الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

"التاجر" ترامب وخُطة التَشَدّد والإغراء

نشر بتاريخ: 23/10/2018 ( آخر تحديث: 23/10/2018 الساعة: 11:44 )

الكاتب: فراس ياغي

التاجر المِفرد كي ينجح في تجارته يفكر بكيفية تسويق بضاعته للزبائن معتمدا مفهومي الربح والخساره في حدودها الدنيا في حين تاجر الجملة يراها بمنظار أشمل ويحاول إحتكار البضاعة ليتحكم في السوق ويحدد الأسعار، أما أصحاب المليارات فطريقتهم تختلف لأن مفهوم البزنسس يعتمد مفهوم الصفقة التي تجلب الأرباح الوفيرة غالبا ومن النادر أن يُقدم على صفقة تحمل في طياتها الخسارة المُحقّقة إلا إذا كانت مُقدمة لصفقة أشمل فيها رِبح مضاعف لتعويض الخسارة.
رئيس البيت الأبيض السيد "ترامب" يرى الحياة كلها صفقات، لذلك يعتمد في سياسته الخارجية ومهما كانت طبيعتها مفهوم التبادل المرتبط بالمال أولا وأخيراً، هو يَزعم أنه يحمي دول الخليج والسعوديه، فيطلب المال مقابل ذلك، رغم أن بإمكان روسيا والصين حمايتها مثلا، بل لدى دولة كالمملكه العربيه السعوديه إمكانيات هائلة لتحمي الوطن العربي ككل وليس السعوديه لوحدها فحسب، وفقط ومن خلال مفاهيم إقتصاديه، ويكفي أن تُغيّر العمله من دولار إلى أي عمله أحرى في بيعها لنفطها الخام، إذا ليست المسائل إبتزاز وصفقات فقط بقدر ما هي توجهات سياسيه مرتبطه بطبيعة نظام الحكم القائم وخوفه مما قد تفعله أمريكيا كونها تعتقد أنها القوة الشرطيه الأولى في العالم بما لديها من قوة ناريه وفائض قوة لا يستهان بها، على الرغم من أن الأمور وبعد الحرب العالميه الثالثه على سوريا قد تغيرت بالحضور "البوتيني" الروسي.
الصراع العربي الإسرائيلي وفي مركزه القضيه الفلسطينيه يراها السيد "ترامب" بمنظار تاجر المِفرد ويبذل جهده لتسويق بضاعته، فيُعطي هذا علنا سفارة في عاصمته غير محددة الحدود، ويُعلن أن "القدس" تم إزاحتها عن طاولة المفاوضات، ويُغلق ممثلية منظمة التحرير في واشنطن، ويُلغي دعمه لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ويقطع المساعدات عن السلطه الوطنيه ويبذل الجهد في ما يُسمى الحل "الإنساني" لقطاع غزة، وكل هذا لتسويق بضاعته لزبونه "بيبي" واليمين الإستيطاني الإسرائيلي...في نفس الوقت يُعلن هو وصهره السيد "كوشنير" أن خطة السلام الأمريكيه سوف تحوز على رضا الفلسطينيين، وأن "القدس" ستكون عاصمة لدولتين، وأنه يستطيع التشدد مع "نتنياهو" لأنه يُعطيه خمسة مليارات دولار سنويا ولأنه نقل سفارة واشنطن "لأورشليم" كما قال للسيد "ماكرون" رئيس جمهورية فرنسا.
من الواضح أن السيد "ترامب" وعبر تغريداته التويترية يتلاعب بالمصطلحات والأسماء لكي يُسجل لنفسه أولا أنه قام بحل أعقد مشكلة في التاريخ المعاصر والمُتَمَثّله بموضوع الصراع الإسرائيلي العربي وجوهره الحق الفلسطيني في الدولة وتقرير المصير، فيقوم بالتشدد هنا وبالإغراء هناك...وبعد تشددّه تجاه الفلسطينيين وإغراءه لليمين الإسرائيلي، بدأ مرحلة الإغراء للفلسطيني والتهديد بالتشدّد تجاه الإسرائيلي.
