الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإدارة المشتركة لغزة.. ضرورية

نشر بتاريخ: 17/11/2018 ( آخر تحديث: 17/11/2018 الساعة: 11:31 )

الكاتب: داوود كتاب

يبدو أن وقف إطلاق النار بين حركة "حماس" وإسرائيل، الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية، جاء بناء على تطور جديد في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهو توفير حدود من التوازن في تبادل الرعب بين مقاتلي "حماس" والفصائل الأخرى في غزة من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. وهو توازن يشبه إلى حد ما، ذلك الموجود بين إسرائيل و"حزب الله".
إلا أن أي وقف لإطلاق النار، بحاجة إلى اتفاقات سياسية وميدانية مقنعة لكي يقبل الطرف الاخر الالتزام به؛ وفي حال عدم تنفيذ تلك الاتفاقات (المعلنة وغير المعلنة) فقد يشكل ذلك حافزا لخرق التفاهمات حول التهدئة المتفق عليها، علما أن الطرفين لا يعترفان ببعضهما البعض مما يشكل صعوبة في التوصل إلى اتفاق مكتوب وموقع، يشمل الضامن لتنفيذه.
إن سكان قطاع غزة، يصل عددهم إلى ميلوني شخص، بحاجة ماسة إلى المساعدة والإنقاذ
وإذا كان لا بد من قرارات سياسية وميدانية تدعم اتفاق وقف إطلاق النار، فلا بد من إشراك القيادة الفلسطينية في رام الله، مما يعني بالضرورة إعادة فتح ملف المصالحة الفلسطينية، والإجابة على سؤال بسيط: من هي الجهة المسؤولة عن إدارة قطاع غزة؟
ترغب حركة "حماس" بمشاركة السلطة الفلسطينية بالأمور الإدارية ولكنها ترفض التنازل عن سلاحها علما أنه من الصعب التفريق بين السلاح الذي يفترض أنه يستخدم للمواجهة العسكرية، وذلك الذي يستخدم في داخل غزة لفرض واقع سياسي واجتماعي وضمان تنفيذ القرارات الإدارية.
الرئيس محمود عباس ومن خلفه الحكومة الفلسطينية وحركة فتح متزمتون في الموقف من ضرورة نقل السلطة بكاملها إلى الحكومة في رام الله أو عدم التعامل كليا مع غزة؛ وهو الأمر الذي أجبر "حماس" وقطر على السعي لإدخال أموال ووقود لتوفير الكهرباء للقطاع عن طريق الأمم المتحدة رغم أن إسرائيل والعالم لا يعترفون بحكم "حماس" في غزة.
ما اعتبره الحمساويون انتصارا في الجولة الأخيرة من المعارك، والتي أدت إلى استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي، بلور نشوة إضافية لدى قيادة "حماس" مما سيصعب التوصل إلى الحل الذي يرغب فيه أبو مازن والمتمثل بركوع "حماس" للقيادة الفلسطينية في رام الله.
تمكنت حركة "حماس" من إدارة الجولة الأخيرة من المواجهة بنضج سمح لها بممارسة ضغط معقول على إسرائيل، من دون السماح للأمور بالانفلات أكبر مما يفترض لها.
لذلك، آن الأوان لأن يقبل الرئيس عباس بالحلول الوسط، ووقف سياسة الامتناع عن مساعدة قطاع غزة وهو ما يعتبره البعض عقابا غير مباشر لـ"حماس" من خلال المشاركة بزيادة الضغط الاقتصادي على القطاع المتعب.
السياسة فن الممكن، والممكن الآن هو حل يتركز على مبدأ المشاركة وليس الحسم
إن سكان قطاع غزة، يصل عددهم إلى ميلوني شخص، بحاجة ماسة إلى المساعدة والإنقاذ؛ ومن المؤسف أن تكون إسرائيل ومصر وقطر والأمم المتحدة أكثر اهتماما بوضع سكان غزة من القيادة الفلسطينية. قد يكون رفض القيادة الفلسطينية المشاركة في إدارة غزة منطقيا، ولكن الظروف في غزة والإقليم غير منطقية مما يتطلب حلولا خارج الصندوق، وقد يعني ذلك إدارة مشتركة لمدة زمنية إلى حين إجراء انتخابات ونقل السلطة إلى من يختاره الشعب.
من الممكن أن تكون سياسة توازن الرعب قد أوصلت قيادة "حماس" إلى نتيجة مرضية في الوقت الحالي، لكن هذا لا يعني أنها تملك جميع الأوراق. فعلى "حماس" التعامل بواقعية مع الوضع ومحاولة الالتقاء مع القيادة الفلسطينية في منتصف الطريق، لعل الوضع الحالي يشكل فرصة للخروج بحلول طويلة المدى تشارك فيها كافة القوى الفلسطينية، بعد أن تضع مصلحة الشعب الفلسطيني وخصوصا سكان غزة في مقدمة الاهتمام وبدون أي تردد.
وفي المقابل، لا بد من أن يتراجع الرئيس عباس وحركة فتح عن سياسة الكل أو لا شيء؛ فالسياسة فن الممكن، والممكن الآن هو حل يتركز على مبدأ المشاركة وليس الحسم لأن الضحية من استمرار سياسة الحسم هو الشعب الذي من المفترض أن يكون في قمة اهتمام القيادات السياسية.