الثلاثاء: 19/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

خيارات التصعيد بين مواجهة عسكرية وحرب رابعة على غزة

نشر بتاريخ: 16/07/2018 ( آخر تحديث: 16/07/2018 الساعة: 17:42 )

الكاتب: د. عبير عبد الرحمن ثابت

أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية
تبدو المواجهة العسكرية بين إسرائيل وفصائل المقاومة المسلحة في غزة أمرا محتملا في أي لحظة، ولكن تطور هذه المواجهة إلى حرب رابعة أمر فيه نظر؛ لأن هذا التطور سينقل الأمور من خانة السياسة التكتيكية التي ترواح فيها المواجهة بين الطرفين منذ نهاية عدوان 2014 (لغرض تعميق معادلة الردع من جانب إسرائيل وتحسين شروطها من جانب المقاومة ) إلى خانة السياسة الاستراتيجية، ومن الواضح أن إسرائيل ترى على الأقل في الوقت الراهن أن غزة لا تشكل تهديدا استراتيجيا لها، وأن شن حرب رابعة على غزة بكلفتها الباهظة عسكريا وإنسانيا ليس أمرا حيويا لتحقيق أهداف استراتيجية؛ ومن الممكن تحقيقها بطرق أخرى أقل كلفة. ومن الواضح أنها لازالت تراهن في هذا الصدد على سياسة العصا والجزرة مع حركة حماس لتحقيق تلك الأهداف دون الاضطرار لدخول حرب رابعة ستكون في نهايتها غارقة مجددا في قلب كابوس غزة التي فرت منه قبل أكثر من عقد.
ومن الجدير بالذكر أن شن إسرائيل لعدوان رابع على غزه سيجبرها على اجتياح غزة مدينة مدينة ومخيم تلو الآخر من فوق الأرض ومن تحتها؛ وعملية كتلك قطعا لن تكون نزهة قصيرة للجيش الاسرائيلي في القطاع نظرا لطبيعة المواجهة الدموية التي ستحدث بفعل انعدام الخيارات أمام فصائل المقاومة الفلسطينية فيها؛ والتي ستنحصر عندئذ في خيار القتال حتى الموت؛ وإذا ما أضفنا للمشهد الكثافة السكانية للقطاع فإننا سنكون أمام سلسلة من المجازر غير المسبوقة؛ والتي من شأنها زعزعة قواعد الكثير مما بنته إسرائيل إقليميا خلال السنوات الأريع الماضية؛ إضافة إلى ذلك حربا من هذا القبيل يلزمها ضوء أخضر أمريكي؛ ولا يبدو أن إدارة ترامب ستكون مستعدة على الأقل في هذه الفترة أن تعطيه لإسرائيل لأنه سيمثل ببساطة غباءً سياسياً عميقاً.
وكذلك مراهنة إسرائيل على سياسة العصا والجزرة مع حركة حماس تنبع في الأساس من استثمارها لتجربة حكم حماس المأزومة للقطاع على مدار عقد من الزمن؛ والجزرة التي تنوي منحها لحماس لن تكون إلا جزرة مسمومة لأنها لن تتعدى حدود إبقاء سيطرة حماس منفردة على مقاليد حكمها لسكان القطاع؛ وهو ما يعني ببساطة استمرار الانقسام الفلسطيني إلى اجل غير مسمى؛ وهذا في حد ذاته هدف استراتيجي حيوي لإسرائيل تضرب من خلاله وحدة الشعب والقضية والثمثيل السياسي لهما.
والأهم الآن ضرورة إدراك حركة حماس أن بقاء سيطرتها على غزة قد أصبح اليوم فخا عميقا لها وللكل الفلسطيني؛ وأنها طالما بقيت المسيطر على القطاع فإن سياسة العصا والجزرة ستستمر وستتطور يوما بعد يوم وصولا إلى اليوم الذي تنتزع فيه إسرائيل منها تنازلات سياسية غير مسبوقة مقابل تنازلات إنسانية واقتصادية من إسرائيل للقطاع تغطي تكلفتها المالية دول الخليج النفطية برعاية أمريكية؛ وتُبقي لحماس مقاليد الحكم والسيادة على السكان في القطاع أو أن نصل إلى اليوم الذي يبدأ فيه السيناريو الأسوء سالف الذكر أعلاه عندما تفقد سياسة العصى والجزرة جدواها.
وأمام هذا المشهد السياسي المأزوم؛ فإن المخرج الاستراتيجي للكل الفلسطيني الأسلم هو إنهاء الانقسام؛ وأن تكون المقاومة بكل أشكالها تحت علم فلسطين برؤية وطنية موحدة متفق عليها لتحقيق أهدافنا الاستراتيجة، ولأنها تحت أى راية أخرى لن تكون إلا محاولة انتحار ناجحة ولن تحقق إلا مكاسب آنية.
ولا زال الأمل كبير في وحدة القرار السياسي والعسكري الفلسطيني تحت علم فلسطين. فما يجمعنا كفلسطينيين هو أكبر بكثير مما يفرقنا لولا أن رجالا راشدين لم يعودوا بيننا.

[email protected]