الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قصة تشكيل الحكومات وتعديلها في الأردن.. أسرار وألغاز

نشر بتاريخ: 18/10/2018 ( آخر تحديث: 18/10/2018 الساعة: 20:45 )

الكاتب: نضال منصور


شهدت الأيام الماضية أول تعديل وزاري في الأردن على حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز، وهو إجراء لجأ إليه الرزاز بعد أن وعد بتقييم أداء فريقه بعد مضي 100 يوم على تشكيل حكومته.
واقع الحال أن الشارع الأردني لم يعد يهتم، أو يكترث، لتشكيل حكومة جديدة، أو تعديل وزاري، بعد أن ترسخت لديه قناعات طوال السنوات بأن هذه التغييرات لن تحدث فرقا في حياته المعيشية، وإنما ترتب أعباء مالية واسعة على الموازنة العامة للدولة التي تعاني من عجز المديونية.
وأكثر من ذلك، يرى كثير من الأردنيين أن تشكيل الحكومات وتغيير الشخصيات الوزارية فرصة لتداور المناصب بين النخب السياسية، وتكريس سياسة التنفيع والعطايا، ويذهب بعضهم إلى القول إن مناصب رؤساء الحكومات والوزراء تتوارث في "غمز" صريح إلى عائلات وعشائر كانت الأكثر حظوة بنصيب رؤساء الحكومات والوزراء.
لا توجد معايير واضحة في الأردن لاختيار رؤساء الحكومات وهو أمر مقرون بالإرادة الملكية. وباختلاف بسيط قليلا فإن اختيار الفريق الوزاري يتشارك فيه رئيس الوزراء، ويلعب الديوان الملكي ودائرة المخابرات (الاستخبارات) دورا رئيسيا، وإن كان الأمر ليس معلنا ورسميا، ولا توجد له محددات دستورية، وهما أي الديوان والاستخبارات يعدان في الأردن "حكومة الظل".
ما حدث مع رئيس الحكومة عمر الرزاز ليس حالة استثنائية، بل واقع تكرس عبر السنوات من عهد المملكة الأردنية الهاشمية ومع الملك المؤسس عبد الله الأول وحتى عهد الملك عبد الله الثاني. وكان السؤال المطروح، همسا وأصبح علنا في الصالونات السياسية، وصار لسان الشارع الآن بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، من هو صاحب الولاية العامة في إدارة شؤون الدولة، هل هو رئيس الوزراء وفريقه أم حكومات الظل؟
لا توجد إجابة حاسمة وقاطعة لسؤال يشغل الأردنيين، وإنما يمكن القول إن الأمر منوط بشخصية رؤساء الحكومات، وقدرتهم على فرض أجندتهم وحضورهم، والمؤكد أن رئيس الحكومة مهما ملك من الثقة والقوة لا يقود وحيدا.
قام الرزاز بتعديل وزاري أخرج عددا من الوزراء طالهم النقد من البرلمان والشارع، وأبقى وزراء كال لهم بعض النواب كثيرا من الاتهامات. وانضم وزراء جدد للفريق الوزاري، وظل السؤال الحائر عند الجميع: ما هي المعايير والأسس التي اعتمدها رئيس الوزراء بهذا التعديل، ما هي الأخطاء والتقصير الذي ارتكبه الوزراء الذين استُبعدوا من الحكومة، ما هي قصص النجاح التي جعلت بعض الوزراء يحتفظون بحقائبهم الوزارية، ما هي المؤهلات التي يملكها من اختارهم رئيس الوزراء ليلتحقوا بفريقه الوزاري؟ وبصراحة بقي هذا الأمر حتى الساعة سرا ولغزا لم أفهمه، وباعتقادي أن الناس لم يفهموه مثلي. طلاسم وأحجيات تحتاج إلى تفسيرات من الرزاز، خصوصا أنه يتحدث ويتبنى مشروع النهضة للأردن، ويريد أن يبني دولة مدنية!
معروف أن الأردن لا تحكمه معادلة الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة. فالحياة الحزبية، إذا ما استثنينا حزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الاخوان المسلمين)، هشة ولا تستند إلى قوة مجتمعية. وفكرة التناوب على السلطة بين الأحزاب استنادا إلى نتائجها في الانتخابات البرلمانية لم تعرفها الحياة السياسية الأردنية من عقود، وربما كان هناك في التاريخ الأردني حكومة حزبية ترأسها سليمان النابلسي.
وعلى هذا الأساس فإن تشكيل الحكومات واختيار الوزراء غالبا ما تحكمه التوازنات الجغرافية والعشائرية والديموغرافية، ويضاف لها صلات الصداقة، وكثيرا ما حدث أن احتجت محافظات أو عشائر لأنها غير ممثلة في الحكومة، أو أن تمثيلها ضعيف.
الأمر المزعج لمن يثقون بالرئيس الرزاز أن قواعد هذه اللعبة ما تزال ناظمة لعمل حكومته، وهذا يضعف فرص التغيير، وتطبيق قواعد العدالة المجتمعية، وإعطاء الكفاءات فرصا لتقلد المواقع العامة.
