السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

انطلاقة عربية جديدة في علم الاجتماع

نشر بتاريخ: 23/09/2018 ( آخر تحديث: 23/09/2018 الساعة: 19:25 )

الكاتب: د.ساري حنفي

لم يكن من محض المصادفة أن يرتفع عدد المشاركين العرب القادمين من الوطن العربي من خمسة مشاركين في المؤتمرات السابقة للجمعية الدولية لعلم الاجتماع الى أكثر من الضعف في المؤتمر الأخير للجمعية في شهر تموز 2018 في تورنتو- كندا. طبعاً يبقى هذا العدد محدود جداً مقارنة بوجود دول شرق-أوسطية أخرى (كان هناك تقريباً 40 إيرانياً، و60 تركياً، و70 إسرائيلياً). لم يكن هذا الحضور العربي الخجول، ولكن المطرد، ممكناً بدون عاملين أساسيين: الأول، هو بدء الوعي بأهمية تشكيل الجماعة العلمية السوسيولوجية في الأقطار العربية؛ وتمثل ذلك بإنشاء مؤسسات وطنية أو وحدات ضمن الجامعات وأصبحت عضوة في الجمعية الدولية لعلم الاجتماع. وهكذا تشكلت جمعيات في كل من لبنان، المغرب، تونس، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، سورية، الأردن. 
أما الثاني، فهو اهتمام بعض الجامعات الوطنية بأهمية المساهمة المالية بتكاليف سفر الباحثين العرب الى المؤتمرات الدولية. وأسجل هنا شكري للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، ولمديرته ستناي الشامي، الذي أعطى منحاً لـستة باحثين عرب للمشاركة في المؤتمر. وقد كان هناك جلسة مميزة لتعريف المشاركين في مؤتمر تورنتو بالمجلس وتقريريه حول وضع العلوم الاجتماعية. وطبعاً يعزى ضعف المشاركة العربية لمشكلة اللغة، فأغلب المحاضرات بالإنكليزية ثم بالفرنسية والإسبانية؛ إذ إنّها اللغات الرسمية للجمعية، لكن هذا لا يمنع أنّ هناك تقصيراً في الوطن العربي. وقد تفاجأنا، نحن منظمي مؤتمر تورنتو، بأن هناك أكثر من 400 مشارك (أغلبهم طلبة دكتوراه من العالم الثالث وبخاصة منطقة الشرق الأوسط) من أصل 6700 مشارك لم يحصلوا على فيزا لدخول كندا؛ وهذا مخالف لوعود اللجنة المحلية المنظمة بعمل أقصى ما في وسعها لتسهيل الحصول على التأشيرة. وكوني نائباً لرئيس الجمعية لشؤون الجمعيات الوطنية فقد علمت بعدم حصول خضر زكريا رئيس الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، وكذلك باحثة من الجزائر، على تأشيرة دخول.
هذا وقد كان لهذا الحضور العربي نتائج باهرة. فقد انتُخب منير السعيداني، أستاذ علم الاجتماع في تونس، عضواً في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لعلم الاجتماع، كما انتُخبت رئيساً لهذه الجمعية. وقد تنافس على هذا المنصب - إضافة إلى عالمين بارزين: ماركوس تشولتس من "المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية في نيويورك"، وسوجاتا باتل من "جامعة حيدر أباد في الهند". وقد فزت من الجولة الانتخابية الأولى، إذ حصلت على ثلثي الأصوات (59 صوتاً من أصل 91 مندوباً).
اعتبر هذا المنصب تكليفاً وليس تشريفاً، وآمل أن أكون على قدر المسؤولية.أشعر بأنني أمثل رمزياً فلسطين وسوريةولبنان وكل الوطن العربي وآمل أن يحالفني النجاح في تمكين الجماعة العلمية العربية من تدويل (Internationalization)معرفتها ولكن أيضاً بتعميق روابطها في معين العلوم الاجتماعية في التراث العربي- الإسلامي. لقد ركّزتُ في حملتي الانتخابية على ضرورة كوننة الجمعية الدولية لتمثّل باحثي الشمال والجنوب على حدّ سواء، ورفضالطرح الاختزالي لمفكري ما بعد الكولونيالية الذين ركزوا على هيمنة الشمال على الجنوب؛ متناسين أن ما يعيق إنتاج المعرفة هو الاستبداد المحلي الذي يطرد الباحث من مؤسسّات البحث أو يضعه في غياهب السجون أو يمارس القمع على إنتاجه.
وركّزتُ على تعميم تجربة البوابة الإلكترونية حول الأثر الاجتماعي للبحث العلمي (بسيسر) (https://psisr.net)، التي أطلقها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت والتي تستهدف البحث العلمي حول/ من الوطن العربي، على جميع الباحثين في علم الاجتماع في أنحاء العالم. وسأقوم بتنظيم نشاطات علمية متعددة في المنطقة العربية، ومنها على سبيل المثال المدرسة الصيفية لطلاب الدكتوراه في علم الاجتماع في تونس وغيرها من البرامج التي تعزّز واقع العلوم الاجتماعية في البلدان العربية.
سأتولى رئاسة الجمعية الدولية لأربع سنوات (2022-2018)، تنتهي بمؤتمر عام للجمعية الدولية لعلم الاجتماع يعقد في مدينة "مالبورن" في أستراليا. وقد اخترت عنواناً مبدئياً للمؤتمر العام "الدين والمجتمع في عصر الاستبداد وما بعد الكولونيالية". فيشكّل العنوان أجندة بحثية تتوّج المحاولات الجديدة في حقل علم الاجتماع لنقد نظرية العلمنة وفشلها في تحليل وتنبؤ صلابة الظاهرة الدينية في دول الجنوب كما في دول الشمال.
---------------------------------------------------------------
الدكتور ساري حنفي، من مواليد سوريا لأبويين فلسطينيين لاجئين بفعل النكبة عام 1948 يحلو له أن يعرف نفسه بأنه فلسطيني لبناني سوري على الأقل. حصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من فرنسا، وعمل في مؤسسات مختلفة ببلدان عّدة، قبل أن يستقر به المقام في الجامعة الأمريكية ببيروت منذ عدة سنوات خلت.
نشط الدكتور ساري حنفي في صفوف الجمعية العربية لعلم الاجتماع، وكان عضوا في مجلس أمنائها لسنوات عديدة، وترأس منذ زمن حتى اللحظة تحرير فصلية " إضافات" وهي المجلة العلمية التي تصدر عن الجمعية العربية لعلم الاجتماع، بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. وكانت له اليد الطولى في إنشاء المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، كما كان ابرز المشاركين العرب في الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، إلى أن انتخب قبل بضعة شهور كرئيس لها في مؤتمرها الأخير في كندا. هنا في هذه المقالة يعرض حنفي رهانات العرب والجنوب عموما في إطار الجمعية الدولية لعلم الاجتماع وأنشطتها المختلفة.
رئيس تحرير إضافات ورئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع