الثلاثاء: 19/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤسسة الحق : قرارات المحكمة الدستورية تعاني من التخبط

نشر بتاريخ: 24/09/2018 ( آخر تحديث: 25/09/2018 الساعة: 14:24 )
مؤسسة الحق : قرارات المحكمة الدستورية تعاني من التخبط
قراءة قانونية في قرار المحكمة الدستورية العليا التفسيري حول الشأن العسكري والطبيعة القانونية للشرطة والقضاء المختص بمحاكمة عناصرها صادرة عن مؤسسة الحق بتاريخ 24/9/2018.

الملخص التنفيذي

1. أصدرت المحكمة الدستورية العليا القرار التفسيري رقم (2/2018) بتاريخ 12/9/2018 بشأن الطبيعة القانونية للشرطة الفلسطينية، ومفهوم الشأن العسكري لغايات تحديد اختصاص القضاء العسكري، والمحكمة المختصة بمحاكمة عناصر الشرطة. قرار المحكمة أخذ طابعاً عسكرياً حيث اعتبر الشرطة الفلسطينية قوة ذات طابع عسكري تخضع للقضاء العسكري متراجعاً بذلك عن قرار تفسيري سابق يعتبر أن اختصاصات الشرطة مدنية. ومنح القرار التفسيري القضاء العسكري ولاية هائلة على المدنيين، بتوسعه بلا حدود في تفسير الشأن العسكري، الذي يحدد ولاية القضاء العسكري، مخالفاً بذلك القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وما استقرت عليه الأنظمة الديمقراطية منذ زمن طويل ومتجاهلاً الممارسات الفضلى بل التوجه العالمي الذي يعتبر الشرطة جهازاً مدنياً كما ويحظر عرض المدنيين على القضاء العسكري.

القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا خرج وعلى نحو جوهري وجسيم عن جميع الأصول والمبادىء القانونية الحاكمة للقرارات التفسيرية، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتعطيل نصوص واردة في قرار بقانون الشرطة لسنة 2017 بالحكم بعدم دستوريتها وحظر تطبيقها من خلال طلب تفسيري ودون وجود خصومة قضائية أو نزاع مثار أمام المحكمة الدستورية ودون بيان أوجه المخالفة الدستورية للنصوص التي جرى تعطيلها مخالفاً بذلك القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية والمعايير الدولية، وبذلك فإن هذا القرار التفسيري لا يحوز على أية حجية ولا يعدو كونه مجرد رأي صادر عن قضاة المحكمة الدستورية غير ملزم.

لا توجد منهجية واضحة المعالم تحكم القرارات التي تصدر عن قضاة المحكمة الدستورية العليا، ولا توجد أسانيد قانونية واضحة تبين الأساس الذي يُبنى عليه القرار، ولا توجد أية إشارات للمعايير الدولية وتجارب الأنظمة الديمقراطية والممارسات الفضلى في القرار التفسيري الصادر عن المحكمة وما سبقه من قرارات، ولا توجد أية مصادر أو مراجع فيما ذهبت إليه المحكمة من قرارات، وفيما يبدو أن الاجتهاد الذاتي لقضاة المحكمة الدستورية العليا يلعب دوراً كبيراً في قراراتها، وعلى الرغم من أهمية دور المحاكم الدستورية في إنفاذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على الصعيد المحلي إلا أن المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية لا تلعب أي دور يذكر على هذا الصعيد، بل ساهمت من خلال قراراتها بما يشمل هذا القرار التفسيري في تعطيل إنفاذ الاتفاقيات الدولية والتأثير سلباً على الحقوق والحريات العامة، الأمر الذي دفع باللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) إلى توجيه انتقادات مباشرة للمحكمة الدستورية في ملاحظاتها الختامية على التقرير الرسمي الذي قدمته دولة فلسطين مؤخراً، كما أن قرار تشكيل المحكمة والقرارات الصادرة عنها كانت وما زالت تلاقي انتقادات واسعة من قبل المجتمع المدني الفلسطيني لمساسها بالقانون الأساسي ومنظومة الحقوق، الأمر الذي أضعف وإلى حد كبير من ثقة المواطنين بأداء المحكمة الدستورية.

تعاني المحكمة الدستورية حالة من التخبط؛ فبعد أن أصدرت قرارها التفسيري الذي منح صلاحيات واسعة للقضاء العسكري على حساب القضاء المدني صاحب الولاية العامة، وفتح الباب على مصرعيه لإحالة المدنيين على القضاء العسكري، أصدرت المحكمة الدستورية العليا بياناً صحفياً موقعاً من رئيسها يتناقض تماماً مع ما قررته بشأن عرض المدنيين على القضاء العسكري قالت فيه إن قرار المحكمة لم يطال المدنيين على الإطلاق، وهو تطور لا يقل خطورة عن القرار التفسيري للمحكمة الدستورية، علماً أن تراجع المحكمة عن قراراتها، أو حالة التخبط التي ترافق قراراتها، تأخذ أشكالاً مختلفة حيث نجد أن المحكمة قد تراجعت مثلاً عن قرارها التفسيري السابق الذي يعتبر الشرطة جهازاً مدنياً بالنظر لاختصاصاتها المدنية في قرارها الحالي بعد أن قدمت تفسيراً ثانياً للطبيعة القانونية للشرطة مخالفاُ لتفسيرها الأول واعتبرت الشرطة قوة ذات طابع عسكري.

الشرطة جهاز مدني في مجال قانون حقوق الإنسان، ويتمتع بالحماية المقررة في القانون الإنساني الدولي؛ وهي الحماية المقررة للأشخاص المدنيين بموجب المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة، القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الذي يعتبر الشرطة قوة ذات طابع عسكري لا يرتكز إلى أي أساس في القانون الدولي والنظم الديمقراطية بل والتوجه العالمي الذي يؤكد على الطبيعة القانونية المدنية للشرطة. تفسير المحكمة قد يستخدم كذريعة من قبل إسرائيل لتبرير استهداف الشرطة الفلسطينية عسكرياً لا سيما وأن إسرائيل قد استخدمت "فعلياً" تلك الذرائع لتقويض الصفة المدنية للشرطة الفلسطينية من أجل تبرير استهدافهم عسكرياً. يتوجب على دولة فلسطين أن تحسم أمرها بشأن الطبيعة القانونية للشرطة وفي حال تبني موقف المحكمة رسمياً فإنه يتوجب عليها بعد انضمامها للبرتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف وبخاصة المادة (43) فقرة (3) أن تُخطر أطراف النزاع الأخرى بذلك، أي بأن الشرطة الفلسطينية باتت قوة ذات طابع عسكري، بما يعنيه هذا الإخطار وبخاصة في مناطق الصراع وفي ظل تأكيد إسرائيل مراراً بأن الشرطة الفلسطينية ليست جهازاً مدنياً.

إن القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية الذي منح القضاء العسكري صلاحيات واسعة على المدنيين يشكل تراجعاً كبيراً للتوجهات التي عبر عنها الرئيس في 15/1/2011 بحظر عرض المدنيين على القضاء العسكري، والتزمت بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية لغاية اليوم، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان التي تشهد أساساً حالة غير مسبوقة من التراجع في الآونة الأخيرة.

للاطلاع على الورقة كاملة في الرابط التالي: