الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

غاية في الدهاء وقمة في الغباء

نشر بتاريخ: 13/11/2018 ( آخر تحديث: 13/11/2018 الساعة: 17:19 )

الكاتب: طارق زياد الشرطي

مرت علينا قبل أيام قليلة الذكرى الرابعة عشر على إستشهاد الرئيس والرمز الثائر والمناضل ياسر عرفات، ولا زال التخبط قائما في اثبات وادانة المنفذ، وعدم ايجاد الإدلة الدامغة لتقديم الفاعل للمحاكمة، واستذكر في هذا الحدث؛ للمقارنة وحادثة اغتيال الاعلامي السعودي جمال خاشقجي لمعرفة ومقارنة الفارق بينهما كجريمة، وما تبعهما من اثباتات وأدلة للوصول للإدانه ومحاكمة الفاعلين.
حرص المجرم في إغتياله للشهيد ياسر عرفات جيداً وبكل السبل على عدم إبقاء دلائل وخيوط واضحه للوصول اليه، وحاول إظهار وكأن الموت كان طبيعياً، وليس اغتيالاً أو بفعل فاعل، وكان الطعام هو إداة الإغتيال، ولم يترك أثراً لتتبعه، ولم يُقم الجاني بتنفذ مهمته في مكان مرتبطاً به، إنما بعقر داره وعرين الضحية والمتمثل بالمقاطعة، واستخدم سُماً قاتلاً بالموت البطئ يصُعب على الطب كشفه، والذي تم كشفه من قبل المستشفى الفرنسي، ولا زال القاتل حراً طليقاً بعد مرور أربعة عشر عاماً حتى يومنا هذا، وان كانت الدلائل تشير الى العدو الصهيوني، إلا ان اليد التي ساهمت في إيصال هذا السم لطعامة أو لباسه غير معروفه ومدانه، ولم تتعد إتهامات السلطة لأكثر من الاشارة والتلميح لخصوم داخلية تهدف لأخذ مكانه بالتعاون أو الإرتباط بدولة الاحتلال، دون الاشارة بأصبع الإتهام بشكل مباشر على الذين قاموا بذلك العمل والإكتفاء فقط بإتهام اسرائيل.
ما أثبته الفاعل بفعلته في غاية الدهاء، فنحن نتعامل مع إحتلال في غاية المكر والتخطيط والخديعة والتضليل بإمتياز، فهو قادر على اللعب بكل الجوانب، والصاق ما يريدهُ بالغير وتبرئة نفسه من العديد من القضايا، وتزوير الحقائق التاريخية، وسرقة التراث والتباكي على نفسه بأنه من يتعرض للظلم والإضطهاد، ليجعل كثيراً من دول العالم تتعاطف معه وكأنه الضحية والمجني عليه، في حين انه يعمل داخلياً على إدارة نفسه وسلطته بالقانون ومحاسبة الفاسدين وصولا لأعلى الهرم، ويمكن لأي مواطن أو سياسي لديه ان ينتقد ما يريد، ليس كتلك الأنظمة الديكتاتوريه التي تقتل معارضيها بهدف البقاء في سدة الحكم.
أما قمة الغباء، هو ما كُشف في حادثة إغتيال الإعلامي السعودي المعارض جمال خاشقجي؛ والتي لا زال الإعلام منشغلاً بها حتى يومنا هذا وكشف ما هو جديد، تلك الحادثه التي أثبتت سفاهة وغباء أولئك القائمين على إغتياله، حيث جاءت عملية الإغتيال في أغبى صورها، إذ قام الفاعل بفعلته بعقر دار الضحية والمتمثل بالسفارة السعودية في تركيا، ولم يفكر بإمكانية وجود شخص ينتظره بالخارج كما حدث مع خطيبته، أو حتى ان يكون هناك من يعلم بتوجهه الى السفاره، ولم يأخذ بالحسبان وجود كاميرات مراقبه تثبت دخوله لها، وتلك الأخبار التي لا أعلم مدى دقتها والتي تحدثت عن وجود ساعه يد معه قد تسجل أو ترسل معلومات لجهازه الخلوي بما يحدث بالداخل، ومما زاد الطين بله- إذا ما صحت- الاخبار المتدواله حول قيام المجرمين بتقطيعه أو استخدام المواد الكيميائية في إذابة جسده لإخفاء جثته، باستخدام حمض الهيدروكلوريك لاذابتها في برميل، بهدف إخفاء جريمتهم النكراء، في حين لم يمر على قتله سوى اشهر حتى تم كُشف ملابساتها وتفاصيلها والشخوص المجرمة التي قامت بفعلها.
نعم، هذا ما يجعل من الصعوبة بمكان التعامل مع هذا العدو، فهو يتمتع بدهاء ومكر وذكاء في ادارة شؤونه، ويعمل على محاسبة ذاته، ومعاقبة مفسديه لأي خطأ قد ينعكس سلباً على دولته، فكم من مسؤول إسرائيلي مفسد تعرض للمساءلة والمحاكمة اذا تجاوز القانون، بينما في الدول العربية لا زال همهم الأكبر هو الحفاظ على البقاء في سدّة الحكم ونهب الثروات، والولاء الأعمى للنظام ورفض كل اشكال الديمقراطية والنقد الهادف والبناء. أما فلسطينياً، فما زال الإنقسام الداخلي قائماً، ولا زالت السلطة كالانظمة العربية كافة؛ بعيدة عن الديمقراطية، والمواطن غير قادر على إبداء رأيه اذا تعارض مع رأي النظام الحاكم، أو ضد أي سياسة تتخذها الحكومة قد تكون مجحفة له على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وما زال الفاسدون لهم حصانة، وفي الوقت الذي يكون به البعض منشغلاً ببول البعير وفوائده، نرى الآخرون يواصلون تجاربهم العلمية والعملية ليصل قمرهم الصناعي الى الفضاء، وتنجح سياستهم الخارجية في عدة قضايا؛ منها الإقتصادية والعلمية؛ وأخرى تتعلق بالتطبيع مع دول العالم كافه.