السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الخان الأحمر... نموذج مختلف من المقاومة الشعبية

نشر بتاريخ: 01/11/2018 ( آخر تحديث: 01/11/2018 الساعة: 18:59 )

الكاتب: نزار نزال

باحث في المقاومة الشعبية
قبل أيام بسيطة وقفت في الخان الأحمر ورأيت بأم عيني حجم المعاناة التي يتعرض لها السكان البدو هناك واستمعت إلى حديث كبارهم الذين يسردون قصة الرحيل وعناء الترحيل من النقب بسبب قرارات الاحتلال التي تجبرهم على التجنيد الإجباري في صفوف جيش الاحتلال ولكن وطنيتهم وحسهم الوطني رفض ذلك فرحلوا في العام 1951 م إلى الخان الأحمر والذي أصبح عنوانا للقضية الفلسطينية ونظرة المحبين للعدل وعين للأحرار في العالم وأن هدم هذا التجمع السكاني اعتبر جريمة حرب في نظر كثير من القادة في العالم وهذا مؤشر على عظم الفعل ألاحتلالي الذي يجسد بكل خطوة يتخذها عنصريته وفاشيته ويؤكد على الصهيونية كفكر وعمل، كنت أتابع نظراتهم التي تجدها تارة مليئة بالدموع وتارة أخرى تقرأ اللوم وأحيانا الرجاء، مشاهد نراها حسب الزائر لخيمة الاعتصام ولا استطيع أن اغفل طلاب المدرسة الذين يبلغ عددهم 200 طالب وطالبة الخوف يملأ قلوبهم من تهجيرهم ومنعهم من حقهم في التعليم علماً بأن المدرسة تم بناؤها من الإطارات والتي تفتقر لأدنى متطلب من متطلبات الدراسة الصحية الصحيحة.
جمعني بالبروفسور فرانكو أستاذ القانون الدولي الفرنسي و الذي اتخذ من الخان سكنا لنصرة المقهورين وتعرض للاعتقال و الترحيل القسري إلا انه آثر وتغلب على الجلاد وعاد ليكون مع الفئات البسيطة المظلومة ، كانت أدوات النضال السلمي موجودة ورأيت قادة كبار في المقاومة اللاعنيفه يطبقون أدوات غاندي وجين شارب ومانديلا ومارتن لوثر في محاولة منهم لكسر فولاذ المحتل ، نعم إنه الخان الأحمر الذي كتب الزمن وبصم على جبين الاحتلال ماركة مسجلة لمعاناة شعب طال الزمن في ذبحه وقهره .
المتابع لواقع المقاومة الشعبية في الخان الأحمر يجد أن هناك قناعة راسخة لدى الكل الفلسطيني بان موضوع الخان لا يمكن قبوله ولا يمكن التسليم بأمر واقع وهو غياب جغرافيا الإنسان الفلسطيني من منطقة الخان الأحمر والمشكلة في الخان الأحمر ليس بضع قطع من الصفيح أو خيمة منتشرة على بحر من الرمال القاحلة التي تنعدم بها الحياة ، إنما الموضوع يتجلى في أهمية هذه الجغرافيا و التي تبلغ مليون دونم تقريبا و تعتبر غلاف لمدينة القدس وأي مساس بها يعني مساس بنَفَس القدس ومخ القدس وكنس البدو من هذه المنطقة يعني أن القدس العظمى ترامت أطرافها على ضفاف البحر الميت وهذا يعني مشروع القدس الكبرى بالنسبة لدولة الاحتلال ، بالإضافة إلى فصل شمال عن جنوب الضفة الغربية الأمر الذي سيقتل أي أمل ببناء دولة متصلة الجغرافيا .
نموذج المقاومة الشعبية في الخان الأحمر له رونقه الخاص فهو ليس محليا كما حدث في بلعين ، نعلين، كفرقدوم ، المعصرة و النبي صالح.....الخ ، وإنما ينبع هذا النموذج من خليط المجتمع الفلسطيني بكل أطيافه فتجد ابن الخليل وابن جنين ومتضامنين موجودين على مدار الساعة ،كانت الحالة وطنية عامة و تجاوزت الحدود لتكون إقليمية بامتياز تحدث فيها العامة والقادة ، فهي تجربة الكل الفلسطيني وما يميز تجربة الخان الأحمر أن عناصر المقاومة الشعبية قانونية ، دبلوماسية ، رسمية وشعبية ، وقد كانت المشاركة فاعله ومتماسكة ويغلب عليها طابع التعاون ولوحظ انحسار في الفجوة ما بين المسؤول و المواطن العادي وغابت المسميات الوظيفية عند تواجد المؤسسات الرسمية ..
المقاومة الشعبية في تجربة الخان الأحمر لم تكن موسمية بل كانت وما زالت على مدار الساعة وان هناك من يلتحف السماء ليلا ويفترش الأرض نهارا وذلك من اجل دعم صمود السكان المحليين و البالغ عددهم 5000 بدوي موزعين على 26 تجمع بدوي منتشرين من أبواب القدس الشرقية حتى البحر الميت وهذا هو الهدف المعلن و الواضح وذلك من اجل ترسيخ واقع جديد دفع هذه الجماهير إلى كسر الاحتلال وعدم السماح له بقتل الأمل في إنهاء حلم الدولة ، تجلت صورة المقاومة الشعبية هناك من خلال قيادات وعناصر ومنظمات ومؤسسات وخاصة هيئه مقاومة الجدار بالإضافة إلى المتضامنين الأجانب الذين توافدوا متعاطفين مع البدو ولوحظ وجود كل من هو ضد الظلم و الاستبداد ومحبي الحربة و السلام .
على الرغم من الانقسام الفلسطيني والذي نخر عظم القضية الفلسطينية برمتها إلا أن الميدان في الخان الأحمر وحد الشعب وترك النزاع للكبار ، كان من الملاحظ غياب فصائلي واضح واقتصر الحضور على العامة من الشعب كان الدعم لوجستي من الجهات الرسمية واقصد هنا السلطة الوطنية الفلسطينية فكانت الإمكانات حاضرة فالماء و الطعام يكفي لعشرة أيام وربما أكثر قليلا وهذه ميزة لم تمتاز بها باقي نماذج المقاومة الشعبية في الوطن.
يقول احد القادة الميدانيين في المقاومة الشعبية صلاح الخواجا وهو عضو في هيئه مقاومة الجدار وعضو في حركة المقاطعة العالمية (BDS) أن تحويل نموذج الخان الأحمر إلى استراتيجيه فلسطينية للمقاومة أمر صعب لان ذلك يتطلب إرادة سياسية كما أن القناعة غير متوفرة بشكل مطلق بسبب المراهنات على اتفاقات سابقة مع المحتل وان فصائل العمل الوطني في سبات عميق ولا دور لها وليست معنية وأردف قائلا أن ما يجري في الخان الأحمر يجب أن يكون له ظلال في المحيط العربي لوقف التطبيع الذي أصبح مع الأسف مطلب عربي.