الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

من الإدعاء ما قتل

نشر بتاريخ: 24/09/2018 ( آخر تحديث: 24/09/2018 الساعة: 11:55 )

الكاتب: ياسر المصري

لقد حملت العشر سنوات الاخيرة لشعبنا الكثير من الاشكاليات والمشكلات والتي كانت تتطلب وتحتاج لوجود نخب حقيقية قادرة على التعاطي معها والوقوف أمامها من بوابة المسؤولية الحقيقية والواقعية، وقد أفرزت هذه السنوات الكثير من السلبيات العميقة والتي ليس من السهل تجاوزها خلال الوقت القريب او القصير، وكان من مظاهر هذه الإفرازات خطورة تشظي الوعي الكلي لدينا كمجتمع وتعلق هذا التشظي بانكسار مجموعة من المفاهيم وتبدد مجموعة أخرى من القضايا وبروز مظاهر من الخلط والاختلاط تقوض سلم الأولويات السليم لدى اي مجتمع معافى وسليم، وفي بعض المظاهر المساس ببعض القضايا المتعلقة بهيبة المؤسسة وقيمتها ومكانتها وكان في أخطرها المساس بمؤسسة القضاء وبغض النظر عن هذا المساس إذا ما كان مقصودا أو لا.
لقد قامت المحكمة الدستورية بتقديم فتوى وتفسير لمواد من القانون الأساسي متعلقة بالقضاء العسكري، وأن هذه المحكمة هي الأصل منها وكما هي الآن حارسة القانون الأساسي وحماية للحقوق والحريات العامة، وهي بدورها ومسؤولياتها لا تقدم قانونا على القانون الأساسي، بقدر ما تقوم برعاية وحماية وصون القانون الأساسي وتضبط إيقاع العلاقة والأثر الواجب من تفسير وتطبيق هذا القانون نصا وروحا، وبالتالي فإن الأصل الواجب من كل ذوي العلاقة أفرادا ومؤسسات ان يكونوا داعمين وحامين لهيبة ومكانة هذه المحكمة، لكون هؤلاء هم أهل الدراية والعلم بقيمة ومسؤولية هذه المحكمة من حيث الإختصاص والقيمة القضائية والقانونية لها.
لكن ما حدث بعد صدور فتوى هذه المحكمة في المواد القانونية من القانون الأساسي المتعلقة بالقضاء العسكري، قامت بعض الجهات جهلا وعمدا بتقديم مداخلات رأي عبر وسائل الإعلام من اعتبارات عديدة ومتعددة، منها ما حمل دافع الحرص لكنه بغير مكانه وموضعه الصحيح، والبعض الآخر جاء دافعه من موارد وغايات واهواء غير صحيحة أو سليمة وهذا بمجمله قدم وانتج صورة خطيرة في الشكل والإطار والمغزى بما تعنيه هذه الصورة من مساس بقيمة ومكانة مؤسسة قضائية ذات الإختصاص الوحيد في تفسير مواد القانون الأساسي، فالعشر سنوات الاخيرة بما انتجته من واقع الانقسام وتعطيل للمجلس التشريعي والانقسام السياسي الحالي كانت كلها تستدعي من كل حريص وعارف من اهل العلم بالقانون والعاملين في حقله لأن يكون جهدهم ودافعهم حماية القانون الأساسي كمظلة أخيرة يستظل في ظلها الفرقاء والحلفاء أفرادا وجماعات، لكن هذه الصورة الاخيرة تأتي تجسيدا لحالة ان هناك البعض الذي ما زال يستطيع ان يتسلل لكل مصون و محفوظ باعتبارات القيمة والضرورة ليعبث البعض جهلا أو عمدا بهذه المكانة ليخدم ما لا يمكن وصفه سوى بالهدم، لنكون كمن يحمل بذاته ولذاته قنابل من التدمير الذاتي.
المحكمة الدستورية التي تتكون من مجموعة من ذوي الكفاءة والنزاهة والعلم والحرص، نحن كشعب أفرادا ونخب ومؤسسات أكثر ما نحتاجها لأن تكون بكل الهيبة والقوة والمكانة التي تليق بها، وهذا واجبه علينا أن نعبر عنه بالحرص الوافي والكفيل لأن يضعنا جميعا امام مسؤولياتنا التي تستدعي التفريق والتمييز ما بين الأدنى والأعلى.
وفي قصة النبي موسى وأخيه هارون بلاغة ما تعنيه الوحدة والإجماع في منظومة أية جماعة ، فحين عاد النبي القوي إلى قومه ووجدهم يعبدوا العجل واخيه هارون لم يفعل ما يمنع هذا القوم من الضلالة ، وأمام ثورة النبي القوي والأمين موسى على أخيه لما اصاب القوم ، كان رد الأخ الملام أن إجماع الناس على الضلالة لهو خير من تفرقتهم على حق ، فالوحدة والإجماع أولى واهم واعلى شأنا وقدرا من ضرورة الحق ، فكيف إذا كان الحق حق والإدعاء الباطل باطل ونستبيح الحق من الإجماع إلى التفرقة والمساس !!!!!!