الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسباب النمو والتطور وثقافة اليسار المعلبة : انتصار الواقع على النظريات

نشر بتاريخ: 25/05/2018 ( آخر تحديث: 26/05/2018 الساعة: 11:03 )

الكاتب: عوني المشني


في جلسات العصف الذهني عن اسباب تخلف الشرق سرعان ما يعلو صوت منظري اليسار الثوري بان السبب يكمن في الاسلام ، وعندما يريدون ان يجعلوا كلامهم اقل حدة فيقولون ان السبب هو الثقافة في الشرق ، وبتفكيك " ثقافة الشرق " هذه سنجد ان الاسلام هو الذي شكل اساس هذه الثقافة .
هذا الفهم يسقط امام معطيات الواقع الموضوعي ، لا يصمد امام الحقائق ، فالنموذج الماليزي يشكل احد اهم نماذج التطور في مجتمع ثقافته اسلامية ، تركيا ايضا نموذج اخر لمجتمع لم يصعد سلم التطور الا بعد ان حكمته القوى الاسلامية ، ايران ايضا انتقل من بلد يدار عبر الكمبرادور الإيراني الى دولة تحتل دورا ومكانة على سلم التطور وبقيادة دينية .
امام هذه الأمثلة الحية والأمثلة هل من اجابة لدى مثقفي اليسار الذين يلقون اللوم على الدين في تخلف بلدان الشرق ؟!!! المطلوب ليس ادانة منهج في التفكير ، المطلوب البحث عن السبب الحقيقي الذي يقف خلف التخلف .
مثال اخر ، كوريا الجنوبية في ظل النظام الراسمالي والمرتبط بامريكيا وصلت الى مصاف الدول المتطورة بينما جارتها كوريا الشمالية ورغم تطورها العسكري الملحوظ الا ان مستوى الحياة فيها يدعوا الى الحزن والشفقة !!! ربما يقول قائل ان السبب هو الحصار والعداء ، وفِي هذا القول جزء كبير من الحقيقية ، لكن الصين ورغم الحصار والعداء الامريكي لها وفِي ظل نظام جديد بعد وفاة ماوتسي تونغ تحولت الى اعظم اقتصاد في الكون !!!!!
هذا يقودنا الى حقيقة يغفلها الكثيرون وهي ان النظام السياسي هو الذي يقف خلف تخلف البلاد او تطورها !!!
النظام وبغض النظر عن الأيدلوجية
النظام وبغض النظر عن الثقافة
النظام وبغض النظر عن الدين
النظام وبغض النظر عن الامكانيات
النظام وبغض النظر عن التحالفات
النظام وبغض النظر عن الاعداء
تركيا تحكمها قوى دينية وتشكل نموذج تطور متميز
بينما السعودية نظام يرتكز على الدين ويمتلك الامكانيات والمقومات ولا زال في قائمة الدول المتخلفة
كوريا الجنوبية نظام تابع للغرب ومع ذلك فهي قصة نجاح والإمارات نظام تابع للغرب ولكنها حكاية استهلاك
الصين نظام اشتراكي وأصبحت اكبر اقتصاد في الكون
هذا يعني ليست الموضوعة دين او ايدولوجيا
النظام السياسي هو الاساس
وحتى عندما نتحدث عن احترام انسانية البشر وحقوق المواطنة فان الأيدلوجيات ليست هي المشكلة ولا الأديان ، في نظم دينية وباسم الدين ارتكبت جرائم ، وباسم الاشتراكية ايضا ارتكبت جرائم ، وتحت يافطة الديمقراطية والحريّة ارتكبت جرائم ، داعش ليست اقل سوءا من الخمير الحمر في كمبوديا ولاهم الاثنين اكثر سوءا من الديمقراطية الالمانية التي أنتجت هتلر ، وامريكيا نشرت ثقافة القتل والارهاب اكثر ما نشرت ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان . هذا يقودنا الى حقيقة ان لا علاقة لكل هذا كبالايدلوجيا او الدين ، الجريمة السياسية سببها النظام وليس الايدلوجيا التي يتبعها النظام .
من قال ان التطور حكر على مفهوم أيدلوجي او دين فهو ينطلق من مواقف نمطية " معلبة " ، لنلاحظ ان اكثر اغلب الدول ذات الاقتصاد المتطور تختلف في الايدلوجيا والدين والثقافة ، ما الذي يجمع بين امريكيا ، روسيا ، الصين ، اليابان ، تركيا ، ماليزيا ، كوريا ، المانيا ؟؟؟ الثقافات مختلفة ، الأديان مختلفة ، البيئة الجغرافية ، المقومات المادية ، كل شيئ مختلف !!!!
الشيئ الوحيد الذي يشكل قاسم بين تلك الدول انها بنظام سياسي جاد ومسئول استطاعت ان ترتقي سلم التطور ، نعم هذه الدول صعدت بقوة وتربعت على عرش الاقتصاديات الأكثر تطورا .
وبالمناسبة فان الدول الصاعدة في الخمسين سنة الماضية بأغلبها دول ذات ثقافات شرقية متنوعة ، الصين ، ماليزيا ، كوريا ، تركيا ، ايران ، بمعنى انها دول لا تنتمي لا حضاريا ولا ثقافيا للحضارة الغربية الاوروبية !!!!
عندما يتصدى النظام لمهمات التنمية وينتج بنى فوقية من قوانين وانظمة تنسجم مع الأهداف التنموية ويجتث الفساد فانه ينتج بيئة للتطور ، هذه هي المعادلة
هي معادلة بسيطة
ولكنها تحتاج الى اكثر قرار
تحتاج الى قوى سياسية غير فاسدة
تحتاج الى نظام انتخابي حر وغير مزور
تحتاج الى إعلام شفاف
تحتاج الى نظام قضائي غير فاسد يتساوى الجميع بلا استثناء أمامه
تحتاج الى عدم احتكار السلطة
تحتاج الى منافسة عادلة مبدأها الجودة والسعر
تحتاج الى حرية الرأي والتعبير
تحتاج الى مؤسسات مجتمع مدني فاعلة وحيوية
هذه هي المعادلة تحتاج الى اكثر من قرار ، تحتاج الى تضحيات جسيمة خاصة مع البدايات ، تضحية بالامتيازات ، تضحية بالعلاقات القائمة على المصالح والمحاباة ، تحتاج الى استعداد كبير لتحمل ضغوطات الواسطة والمحسوبية ، تحتاج الى معايير صحيحة في تقييم الإنجاز والنجاح ، تحتاج الى قدرة على احتمال العمل الجاد والمسئول ، وتحتاج الى نظم تعليمية توظف في ذات السياق .
هذا ليس تسطيح للامور ، هذا قراءة لمعطيات الواقع ، قراءة عبر تجارب ماثلة ، وعلى اساسها تكيف النظريات ، فالواقع عنيد الى درجة انه الوحيد القادر على إثبات مصداقية النظريات . ان حشر الواقع في قوالب نظرية مغلوطة لا يعطي اجابات للأسئلة العميقة ، والأجدى اعادة تكييف النظريات لتنسجم مع معطيات الواقع .