الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزة - تقاطع المصالح وتقطيع الوطن

نشر بتاريخ: 14/10/2018 ( آخر تحديث: 14/10/2018 الساعة: 20:27 )

الكاتب: د.خليل نزال

تدرك فتح منذ بداية الإنقلاب الإخواني في غزة أنه جاء متناغماً مع خطة شارون بالإنسحاب من غزة دون تنسيق مع القيادة الفلسطينية وأن هدقه الأول والأخير كان إقامة إمارة تشكّل نقطة إرتكاز و مثالاً لبقية دول وشعوب الإقليم. وقد سبق الإنقلابُ في غزة ما سْمّي ظلماً بالربيع العربي بأربع سنوات، ولا يخفى على المتابع للأحداث أن عملية الإستنفار التي اعقبت الإنقلاب والتي شهدها الشارع العربي بقيادة الإخوان المسلمين هي التي مهدت الطريق لذلك "الربيع"، فقد تمّ اختزال فلسطين بغزة والشعبَ الفلسطيني بحماس ، والإيمانَ بالله بإتّباع ما تنطق به جماعة الإخوان - حتى إذا ما اكتملت خيوط الإنقلابات في الدول العربية كانت في الصدارة منها جماعة الإخوان وبمساعدة مباشرة من حماس في معظم الحالات وبرعاية مباشرة من الإدارة الأمريكية.
لم يكن المشروع الوطني الفلسطيني في سلّم أولويات حماس أو رعاتها، وكل ما شهده قطاع غزة من حروب دامية وما دفعه شعبنا من ضريبة الدم والدمار لم يكن سوى حلقات متتالية من محاولات حماس تثبيت حكمها وفرض الإعتراف بانقلابها وسلطتها. وها نحن نشهد فصلاً آخر من تلك المحاولات والذي يتمثل بما تسميه حماس "مسيرات العودة" والتي لا تعدو في الحقيقة كونَها بضاعة تعرضها حماس للمقايضة من أجل الهروب من استحقاق إنهاء الإنقلاب وإعادة غزة إلى الوطن والبحث بدلاً من ذلك عن نقطة إلتقاء مع إسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين دون الأخذ بعين الإعتبار مصلحة شعبنا وهمومه ومعاناته.
قد يستغرب المراقب من تلاقي كل تلك المصالح المتضاربة والمتناقضة حين يتعلق الأمر بغزة وحماس، فقد وقفت حماس مع مرسي وجماعته ضد ثورة الشعب المصري، ووقفت ضد النظام السوري في الوقت الذي انحازت فيه إيران وذراعها حزب الله إلى نظام الأسد، وبقيت حماس وسلطتها الإنقلابية تحت رعاية قطر الخصم اللدود للإمارات والسعودية ومصر. ونفس الحالة تنطبق على علاقة حماس بتركيا. فكيف تقاطعت مصالح كل تلك الدول في نقطة واحدة هدقها إنقاذ سلطة حماس الإنقلابية وتشجيعها على عدم الرضوخ لصوت الشعب الفلسطيني المطالب بالوحدة من أجل التفرّغ للتصدي لما يحاك ضده، وفي المقدمة من ذلك صفقة القرن وسياسة الإدارة الأمريكية المعادية لشعبنا؟
الجواب يكمن في صفقة القرن ذاتها، فقد بات يتضح يوماً بعد يوم أنها أكبر من مجرد مشروع مغامر تطرحه الإدارة الأمريكية ضمن سلسلة من سياساتها الهوجاء. صفقة القرن هي مشروع لإعادة رسم حدود المنطقة، وهي تتويجٌ لما سُمي بالربيع العربي ومحاولة لجني ثمار الفوضى التي عمّت الدول العربية المحورية، تلك الفوضى التي بدأت -وعلينا أن لا ننسى ذلك أبداً- بإنقلاب حماس على السلطة الشرعية في غزة.
لقد وجدت اسرائيل وأمريكا ضالّتها في حماس التوّاقة إلى أي اعتراف دولي بسلطتها، ووجدت في الأنظمة العربية التي خسرت كلُّها حروب الطوائف ولم يعد لها خيار سوى الإحتماء بالعباءة الأمريكية والإسرائيلية كي تحمي كل دولة نفسها من جيرانها.
كل ما تقدّم ليس قدراً محتوماً علينا التسليم به أو الإنحناء أمامه، فما زال الموقف الفلسطيني بقيادة السيد الرئيس يشكل رأس الحربة في التصدي للمشروع الأمريكي-الإسرائيلي الذي يبدو ظاهرياً انه يستهدف فقط فصل غزة عن بقية الوطن، ولكنه في الحقيقة مشروع متكامل الأهداف يسعى إلى بناء "شرق أوسط جديد" تكون لإسرائيل فيه الكلمة الأولى والأخيرة. وعلينا عدم التقليل من أهمية الصمود الفلسطيني في التصدي لكل ما يجري، فهناك دول عربية تتقاطع مصالحها مع هذا الصمود لأنها ستكون مثل فلسطين في مقدمة المتضررين من نجاح المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، وخاصة ما يتضمنه من إلغاء لحق العودة وتوطين للاجئين الفلسطينيين في دول الجوار بما يشكله ذلك من إخلال بالمعادلات الطائفية والمذهبية أو العشائرية لتلك الدول. من هنا تأتي أهمية استمرار التنسيق والتشاور مع الأردن ولبنان وحتى مع النظام السوري الذي أصبح أمراً واقعاً يتسابق الطامعون بالمحافظة على مصالحهم إلى إعادة نسج علاقاتهم معه.
والأهم من كل ذلك هو تطوير العلاقة مع شعبنا والإلتفات إلى همومه اليومية ومطالبه العادلة سواءً فيما يتعلق بتوفير الدعم له ولمؤسساته أو في التصدي لمظاهر المحسوبية والفساد الإداري، وهي رغم كونها واحدة من أمراض العصر إلا أنه لا يمكن التعامل معها كذلك في حالة كحالة شعبنا الواقع تحت الإحتلال.
وتشكل العلاقة السليمة مع شعبنا شرطاً أساسياً لتطوير المقاومة الشعبية ضد الإحتلال والإستيطان ولقطع الطريق على من يريدون قتل الحلم الوطني للفلسطيني.