السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حال الإنقسام السياسي الفلسطيني

نشر بتاريخ: 23/06/2018 ( آخر تحديث: 23/06/2018 الساعة: 15:39 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

حال الإنقسام السياسي الفلسطيني أشبه بأسطورة البطل الأغريقي سيزيف الذي عاقبته الآلهة بحمل الحجر والتسلق للجبل، وكلما تسلق تتدحرج وعاد الكرة من جديد ويلهث، ولينتهي إلى حيث بدأ دون اي نتيجة. الإنقسام الفلسطيني أشبه بهذه الحالة العبثية، العديد من الإتفاقات ـ والتصريحات وكأنها هروبا من تحمل المسؤولية عن الإنقسام. ويبدو أن الإنقسام بات خيارا على مستوى طرفي الإنقسام، وهذه حقيقة، بمعنى وهنا يكمن خطر الإنقسام انه يرتبط بخيارات كل من حماس وفتح، وبعيدا عن التمسك بالخيارات الوطنية، وخيارات وحدانية الاحتلال ووحدانية القضية، فهذا لم يعد قائما، وبدلا من وضع الرأس كالنعامة في الأرض والتي تعتقد أنها ترى كل العالم والعالم لا يراها، هناك تعامل مع الاحتلال بطرق شتى، وهو ما ينسف وحدانية الاحتلال، وهناك تمسك بما أنجزه كل منهما على مستوى الحركة وفي هذا نفي لوحدانية القضية الفلسطينية، وما يؤكد مصداقية هذه الفرضية او هذه الحقيقة اننا بعد أكثر من عشر سنوات من الإنقسام ما زلنا أشبه بسيزيف الأغريقي نوقع إتفاقا للمصالحة تلو الاتفاق ونعود كما كنا بل نعود اكثر ضعفا، واكثر تصلبا في التمسك بحالة الإنقسام لأن هناك علاقة بين الإنقسام وعامل الوقت كل يوم يزيد في عمر الإنقسام، ولو أراد الطرفان إنهاء الإنقسام لتحقق ذلك منذ اليوم الأول. ولذلك السؤال لماذا عشر سنوات؟ ولماذا تحول الإنقسام لحالة أبدية دائمة؟ ولماذا التعثر وفشل المحاولة؟ اعتقد أن فشل المحاولة مقصود عكس محاولة سيزيف، الفشل بات هدفا وقرارا، لأن الإنقسام اسهل الطرق لتحقيق الأهداف الضيقة والصغيرة لكل منهما. ولا شك انه قد تكون هناك قوى وعقبات توضع وتحفر في طريق المصالحة، وهذا أمر منطقي ومفهوم ويفترض ان يكون دافعا لإنهاء الإنقسام، فعندما نؤكد والكل يؤكد أن الإنقسام مصلحة إسرائيلية، وان هدف إسرائيل تحويل الإنقسام إلى حالة سياسية قائمة منفصلة لها كينونتها وبنيتها، بالوصول بكل منهما لحالة من التعب السياسي بعدها يقبلا، بما هو مطروح، ومع ذلك نستمر في مسار الإنقسام فهذا تأكيد أن الكل يريد الإنقسام، وعندما نقول أن الهدف الإستراتيجي على مستوى المنطقة للقوى الإقليمية والدولية هو إعادة تقسيم الخارطة السياسية للمنطقة عبر خيار تقسيم فلسطين وتفكيكيها ومع ذلك نستمر في الإنقسام فهذا تأكيد اننا نريد الإنقسام، وعندما نؤكد ان القوى الإقليمية وحتى الدولية توظف ما تبقى من القضية الفلسطينية لحساباتها القومية ومصالحها العليا، ومع ذلك نصر على ربط قراراتنا بقرار ومصالح هذه الدول والتحالف معها فهذا معناه أيضا التمسك بحالة الإنقسام. عندما نربط قرارتنا وافعالنا وخياراتنا لتدعيم وتأكيد ان كل طرف على صح والطرف الآخر على خطأ، فهذا أيضا يعني التمسك بحالة الإنقسام عندما نخدع انفسنا ونقول الانتخابات هي الحل ونطالب بها ولكن نضع الشرط المسبقة إما القوة او لا انتخابات فهذا يعني اننا نريد الإنقسام. 