قصة تشكيل الحكومات وتغيير الوزراء مثيرة للتندر، فربما يكون الأردن أكثر دول العالم تشكيلا للحكومات واستبدالا للوزراء، فهناك احصائيات "غير موثقة" تشير إلى أن العمر الإجمالي للحكومات لا يزيد عن عام ونصف. ونشرت جريدة السبيل المقربة من الحركة الإسلامية أن 97 حكومة تشكلت منذ تأسيس الدولة الأردنية وحتى عام 2017 ـ طبعا هذا الرقم ارتفع الآن. وهناك مفارقات قد لا تحدث حتى بالصين الدولة التي تعداد سكانها بالمليارات، ففي الأردن يوجد 689 وزيرا سابقا يتقاضون رواتب تقاعدية حتى العام الماضي، ويصرف لهم ما يزيد عن 800 ألف دينار أردني أي ما يزيد عن مليون دولار رواتب تقاعدية شهرية، وبتقدير يبلغ ما يزيد عن 14 مليون دينار أي ما يقارب 20 مليون دولار سنويا.
لا تستغرب إن سمعت من يطلق على الشعب الأردني لقب "أصحاب المعالي" وهو اللقب الذي يمنح لكل من يتقلد منصبا وزاريا، وهي مبالغة مقصودة ومضحكة بأن الشعب جميعه أصبح وزراء أو يطمح ليصبح كذلك، أو أن تجد أكثر من 20 رئيس وزراء سابق على قيد الحياة.
وليس هذا فحسب، ففي البلاد هناك رؤساء وزراء لم يستمروا في منصبهم لأيام، وآخرون حكموا لسنوات طويلة جدا، وحكومة على سبيل المثال بقيت فقط 5 أيام إبان أحداث سبتمبر/أيلول المشؤومة في الأردن عام 1970.
لا توجد مقاييس يستطيع التكهن بها في تشكيل الحكومات الأردنية واختيار الوزراء. يتهافت الناس ليصبحوا وزراء، ويقدمون أنفسهم بطرق كثيرة لرؤساء الحكومات، ويتوسطون عند المقربين من دوائر صناعة القرار لانتقائهم لعلهم يصبحون محظيين بلقب "صاحب المعالي" وتفتح لهم الأبواب، فيتقاضون، في بلد إمكانياته الاقتصادية محدودة وموارده قليلة، راتبا شهريا يقارب 5 آلاف دولار، هذا عدا عن المكافئات غير الرسمية، وامتيازات أخرى مثل السيارة والسائق الخاص.
ربما لا تقارن رواتب وامتيازات الوزراء بالأردن مع دول مثل لبنان ومصر وبالتأكيد دول الخليج، لكنها ظلت مصدر شكوى عامة الناس من أن ما يدفع لهم خلال خدمتهم، أو بعد تركهم للخدمة وأخذهم لرواتب تقاعدية مدى الحياة حتى ولو خدموا ليوم واحد بعد أداء القسم القانوني أمام الملك، وأحسن رئيس الحكومة الحالي عمر الرزاز بتعديل قانون التقاعد المدني واشتراط 10 سنوات في الخدمة العامة بمؤسسات رسمية حتى يحصل الوزير على التقاعد.
في الأردن يتراوح عدد الوزارات بحدود 26، وفي بعض الحالات وصلت إلى 31 وزارة، أي ما يزيد عن ضعف عدد الوزارات في أميركا، وكثيرا ما تؤسس وزارات وتختفي مثل وزارة شؤون المرأة التي لم تستمر أكثر من شهر ونصف. وأحيانا يعيدون إحياء وزارة للشباب، وبعد سنة أو أكثر يلغونها، وينطبق الحال على وزارة البيئة وتطوير القطاع العام. والغريب في الأمر أن الشعب الأردني لا يعرف لماذا أسست الوزارة أو استحدثت ولماذا ألغيت!
أنهى رئيس الحكومة تعديله الوزاري، ولا يعرف إذا كان هذا سيحميه من غضب مجلس النواب لأنه احتفظ بوزراء تعرضوا لهجوم وانتقادات شديدة، ولم ينل رضى الشارع الذي كان يراهن عليه ألا يعيد إنتاج نفس السياسات والإجراءات التي اتبعتها الحكومات السابقة، وكان يطالب وما زال بتغيير النهج، والابتعاد عن اختيار الأشخاص ممن يطلق عليهم نفس "العلبة"!
طريق حكومة عمر الرزاز ليس معبدا بالورود، والواضح أنه مفروش بالأشواك والمفاجآت. فالأيام المقبلة صعبة جدا؛ فالبرلمان سيبدأ مناقشات مشروع قانون ضريبة الدخل وهو "صاعق انفجار" مجتمعي في ظل الأزمة الاقتصادية، وتصاعد أرقام الفقر والبطالة. كذلك وجدت حكومة الرزاز أمامها مشروع تعديل قانون الجرائم الإلكترونية وهو إرث حكومة هاني الملقي التي أسقطها الشارع، الذي يعتبر أن مشروع هذا القانون سيضيق الخناق على حرية التعبير والإعلام، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم وصفه بأنه قانون "تكميم الأفواه".
لا مفر أمام حكومة عمر الرزاز من مواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، والمنظور والواضح منها الشق الاقتصادي، وما يتعلق بالحريات العامة، لكن الخفي وما لم يظهر للسطح التحديات السياسية، فماذا سنفعل، وهل يمكن للتعديل الوزاري، وهو ليس أكثر من "إبرة مسكّن"، أن يكون زورقا للنجاة؟