الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

سؤال الطالب الصعب... ماذا أتخصص؟

نشر بتاريخ: 16/07/2018 ( آخر تحديث: 16/07/2018 الساعة: 11:24 )

الكاتب: سامر سلامه

محاضر في جامعة بيرزيت سابقا
أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عشية إعلان نتائج إمتحان الثانوية العامة "الإنجاز" والمعروف شعبيا "بإمتحان التوجيهي" بيانا خاصا للطلبة الذين تقدموا للإمتحان للعام الدراسي الحالي 2018 تحت عنوان "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد 20-29 سنه، 2017"، في محاولة لتوجيه الطلبة لإختيار التخصصات المناسبة لسوق العمل من منطلق حاجة السوق للتخصصات المختلفة. وقد أثار هذا البيان سيلا من التساؤلات حول مستقبل الطلبة في ظل إستمرار عدم موائمة مخرجات التعليم العالي وإحتياجات سوق العمل. إذ سلط البيان الضؤ على معدل البطالة في جميع التخصصات التي تدرس حاليا في مؤسسات التعليم العالي والتي وصلت في مجملها إلى 56% (41% في الضفة الغربية و 73% في قطاع غزه). وبحسب البيان فقد سجلت أعلى معدلات للبطالة بين الأفراد الذكور 20-29 سنة الحاصلين على شهادة الدبلوم المتوسط أو البكالوريوس في فلسطين في العام 2017 في بعض مجالات الدراسة كالتالي: العلوم الطبيعية (54%)، الرياضيات والإحصاء (49%)، علوم تربوية وإعداد معلمين (47%)، الصحافة والإعلام (45%)، العلوم الاجتماعية والسلوكية (43%). في حين بلغت أعلى معدلات للبطالة بين الإناث 20-29 سنة الحاصلات على شهادة البكالوريوس أو الدبلوم المتوسط في العام 2017 في بعض مجالات الدراسة كالتالي: الحاسوب (83%)، علوم إنسانية (80%)، علوم تربوية وإعداد معلمين (77%)، العلوم الاجتماعية والسلوكية (76%)، الخدمات الشخصية (75%). بالتأكيد إن هذه الأرقام ستكون صادمة للطلبة الجدد وذويهم وستشكل لهم أزمة حقيقية وصعوبة كبيرة عند إختيار التخصص الذي يريدونه.
بالرغم مما جاء في بيان جهاز الإحصاء المركزي هو بيانات واقعية ودقيقة عن نسب البطالة في أوساط التخصصات المختلفة، وأنا شخصيا أثق بما ينشر عن الجهاز المركزي للإحصاء، إلا أنني لا أرى الصورة بهذا السواد أو الضبابية. فإنني أعتقد أن الحال في فلسطين يشبه إلى حد كبير الظروف التي تمر بها معظم الدول. إذ أن سوق العمل الفلسطيني هو سوق ديناميكي يتكيف بشكل ملحوظ مع التغيرات الناجمة عن التطور التكنولوجي في العالم، الأمر الذي يفرض على المؤسسة التعليمية واقع متغير دائما، إذ لا تستطيع معظم تلك المؤسسات على مواكبته بالسرعة التي تتغير بها التكنولوجيا. ومن هنا فإنني أود أن أنظر إلى هذا الموضوع من زاويتين مختلفتين والناظر من خلالها سيكتشف أن هناك فرص كامنه غير مكتشفه يمكن للطالب/ة الفلسطيني أن ينظر إليها ليكتشف المسار الذي سيسلكه في طريقه نحو سوق العمل.
فأولى الزوايا التي يمكن النظر من خلالها هي زاوية الإبداع والتميز في التخصص الذي يرغب الطالب/ة ان يختاره. ولكي نحقق هذا الموضوع يجب أن يتوفر لدى الطالب/ة مطلبين معا هما الرغبة والقدرة (Willingness and Ability ). فإذا توفرت لدى الطالب/ة الرغبة والقدرة على دراسة تخصص معين فإن ذلك الطالب/ة سيصل حتما إلى مرحلة التميز والإبداع في تخصصه، الأمر الذي سيفتح الأبواب على مصراعيها للمبدعين دائما لدخول معترك الحياة بكل ثقة. أو بمعنى آخر أكثر دقة يجب أن يتوفر لدى الطالب/ة الشغف (Passion) لتخصص موضوع معين. فكلمة السر وراء أي إبداع وتميز هو الشغف في الشيء. وهناك أمثلة عديدة على نجاح العديد من الأشخاص بالرغم من أنهم لم يتمكنوا من الحصول على درجات علميه عليا أمثال أديسون وأينشتاين وغيرهم. ومن هنا فإنني أقول واثقا إلى جميع الطلبة، أنه إن حظيتم بالتخصص الذي ترغبون به وتملكون القدرة على دراسته ولكم ما يكفي من الشغف لدراسته فتقدموا بكل ثقة لدراسة ذلك التخصص حتى ولو كانت نسبة البطالة في هذا التخصص أعلى من 50%.
والزاوية الثانية التي يمكن للطلبة وذويهم النظر من خلالها هي زاوية التخصصات التقنية والمهنية التي تطرحها مؤسسات التعليم والتدريب المهني والتقني غير الجامعية. فجميع الدراسات التي أعدتها وزارة العمل وكان آخرها دراسة تتبع خريجي برنامج التدريب في مكان العمل والتي أنجزت بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعاون البلجيكي فإنها تشير بشكل واضح وأكيد أن نسب التشغيل في أوساط خريجي التعليم والتدريب المهني تصل إلى 92% وفي بعض التخصصات تصل إلى 100%. وقد كان للمناشدة التي أطلقتها بعض النقابات المهنية وإتحاد الصناعات الفلسطينية وإتحاد الغرف التجارية حول ضرورة التوجه نحو التعليم المهني والتقني لهو أكبر دليل على حاجة سوق العمل لمثل هذه التخصصات. ونحن بدورنا قد أكدنا سابقا بأن التعليم والتدريب المهني والتقني هو الطريق الأسرع والأقصر لدخول سوق العمل.
وفي الختام فإنني أستطيع القول أنه وبالرغم من الإختلال الحاصل في سوق العمل بين العرض والطلب إلا أننا لا نزال نملك الفرص الكافية لمعالجة هذا الإختلال من خلال إتاحة الفرصة أمام طلبتنا للتميز والإبداع في تخصصاتهم وتشجيعهم على الإنخراط في منظومة التعليم والتدريب المهني كخيار شخصي نحو موائمة أكبر بين مخرجات التعليم وإحتياجات سوق العمل.