الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس تكمن في التفاصيل

نشر بتاريخ: 22/07/2018 ( آخر تحديث: 22/07/2018 الساعة: 17:26 )

الكاتب: هبة بيضون
لم يعد الحديث عن المصالحة يثير الإهتمام، فقد وصل الناس إلى الحد الذي أصيبوا فيه بالإحباط الشديد، وفقدوا ثقتهم بأي إتفاق يعقد وبالجدية التي سيتم فيها تنفيذه.
لقد هللنا وكبرنا وفرحنا في آخر إتفاق تم في القاهرة برعاية مصرية، وتعبت أيدينا من التصفيق، وأخذنا نحلم حلم إبليس في الجنة، وسمعنا تصريحات القادة من كلا الطرفين التي أثلجت صدورنا وهم يدقون على صدورهم ويتعهدون بتنفيذ بنود الإتفاق وإنجاحها وإنهاء الإنقسام، وأصبحت الوحدة الوطنية شعاراً يتغنى به الجميع، سواء من يؤمن ومن لا يؤمن بها، وبعد ذلك، إنطفأنا تدريجياً بالتصريحات التي كانت تقذفها حماس على لسان قادتها والمتحدثين بإسمها وكأن شيئاً لم يكن، وأصبح الخلاف على التفاصيل وآلية التطبيق اللتان كانتا من المفروض أن تكونا جزءاً لا يتجزأ من الإتفاقية الأساسية.
قد تقتصر أصول التوصل إلى الإتفاقات وعقدها والتوقيع عليها على المبادىء الأساسية كخطوة أولية، ولكن وبعد تجاربنا غير الناجحة في توقيع إتفاقات أبهجتنا ثم سكبت الماء البارد على رؤوسنا، أصبح لا بد لنا أن نتعلم تجاوز الأصول في عقد هكذا إتفاقات، فلكل قاعدة شواذ، وإتفاق المصالحه يشذ عن القاعدة الأساسية. فلما كان الشيطان يكمن في التفاصيل، لذا فإن علينا أن نتفق على التفاصيل منذ البداية ونخرج منها الشيطان الرجيم كما نخرج الجان من الجسد المتلبس بفتح الباء، تلك التفاصيل التي يتوقف عندها تنفيذ الإتفاق في كل مرة ويتم إساءة تفسير بنوده من قبل الطرف المتمرد المنقسم تحت ذرائع وحجج واهية مدروسة ومخطط لها مسبقاً.
أتمنى كما يتمنى كل مخلص وعاقل من أبناء الشعب الفلسطيني أن تنجح المصالحه هذه المرة، إلا أن هناك شعور يخالجني بأن الأمور لن تكون وردية كما تبدو، ربما لقناعة عندي بأن الطرف المتمرد لا يريد المصالحة وإنما هو يحاول كسب الوقت وليخرج ببياض الوجه أمام الراعي المصري وينفي مقولة إنه الطرف الذي يماطل ويتهرب.
كيف يمكن الثقة بحماس وقد صرح صلاح البردويل حرفياً يوم الجمعة التي تلت الإقتراح المصري ما يلي: لا رجوع إلى مصالحة بمعنى التمكين، لا رامي الحمد الله ولا عباس ولا ملحقاتهم تستطيع أن تفرض علينا ما يسمى بالتمكين، أن تأخذ روحي من أجل روحك، أن تطردني كي تحل محلي، هذا المصطلح انتهى عصره.
كيف لنا أن نكون متفائلين لو كان هذه هي محددات المصالحة من وجهة نظر حماس على إعتبار أن البردويل هو عضو المكتب السياسي في حركة حماس والمفروض أنه لا ينطق عن الهوى، ولو نظرنا إلى الوثيقة التي تم نشرها وتداولها على أساس أنها نص الورقة المصرية للمصالحهة الفلسطينية، نجد أن المرحلة الأولى تتضمن من بين ما تضمنته عودة الوزراء إلى وزاراتهم وفق البنية القائمة دون إجراء تغييرات لحين تنفيذ قرار اللجنة الإدارية / القانونية التي اتخذت قرارها بالتوافق، أليس عودة الوزراء نوع من أنواع التمكين، ماذا سيفعل الوزير في مكتبه إن لم يستطع القيام بواجباته الموكلة إليه والتي أقسم اليمين على تأديتها !!! وإن كانت حماس رافضه للتمكين، فعن ماذا نتحدث !!، وإن كان هذا المصطلح قد انتهى عصره، فما هو مصطلح العصر الجديد يا بردويل؟ّ، هل المشكلة في إنتقاء الكلمات، هل ما يزعجكم هو كلمة "تمكين" أم مفهومها ؟؟ فلو كان لفظ الكلمة هو ما يسبب لكم الضيق، فلنغير التسمية ونقول: تسليم جميع المهام، ولو المشكله في المفهوم، فلنصطلح وتتسلم حماس إدارة القطاع وتتحمل جميع مسؤولياتها حوله كما قال سيادة الرئيس مراراً وتتكراراً.
ولو أردنا أن نتفاءل ونقول بأن المصالحه قادمة لا محالة، عندها نكون قد أخطأنا بالحكم على حماس، أو أن حماس قد تغيرت وأصبحت أكثر وعياً للمشروع الوطني والمصلحة الوطنية، بحيث أدركت قبل فوات الأوان خطورة تمرير صفقة القرن على قضيتنا ورفضت أن تكون مساهمة في تنفيذها على أرض الواقع، وبالتالي تسلم حماس غزة إلى السلطة الشرعية وتمكنهم وتنفذ بنود الإتفاق الذي سيتم الإتفاق عليه بحذافيره دون تأخير أو إختلاق حجج.
ولتكون إتفاقية المصالحة التي سيتم التوصل إليها بصورة نهائية هذه المرة ناجعه يجب أن تتميز بأن تحوي عنصر القيمة المضافة لإزالة العقبات التي كانت في الإتفاق السابق، بحيث تكون جميع البنود قد بحثت وربّطت بما لا يدع مجالاً لحماس بأن تراوغ أو تفسر أي بند على هواها.