الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

رواية "هذا الرجل لا أعرفه" والربيع العربي

نشر بتاريخ: 26/07/2018 ( آخر تحديث: 26/07/2018 الساعة: 19:45 )

الكاتب: جميل السلحوت

القارئ لرواية "هذا الرجل لا أعرفه" للأديبة المقدسية ديمة جمعة السمان، لا بدّ له أن يستعيد جزأها الأوّل "غفرانك قلبي"، وإن لم يفعل ذلك فسيلتبس عليه فهم بعض تطوّرات الأحداث في جزئها الثاني.
وقارئ جزئي الرّواية سيجد نفسه أمام رموز وأحداث وتساؤلات ستجبره على التفكير فيما ترمز إليه الكاتبة، ومن ضمن ما يجب الانتباه إليه هو زمن كتابة الرّواية، والأحداث التي تمرّ بها المنطقة حيث تعيش وتتأثّر الأديبة.
وفي تقديري -وحسب فهمي للرّواية- أنّ الكاتبة المعروفة لمن يتابع قراءة أعمالها الرّوائيّة بخيالها الخصب، وقدرتها الفائقة في تحريك شخصيّات رواياتها، وأسلوبها السّلس الذي لا يخلو من عنصر التّشويق، ولغتها الرّشيقة في سرد الأحداث والحوار، كانت تهدف إلى ما هو أبعد من قراءة سطحية لما جاء في الرّواية.
فملخّص جزئي الرّواية يدور حول رحيل قبيلة بدويّة طلبا للماء والكلأ، ولا تلبث أن تكتشف الزّراعة لتكون بداية استقرارها، وانتقالهم من السّكن في الخيام إلى البيوت الحجريّة، وبناء القرى والمدن، ولتتطوّر إلى بناء دولة وحكومة وأجهزة أمنيّة، ليتبع ذلك صراع على الحكم واستئثار عائلة شيخ القبيلة "آل سالم" بالحكم. وهذا ما ينطبق على تأسيس الدّول العربيّة، فهي في غالبيّتها لا تزال عبارة عن تحالفات قبليّة بعيدة عن الدّولة المدنيّة. والتّحالفات القبليّة جاءت دفاعا عن مصالحها في الرّضوخ لقبيلة قويّة استأثرت بالحكم وما يدور حوله من صراعات. وما يجري في عالمنا العربيّ من أحداث جسيمة فيما يسمّى "الرّبيع العربيّ" الذي حصد أرواح مئات الآلاف من البشر ليس بريئا من صراعات "القبائل" على الحكم، وما ترتّب عليه من تفريط بالأوطان وبالشعوب مقابل الاحتفاظ بكراسي الحكم وثروات البلدان والشّعوب.
وكأنّي بالرّوائيّة ديمة جمعة السّمّان تقول لقرّائها العرب، هذه هي حال دولكم المتصارعة والتي ما حصدت إلا الهزائم المتراكمة من خلال صراعات لا مبرّر لها.
لكنّ الأديبة السّمان التي تملك ناصية الكلمة وتجيد الفنّ اللرّوائيّ سهّلت الأمر على القارئ عندما طرحت الموضوع من خلال تطوّر العائلة والقبيلة، ومن خلال العلاقات الاجتماعيّة وما يصاحبها من حبّ وخلاف ومشاكل، فظهرت لنا في الرّواية العقليّة الذّكوريّة وكيفيّة تعاملها مع المرأة، فهذه العقليّة والتي تساهم بشكل وآخر في مصائب الأمّة وهزائمها لا تزال بعيدة عن تقبّل المرأة حتّى وإن كانت متعلمة، ومستحوذة على أعلى المناصب كأن تكون "وزيرة" على سبيل المثال.
يبقى أن نقول أنّ الرّواية عميقة في مضمونها، متقنة في بنائها الفنّي، وتثبت لنا من جديد أنّ الأديبة السّمّان تطوّر أدواتها في كلّ عمل روائيّ جديد لها.