الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني... تجربة ابراهيم ملحم

نشر بتاريخ: 16/07/2018 ( آخر تحديث: 16/07/2018 الساعة: 17:24 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني -حلقات متصلة في تجربة الإعلامي إبراهيم ملحم

منذ أن اطلعت على المسودة الأولى من كتاب "الصحافة من البليت إلى التابليت" للزميل والصديق إبراهيم ملحم، أدركت أن المكتبة الفلسطينية على موعد مع إصدار نوعي جديد في تبويبه وترتيبه ومعالجاته واستنتاجاته.
وقد انطلق ملحم في ( كتابه – تجربته) من الصحافة المكتوبة، ليس لأنها نقطة البداية بالنسبة إليه وبالنسبة لأبناء جيلنا الإعلاميين الذين شقوا طريقهم المهني منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، بل لأن الصحافة المكتوبة هي البوابة التي يمكن العبور منها إلى ميادين إعلامية أخرى، بمعنى إذا كنت صحفياً متمكناً في الصحافة المكتوبة فمن المتوقع أن تنجح في الإعلام المرئي أو المسموع، لكن ليس شرطاً أن ينجح الإذاعي أو التلفزيوني في الصحافة المكتوبة، بسبب أن هذا المجال يتطلب حضوراً لغوياً وثقافياً ومعرفياً وقدرة عالية على الصياغة والتعامل مع القواعد المهنية، في حين أن الإعلامي في الإذاعة والتلفزيون يحاط بفريق من المعدين والمحررين والتقنيين الذين يجتهدون معاً ويتكاملون للوصول إلى النجاح.
صحيح أن العمل في الصحيفة المكتوبة لا يكتمل سوى بفريق، إلا أن المهارات الفردية على هذا الصعيد تفعل فعلها، لذلك عندما نجح إبراهيم ملحم في الصحافة المكتوبة، نجح في الإذاعة وعندما نجح في الاثنتين المذكورتين نجح في الإعلام التلفزيوني، ونجاحه في الثلاثة مجالات، جعل النجاح في الصحافة الإلكترونية حتمياً. 
كِتاب "ملحم" الصادر عن دار طباق للنشر والتوزيع والواقع في 366 صفحة من القطع الكبير، وضع بين أيدينا تجربة إعلامية فلسطينية ناضجة ومتكاملة تصلح لأن تكون مثالاً يقتدى به لمن يأخذ الاجتهاد والمباراة مع النفس ومسابقة الزمن دستوراً ومنهجاً في مسيرته الإعلامية. وعندما أتحدث عن تجربة هذا الإعلامي فإنني لا أتحدث بحيادية، بل بانحياز لها، خاصة وأن هناك فريقاً إعلامياً على الساحة الفلسطينية "ويشرفني أنني واحد من أعضائه"، قد قادنا اجتهادنا الفردي إلى النجاح في عدد من الميادين الإعلامية، بتوظيف كل مجال في خدمة وإغناء المجالات الأخرى، في إطار جدلي وتكاملي. وحسناً ما قاله بشكل عميق ومكثف الشاعر غسان زقطان في تقديمه للكتاب، حيث أضاء على هذا الإصدار بفقرات معرفية وتوصيفية وتحليلية "إن قوة السيرة الحقيقية تكمن في تحويل سيرة المكان والعمل المحمول على الشغف والولاء للمهنة والبشر الذين يسعون في إنجاز الحكاية إلى سيرة شخصية وهذا ما فعله إبراهيم ملحم في كتابه هذا؟!

وفي رأيي أن الكتاب قدم فائدة على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: أنه مناسب تماماً لطلبة الإعلام، ويوفر لهم بسهولة ويسر جوانب مهنية ومعرفية وتثقيفية من مرجع نظري علمي تم امتحانه وتجريبه في الميدان بنجاح وإبداع.
المستوى الثاني: للإعلاميين والمثقفين الذين هم أقرب إلى التخصص أو أنهم مارسوا المهنة، ويمتلكون القدرة على الإمساك بمفاتيحها، بيد أن هذا الكتاب يضع في متناولهم مزيداً من المفاتيح المهنية.
المستوى الثالث: الجمهور الواسع، لا سيما وأن الكِتاب يوفر للقارئ سلسلة من المعارف والمعلومات المتعلقة بالصحافة الفلسطينية منذ النشأة ومروراً بمراحل مختلفة، إضافة إلى تقديم التجربة الإعلامية الفلسطينية بمستجداتها وتطوراتها واتساع ميادينها، وبالتالي فإن القارئ يصبح على معرفة ودراية بتجربةٍ إعلامية فلسطينيةٍ شديدةِ الأهمية.
لكن ما يسجل للإعلامي "ملحم" في كتابه إلى جانب كثير من المميزات التي من الصعب الإحاطة بها في مقال محدود المساحة، أنه نجح بشكل كبير ولافت في توظيف ارشيفه في خدمة الأفكار والتوجهات التي رغب في تقديمها وعرضها دون إطالة، من خلال عناوين قصيرة ولافتة وذات دلالة، مدركاً أن الفكرة من المفروض أن تقدم بأقلِ عدد من الكلمات، لكن بصيغ مشوقة ومعالجات ذكية تنم عن خبرة في التعامل مع القلم واستخدام الجمل المناسبة، فانساب العمل انسياباً رقراقاً سلساً كما المياه الجارية في جدول عذب، بمعنى أنك تقرأ عملاً معلوماتياً جدياً مليئاً بالقواعد والمعطيات، دون أن تشعر بارهاق أو ملل أو ثقل، وكأنك تقرأ رواية أو نصاً أدبياً مشوقاً، وهنا برزت وتجلت خبرة القلم الصحفي الذي تفتح ونضج على مساحات ورق الصحافة المكتوبة.
ذكرت لي ابنتي "بيلسان" طالبة الإعلام في جامعة بيرزيت اسم الأستاذ إبراهيم ملحم، لتخبرني أنه يدرسها أحد المساقات، فقلت لها: حسناً، حاولي قدر الإمكان أن تكوني حاضرة ومجتهدة، فهذا محاضر يجمع باقتدار بين النظري والعملي، وأنا من المتحمسين لأساتذة الإعلام الذين يحيطون بالجانبين، ولا استطيع أن أصدق محاضراً لم أقرأ له مقالاً أو بحثاً ولم أشاهده من خلال التلفاز أو لم استمتع إليه عبر أثير إذاعة.
فالمحاضر الذي مارس المهنة في جانب أو في عدد من الجوانب الإعلامية، بالتأكيد يستطيع أن يضع النظرية في سياقها العملي الصحيح.
من هنا فإن كتاب "ملحم" سلط الضوْء على تجربة إعلامية فلسطينية، تستحق التوثيق والتأريخ، وتستحق أن يتعلم منها الإعلاميون الشبان وأن يتمعنها الإعلاميون القدامى.

لذلك أتمنى على كل المعنيين والهمتمين بهذه المهنة، أن يعتمدوه، ويضيفوه إلى مكتباتهم الخاصة.