السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المقاومة والأبقار المقدسة

نشر بتاريخ: 20/07/2018 ( آخر تحديث: 20/07/2018 الساعة: 10:42 )

الكاتب: عماد عفانه

بدأ يثور في الأيام الأخيرة جدل بين الكتاب والمثقفين وذوي الرأي حول استمرار إطلاق الطائرات الورقية الحارقة باتجاه الأراضي المحتلة سنة 1948 أو وقفها. وجدوى كل من الخيارين السابقين، في ظل حالة من التهويل الصهيوني لمدى الأضرار التي باتت تحدثها في مزروعات المغتصبين وحقولهم فضلا عن الغابات الحرشية التي يستخدمها الاحتلال كحزام أمني لحماية المغتصبين والجنود من نيران قناصة المقاومة.
وما رافق هذا التهويل من حملات التحريض على عدوان رابع على غزة وتدمير حماس، وما صاحب ذلك من حرب نفسية قوامها صور التدريبات والمناورات لاحتلال غزة، وصور الشاحنات وهي تنقل الدبابات باتجاه حدود غزة، فضلا عن صور نشر القبة الحديدية في غلاف غزة، وأنباء استدعاء العدو لقوات الاحتياط.
بداية يجب تثبيت عدد من الحقائق:
- ان الطائرات الورقية الحارقة هي مجرد ابداع غزاوي تطلبته طبيعة المرحلة التي سادها النضال السلمي على الحدود الزائلة لقطاع غزة فيما سمي بمسيرات العودة.
- وان الطائرات الورقية الحارقة وسيلة سلمية أطلقت مع عدد كبير من الوسائل السلمية الأخرى مثل احراق الكاوتشوك، وقص الأسلاك الشائكة على الحدود، وإطلاق أضواء الليزر في وجوه القناصين المنتشرين على الحدود، وغيرها من الوسائل السلمية.
- وأن كل الوسائل السلمية السابقة لم تتسبب في موت أو حتى جرح اي صهيوني محتل واحد.
رغم كل هذا فان العدو يهدد ان لم تتوقف الطائرات الورقية الحارقة بعدوان رابع على غزة سوف يذهب ضحيته مئات او قد يكون آلاف الفلسطينيين الأبرياء.
لذا وجب القول إنه ليس لدى المقاومة بقر مقدس، فالمقاومة لم تعتبر الصواريخ بقرة مقدسة وقد أوقفت اطلاقها على مدننا وبلداتنا المحتلة لتجنيب غزة مزيد من الويلات والدمار.
وكذلك أوقفت نيران القناصة وعمليات التسلل عبر الحدود او خلف خطوط العدو، كما أوقفت زرع العبوات ونصب الكمائن على الحدود الزائلة، لأن المقاومة لا تعتبر أي من هذه الوسائل بقرا مقدسا، بل وسائل يمكن استخدمها او وقفها تبعا للحاجة التي يمليها الظرف الميداني.
لذا فان مشاكل غزة وحصارها ربما لن ينتهي إذا ما توقفنا عن إطلاق الطائرات الورقية الحارقة، لكن ربما يجنب وقفها غزة عدوان مدمرا جديدا عليها.
كما أن وقف إطلاق الطائرات الورقية الحارقة لا يعني توقف النضال الفلسطيني من اجل الحرية وكسر الحصار، فالإبداع المقاوم لا يتوقف على شكل واحد من اشكال المقاومة.
معركة الحرية والتحرير عمرها عشرات السنين لم تبدأ بالطائرات الورقية ولن تنتهي بها.
لكن ورغم كل هذه الاعتبارات، يجب النظر بكل برغماتية إلى الأمر الذي يجب أن نجني منه مزيد من المكاسب لقضيتنا ولشعبنا.
فما العيب من مساومة العدو على وقف الحصار وفتح أبواب غزة للعالم مقابل وقف الطائرات الورقية الحارقة...!
صحيح أننا لسنا معنيين بجر العدو الى عدوان، لكن لنا مصلحة كبيرة في جني ثمن مناسب منه مقابل وقفها.
أطلقت الطائرات الورقية الحارقة للمساهمة في الضغط على العدو لفك الحصار وتحسين احوال الناس، فاذا كان بالإمكان تحقيق هذا الهدف دون جر مزيد من الويلات على شعبنا فلتستمر.
ربما بات على قادة المقاومة التلاقي في ورش عصف فكري داخلي، يدعى إليها الوطنيون الوازنون من قادة المقاومة والمثقفون والكتاب وأصحاب الرأي والحكمة، فهم ينوبون عن الشعب في ظل وضع يصعب فيه عمل استفتاء شعبي أو حتى استطلاع رأي نزيه بالسرعة التي تتطلبها طبيعة المرحلة، والخروج بقرار وطني يحظى بالإجماع الشعبي.