السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بدون مؤاخذة-الخاشقجي وربيع السعودية

نشر بتاريخ: 19/10/2018 ( آخر تحديث: 19/10/2018 الساعة: 13:00 )

الكاتب: جميل السلحوت

بغضّ النّظر عن التّاريخ الأسود للصّحفي السّعوديّ جمال الخاشقجي، هذا التّاريخ الذي لم يكن له انتماء عروبي أو اسلاميّ أو تحرّريّ، ورغم أنّه أفنى عمره في خدمة أجندات مدفوعة الثّمن، إلا أنّ الاغتيال السّياسيّ مرفوض تماما.
ومع ذلك فإنّ من حقّ المرء أن يتساءل عن مدى الخطر الذي كان بإمكان الخاشقجي أن يشكله على النّظام السّعوديّ حتّى تتمّ تصفيته؟ وهل كان الخاشقجي في انتقاده للنظام يعبّر عن رأيه الشّخصيّ أم كان مدفوعا لذلك من جهات تدّعي أنّها حليفة للنّظام، خصوصا وأنّ الخاشقجي قد سبق وأن شغل منصب رئيس تحرير صحيفة الرّياض السّعوديّة لسنوات؟ وهل جرت تصفية الخاشقجي حقيقة أم جرى إخفاؤه تمهيدا "لبطولات زائفة قادمة"؟
صحيح أنّ العائلة المالكة السّعوديّة لا تقبل أيّ انتقاد سواء كان تلميحا أو تصريحا، وأنّ تصفية خصومها أمر مؤكّد منذ عهد الملك المؤسّس وحتّى يومنا هذا. لكن هل يُعقل أنّ وليّ العهد محمد بن سلمان شريك في تصفية الخاشقجي؟ وماذا كان سيجني من ذلك إن ثبتت التّهمة ضدّه؟ وهل دَفْعُ نصف ترليون دولار من السّعوديّة لأمريكا كافية لحماية النّظام، وقبول انتقال الحكم من أبناء الملك المؤسّس لأحفاده ممثّلين بوليّ العهد محمد بن سلمان؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف يمكن تفسير تصريحات الرّئيس الأمريكي ترامب"بأنّ الحكم لن يستمر أكثر من أسبوعين إذا رفعت أمريكا الحماية عنه"؟ وهل تطبيع العلاقات مع اسرائيل والتّنسيق الأمني معها، وحمل راية العداء لإيران وحلفائها العرب كسوريا وحزب الله اللبناني تكفي لاسترضاء أمريكا وحليفتها اسرائيل التي تواصل احتلالها للأراضي العربيّة؟ وهل تأسيس وتمويل حركات إرهابيّة كالقاعدة وداعش وجبهة النّصرة كانت بعيدة عن الأجندات الأمريكيّة، أم تنفيذا لها؟ وكذلك الأمر في حرب التّحالف السّعوديّ على المستضعفين في اليمن، وهل تغذية الطّائفيّة بين "الشّيعة والسّنّة" أمر طبيعيّ واجتهاد ديني، أم هي مدروسة أمريكيّا واسرائيليّا لتمزيق المنطقة، وتقسيمها إلى دويلات طائفيّة متناحرة؛ تطبيقا للمشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الجديد" لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعي؟ وهل استدراج الخاشقجي إلى القنصلية السعوديّة في تركيّا لتصفيته فيها أمر عفوي؟ وهل كان من الصّعب استدراجه إلى السّعوديّة ذاتها أمر صعب؟ وإذا كانت تصفيته حقيقيّة فلماذا لم تتمّ خارج القنصليّة؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير يجب أن لا تغيب عن البال في البحث عمّا وراء تصفية الخاشقجي، فالسّعوديّة رغم تسليم حكّامها كلّ مقدّرات شعبها للأمريكيّين ليست هي الأخرى بعيدة عن المشروع الأمريكيّ لإعادة تقسيم المنطقة، خصوصا في ظلّ الصّراع بين أمراء العائلة المالكة، والذي تجلّى باعتقال محمد بن سلمان لعدد من الأمراء تحت شعار محاربة الفساد، والحديث عن تقسيم السّعوديّة إلى ثلاث ممالك، واحدة شيعيّة في الشّرق، ومكة والمدينة كمملكة دينيّة شبيهة بالفاتيكان، وما تبقّى دولة "سنّيّة" حسب التّقسيمات الطائفيّة التّدميريّة هو جزء من المشروع الأمريكي.
ومع ضيق حكام السّعوديّة في قبول أيّ معارضة مهما كانت هشّة، إلا أن توقيت قضيّة الخاشقجي ليس بعيدا عن انتصارات سوريّا على قوى الإرهاب، وهذا يعني أنّ ما يسمّى "الرّبيع العربيّ" الذي دمّر ولا يزال يدّمر في ليبيا، سوريّا، العراق، اليمن، وصحراء سيناء المصريّة ليس بعيدا عن السّعوديّة، وليس مستبعدا أنّه جرى نصب فخّ لوليّ العهد محمد بن سلمان للإيقاع به في قضيّة تصفية الخاشقجي، لإثارة الفوضى تمهيدا لتقسيم السّعوديّة، لأنه وكما يبدو أنّ النّظام الحاكم قد استنفذ مهمّاته، ولا بدّ من استبداله بجياد جديدة، وقد يكونون من بين الأمراء المتصارعين عن الحكم، وما الخاشقجي إلا الطُعم الذي استخدم في ذلك.