الإنقسام السياسي لم يعد حالة بسيطة يمكن تفكيك عقدها، بل تحولت لحالة مركبة مزمنة حتى بمقاييس الزمن، وفي علم إدارة الإزمات عندما تتحول أزمة ما لأزمة مركبة مزمنة يصعب التفكير في حلها بل إدارتها، وتشبه بعقدة غورديان التي تحتاج لإستئصال العقدة الرئيسة لتفك كل العقد تلقائيا، وهذا الخيار مستبعد في الحالة الفلسطينية، ولذلك بدأ الحيث عن الحلول الإنسانية، بمعنى فك العقد الإنسانية وترك العقد السياسيه لأن الهدف واضح، بل إن حل العقد ألإنسانيه أو المعالجة الإنسانية وانا أؤويدها، لكن التخوف ان تصبح غاية لتبرير الوسيلة، بعبارة أخرى ان يكون الهدف منها تعميق حالة الإنقسام ـ وتحولها لحالة سياسيه ثابتة دائمة، لها بنيتها ومؤسساتها، وليس فقط عقيدتها السياسية. هنا تبرز الحلول الأخرى، واقصد حلول وخيارات معالجة الإنقسام وليس المصالحة، ولذلك الحديث عن المصالحة أصبح غير مجدٍ ويدعو للهث والتعب، وبدلا من محاولات سيزيف المتعثرة واللانهائية، وتهربا من تحمل مسؤولية الإنقسام، وحفاظا على ماء وجه كل منهما يبدأ الحديث، وتبدأ الحلول الأخرى كيف نتعامل مع المصالحة بالإنقسام، وليس الإنقسام بالمصالحة، والقصد البحث في الحلول الإنسانية، وحلول التهدئة والهدنة مع إسرائيل وتحييد سلاح المقاومة، وحول التفاوض لتسويات سياسية للضفة الغربية، على أساس ان الحل باتت له صورتان: غزة الحفاظ على فصلها في سياق عام للمصالة، ولتحقيق ذلك لا بد من الثمن السياسي المطلوب فقط التهدئة الأمنية الحدودية، حتى السلاح يتحول لهذه الوظيفة، ولا مانع من بقاء بنية الانقسام قائمة بل تحولها لحالة سياسية معترف بها ولها شرعيتها. ولا مانع ان تتحول غزة لنموذج فلسطيني لكينونة مستقبلية، ولهذا الحصار والحروب وكل مشاكل غزة هدفها الوصول لخيار غزة أولا، وهذا قد يفسر لنا كل الفعاليات والحراكات التي تشهدها غزة حلول إنسانية في سياق امني سياسي. والذي يساعد على ذلك المحددات الجغرافية والسكانية ومحدودية القدرات تحكم من يريد أن يحكم غزة، اما الصورة الثانية لتعميق حالة الإنفصال بدلا من اللهث والتعب فالتفكير في الربط ألإقليمي، وتوسيع دائرة الحقوق الإنسانية وقليل من الحقوق السياسية، والعمل على سلطة أعلى من حكم ذاتي واقل من دولة في الضفة الغربية. هذه بعض من ملامح الحالة السياسية الفلسطينية، ولننسى جميعا القضية الفسطينية، ولننسى الشعب الفلسطيني، ولم يعد في تفكير صانعي القرار الدولي الذي تقوده الولايات قضية يصعب حلها، ومن هذه الفرضية تنطلق صفقة القرن بفرض الحل بالقوة، لأن العالم لم يعد مستعدا أن يعيش للأبد مع القضية الفلسطينية. وحتى الأن نستطيع القول انهم نجحوا في ان يجعلوا القضية الفلسطينية قضية تنظيم وليس قضية دولة وشعب. الفلسطينيون يعاقبون أنفسهم بالإنقسام مقابل مكافاة بقاء فتح في الضفة وحماس في غزة.