنود يقفون فوق رأسه يصوبون اسلحتهم اتجاهه ، قيدوه وعصبوا عينيه، كان خائفا ولم يستوعب ما يجري ، والده تشاجر مع الجنود لأنهم لم يسمحوا له ان يبدل ملابسه، الجنود انتشروا في البيت قلبوه رأسا على عقب ، حطموا الاثاث.
خارج البيت القوه داخل جيب عسكري وبدأوا يضربونه بأعقاب البنادق، أجلسوه على ارضية الجيب الحديدية وبين ارجل الجنود، دعسوا عليه ببساطيرهم واستمر ذلك طوال الطريق حتى وصلوا مركز تحقيق الجلمة.
الاسير عمرو قال للمحامي لقد ضربوني حتى نسيت النوم، وفي غرف التحقيق سلطوا عليه الاضاءة الصفراء، لا نوم ولا استرخاء، وإذا ما حاول ذلك يخرجونه للشبح على الحائط او على كرسي محني الظهر ، لم يفكر بالنوم بقدر ما كان يفكر بالوجع والالم الذي يسري في جسده الصغير.
القاصر مصطفى جمال الخليل 16 سنة ، اعترف له الجندي انه مجنون ويفعل ما يشاء به، فقد اعتقلوه بعد منتصف الليل، وقام احد الجنود باغلاق باب السيارة العسكرية على ركبتيه مما ادى الى تحطيم عظامه واصابته بكسور، صراخ وألم شديد اصابت الاسير الذي سأل الجندي لماذا فعلت ذلك؟ قال انا مجنون، فتساءل الاسير مصطفى اي دولة مجنونة هذه التي ترسل جنودا مصابين ومرضى بالكراهية والعنف ؟ وأي دولة هذه تتركه طوال اليوم بلا نوم وطعام وماء، في حين يتناول الجنود امامه الاطعمة، سادية مقيتة وتلذذ بعذاب الاخرين، يبدو ان كل دولة اسرائيل بحاجة الى مستشفى.
نهاية عام 2017 بلغت حالات الاعتقال للقاصرين والذين وصلوا سجن عوفر العسكري 595 حالة، منهم 41 قاصرا اصيبوا بالرصاص واعتقلوا جرحى، ولم يمر شهر في تلك السنة الا ويوجد قاصر واحد على الاقل اصيب بالرصاص عند اعتقاله، ومن بين هذا العدد 164 قاصرا تعرضوا للضرب على خاصرتهم وعلى الرأس على يد الجنود بالبنادق والارجل والصفعات واللكمات والدوس على رؤوسهم.
الاسير القاصر احمد عبد الحكيم ابو بكر 15 سنة، اعتقلوه من البيت بعد منتصف الليل على يد قوات خاصة اقتحمت البيت وهاجمت غرفته وهو نائم، صرخوا به وايقظوه ودفعوه، نهض مذعورا وهو يشاهد الجنود يشهرون الاسلحة فوق رأسه ، استجوبوه ساعتين في الغرفة ، ثم اخرجوه مقيدا ومعصوبا ومشوا به مسافة طويلة باتجاه مستوطنة دوتان، وخلال ذلك كانوا يتسلون عليه بالضرب ، يقع على الارض عدة مرات ، وقام الجنود باسقاطه عمدا داخل بركة ماء على الطريق، ومن المستوطنة نقل الى مركز تحقيق سالم، شبحوه مقيد اليدين بالكرسي للخلف، حاول ان ينام على الكرسي، تعمدوا اسقاط الكرسي على الارض، كل شيء فيه يتألم ، أضلاع ورأسه ورقبته ويديه، النوم مقيد ومصلوب في هذا الوقت الذي تجاوز الوقت.
يقول القاصر احمد جميل ابو رياش 15 سنة، ان دولة اسرائيل لا تنام، مشغولة بنا، حجارتنا توقظهم، صلواتنا في القدس تزعجهم، اناشيدنا في المدارس تقلقهم ، يقول ذلك وهو يستذكر كيف اعتقلوه وجروه على الارض الممتلئة بقناني زجاجية مكسرة فأصيب بالعديد من الجروح في وجهه ، وفي غرفة تحقيق في مستوطنة تسوفين، سهت عيناه قليلا ، لكن الجندي منعه من النوم ، وكلما شعر الجندي بان احمد نائم يضربه بقدمه ليستيقظ.
يقول سميح القاسم:
الطفل الفلسطيني صانع المعجزة في التملص من المآزق المميتة، الكلبشات، معسكرات الاعتقال ، التشرد المذابح، خبات هيئة الامم وطنه في زنزانة محكمة الاقفال وحين عادت الى البيت اكتشفت انه اخرج جثته من الزنزانة بينما الاقفال مازالت محكمة تماما.