الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف وجدت القدس؟؟

نشر بتاريخ: 19/06/2018 ( آخر تحديث: 19/06/2018 الساعة: 11:17 )

الكاتب: وليد الهودلي

سمحوا له بزيارة المسجد الاقصى للصلاة فيه لأنه تجاوز الخمسين ولانه لم يتناقض مع اية تعاليم صهيونية ولم يضر بأمنهم بأي شكل من الاشكال في اي فترة من فترات حياته ولو بكلمة أو نبضة قلب معادية لساميتهم، وكونه عامل في مؤسسة الاونروا الدولية في غزة فقد فاز بقرعة شملت ثلاثة عشر الف موظف، وكان سعيد حظ من بين المائة وأربعين الذين فازوا بقرعة الاحتلال لزيارة الاقصى بمناسبة شهر رمضان الفضيل.. وكان بين هذه الزيارة والتي سبقتها قرابة العشرين عاما .. كان بالفعل سعيد حظ وتعيسه في ان واحد كون هذه السعادة فتحت له رؤية الصورة بالغة التعاسة على ارض الواقع..
وسئل بعد العودة بسلامة وكآبة في آن: كيف وجدت الاقصى؟ فأجاب:
" بهتني بهذا السؤال احد الاصدقاء بعد عودتي مباشرة : كيف وجدت الاقصى ؟ انعقد لساني وبذلت جهدا كبيرا لفك عقاله، انطلق وانفلت دون ان يحسب حسابات إذنهم بالزيارة مرة ثانية لانه لم يتبق من العمر كي انتظر عشرين سنة قادمة لأحظى بهذه الزيارة من جديد..
" وضع الاقصى سيدي أسوأ بكثير من وضع غزة وبينهما قواسم مأساوية مشتركة :
فكلاهما محاصر وغارق في بحر لؤمهم وخبثهم وعجائب تدميرهم لكل ما في حياتنا من حياة : فالقدس مجاصرة بجدران الضم العنصري ولها معابر مسيطر عليها سيطرة كاملة وتخضع كل من يمر من خلالها لشروطهم القاسية واجراءاتهم المهينة : التفتيش الجسدي وتمحيص الملف الامني وأن يشتعل الرأس شيبا ، ثم هناك من الاحياء الاستيطانية والكتل البنائية الضخمة التي ربضت على صدر القدس وأطلت على ساحات المسجد الاقصى ، وهناك من الشوارع والطرق ما أعاد تشكيل المدينة ومساربها بما يخدمهم وحدهم ، تصرفوا بالقدس تصرف المالك وتصرف الساكن الاصلي بينما اضحى الفلسطيني غريبا او ضيفا غير مرغوب فيه او قل عابر سبيلهم .
وهكذا غزة ليت البحر من امامها والعدو من خلفها بل العدو من كل جوانبها وما البحر الا ساحة مغلقة ببوارجهم العسكرية المتربصة ، الانفاق اغلقت والمعابر كعنق زجاجة لا تفتح الا باوامر صارمة واجراءاتهم أشد مرارة من تلك التي تحيط بالقدس .
كيف وجدت الاقصى ؟ هل أخبركم بما تقوله الاخبار بالاقتحامات المتكررة لقطعان المستوطنين ؟ لا الامر برؤية العين مختلف .. ان ترى بام عينك أناس يصرون على اقتحام مكان مقدس يتعبد فيه اصحابه لخالقهم ليقيموا صلاتهم بذات المكان ؟ وتحت حراب جنود مدججين بالسلاح وأدوات القمع .. تماما كفكرة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ، هم هكذا يريدون المسجد الاقصى خاويا من ناسه : مسجدا بلا مصلين لمصلين لا مسجد لهم .. ولكني رأيت الالاف المؤلفة الفلسطينية تجتاز كل حواجزهم وكل اجراءاتهم المعقدة والمهينة لتصل مسجدها ولتقول قولتها الفصل : هذا الاقصى لنا ولا شريك لاحد فيه الا ان يكون مسلما ومن اصحاب الحق الاصليين لهذا المسجد . لقد رايت كتلا حاقدة تتحرك على ارض الاقصى ورأيت مقابلها قلوبا طاهرة وتمتلك اصرارا وعزيمة وارادة لن تلين ولن تستكين امام هذه الغطرسة المفرطة . كيف تضيق عليهم الارض التي اغتصبوها منا بما رحبت وياتون هنا رغم انهم عجزوا عن اثبات اية علاقة بين هيكلهم المزعوم والاقصى ، فقط مجرد اوهام يسيرون خلفها ويرتكبون هذه الحماقة دون اية مراعاة لحرمة او قداسة او حتى قانون أو عرف دولي بهذا الشأن .
وغزة وأهلها يجسدون بمسيراتهم احياء لحقهم الذي لا يموت بالتقادم فيقتلون وتنطلق النيران عليهم .. لماذا ؟ هؤلاء الناس تم تطهير بلدانهم عرقيا منهم فهل يسقط حقهم ؟ تذكرك ايها الاحتلال هذه المسيرات كما تذكرك جموع العابدين في محاريب الاقصى ، هذا اقصانا وهذه ارضنا سواء .. لن نفرط بأية ذرة من ذراتها فكل فلسطين هي قدسنا والباطل باطل سواء على ساحة الاقصى او على أية بقعة من فلسطين ، على الاقل والى حين ان تكون الغلبة لنا لن نفرط ولن نعترف باي حق لكم في بلادنا .. نحن السكان الاصليين وأنتم كنتم وستبقون شذاذ آفاق لا نبت لكم ولا اصل على هذه الارض .
وجدت الاقصى سيدي يحتضن من وصله من أمته يشكو لهم طول وحشته ، ويبكي بحرقة أمة قد غابت نخوتها وضل قادتها البوصلة ولم تعد القدس قبلتهم الاولى ، استبدلوها بالبيت الابيض وزعامة كهنوت العالم بهذه الدولة حيث يتزلفون ويطبعون ويسيرون في ركابهم سرا واصبح اليوم بعضهم علانية يبدي الاستعداد للتنازل وبيع القدس بابخس الاثمان ، يشكو الاقصى اليوم تخلي من من المفترض ان يكونوا حماته والساعين نحو تحريره واسترداده من أيدي الغاصبين فاذا بهم يتآمرون ويخفضون رؤوسهم لصفقة سميت بصفقة القرن ويبدون استعدادهم لتمريرها والسير في ركابها .. يا للهول وهذا ما يحاك لغزة لانها أبدت مقاومة ومعارضة : جوعوها وأطبقوا عليها من كل جانب وأفرزوا عليها عصارتهم السوداء ليذيبوها في بحرعمالتهم وعبوديتهم المطلقة لامريكا وربيبتها في المنطقة .
واضح ايها السادة أن القدس هي القلب وغزة وفلسطين كلها هي القضية ، وان المساس بأي طرف من اطرافها هو حتما مساس موصول في القلب ، انه جسد القضية ولا مجال الا ان يتداعي كافة الجسد بالسهر والحمى اذا كان المصاب بالقدس او غزة أو اي بقعة من فلسطين حيث هي بيت المقدس اكناف بيت المقدس .