"ترامب" يرى أن "القدس" تحتلف عن "أورشليم"، فالقدس ممكن أن تكون عاصمة لدولتين، في حين "أورشليم" هي العاصمة الأبديه لدولة إسرائيل، المشكله هنا أن حدود المُصطلحين غير واضحة، ويبدو أن إيضاحها سيكون وفقا للمفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، كما أن "الحوض المقدس" "جبل الهيكل" "البلدة القديمه" ووادي سلون، الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامه، غير معروفه وفقا لخطة "ترامب" هل هي في "أورشليم أم في "القدس" التي هي للتفاوض؟.
أما موضوع اللاجئين فقد حُسم أمره بالنسبة للسيد "ترامب" فهم خمسين ألفاً ويمكن عبر التفاوض تحويل قضيتهم إلى "لم شمل" للعائلات وباقي الملايين توطين وهجرة لدول مُحددة تستوعبهم كأستراليا وكندا مثلا، في حين الحدود ستكون وفقا للمتطلبات الأمنيه لدولة "إسرائيل" وهنا الإستيطان سيرتبط بمفهوم تبادل الأراضي وتوسيع غزة جغرافيا، والأمور الأخرى كالمياه فهناك حلول خَلاّقه سترتبط بالمشاريع الإقتصاديه الكبرى في المنطقه بدعم دولي وخليجي وسعودي والتي ستشمل أيضا الأردن ومصر.
إذاً، التاجر "ترامب" يعتقد بقوة أن المسائل ليست حقوق غير قابله للتصرف، ولا يرى مفهوم الدولتين وفقاً للشرعيه الدولية وقرارات الأمم المتحده، بل هي بضاعه لم تجد التاجر الجيد ليُسوّقها لدى مُختلف الأطراف وبالذات الفلسطيني والإسرائيلي، هو لا يرى أن اليمين الإسرائيلي ينظر للضفة الغربيه بما فيها القدس أرض "توراتيه" لا تُقسّم، وأن الحلول لديه تتعلق فقط بمحاصرة الديموغرافيا الفلسطينيه فيها في "كانتونات" و"معازل"، وأن الدولة الفلسطينيه فقط في "غزة"، فتاريخهم العبري وعبر توراتهم يُشير إلى أن "غزة" كانت للفلسطينيين، متجاهلين أن توراتهم كتبت أيضا أن مُدن "عسقلان" و"أسدود" و"عقرون" على الساحل و"جت" في الهضاب السلفى أيضا كانت فلسطينيه، أما النظرة الفلسطينيه فترى أن مُجرد الموافقة على مفهوم الدولتين والتنازل عن 78% من فلسطين الإنتدابيه والتاريخيه يُعتبر صفقة رابحه للجانب الإسرائيلي وتسويه تُنهي صراع يتجاوز عمره سبعة عقود.
لست في معرض الحديث التاريخي ولا الديني ولا كمفهوم حقوق، لكن المسأله أن الجانب الفلسطيني قدّم تنازلات كبيره ووافق على 22% من جغرافية فلسطين كمكان للدولة وحتى أنه وافق في المفاوضات على مفهوم أل “SWAP”، ولم يبقى شيء أصلاً للتنازل عنه، في حين إستغلت إسرائيل اليمينيه إتفاق "أوسلو" لتسيطر على 45% من الضفه وتُهوّد القدس وتنسف أي إمكانيات للسلام الحقيقي والتعايش في دولتين مُتعاونيتن في كل شيء.
لن يكون هناك حظ للتاجر "ترامب" ولن تكون خطته سوى إدارة جديده للصراع لحين إقتناع الطرفين بأن مفهوم الدولة الواحده الديمقراطيه العلمانيه هو الحل الممكن واقعيا وعمليا، وغير ذلك لن يكون سوى مقدمات لصراع أكثر دموي ولِ "جونيسايد" على الطريقه اليوغسلافيه، سيبدأها المستوطنيين المتطرفيين في الضفة الغربيه والقدس مستقبلا.
الشعب الفلسطيني وقواه المركزيه وقياداتها الرسميه وغير الرسميه عليها أن تتوحد وتُنهي الإنقسام وأن لا تكون السبب في تسريع النكبه الثالثه والتطهير العرقي الذي يُعشعش في رأس اليمين المتطرف في إسرائيل، أما التاجر "ترامب" فليعن خطته كما يُريد وبعدها لكل حادث حديث، خاصة أن الرفض سيأتي من اليمين الإسرائيلي الإستيطاني وعلى رأسه "بيبي" قبل الفلسطيني.