الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الغوغائية تطال كل شىء في فلسطين

نشر بتاريخ: 17/11/2018 ( آخر تحديث: 17/11/2018 الساعة: 13:57 )

الكاتب: ناصر دمج

الهجوم الهستيري والظالم على الضابط "أحمد أبو الرب"، يشبه إلى درجة التطابق مهاجمة العمال لقانون الضمان الاجتماعي، الذي خصص لخدمتهم، في مشهد مبكي يلاحظ في صميمه عبثاً مروعاً بالمصير.
وهو درجة أو حالة من حالات اللامبالاة بآلم النفس التي تصيب المدمنين على تجرع الألم، فلا يهدأ لهم بال إلا بفتح جراح عميقة في إجسادهم، فيما بعد سيندمون ندماً بعمق الجروح نفسها.
بعد ذلك ستمضي سنوات طويلة دون تمكن الأفراد والجماعات من استدراك الأثر الذي نتج عن عبث الألسنة بالسمعة أو عبث السكاكين بالجسد.
الاستخدام غير الموفق لوسائل التواصل الاجتماعي يزيد من خسارتنا للوقت وخسارتنا لاستغلال التطبيقات الأسطورية بممارسات متحللة من قيم الفهم والصبر وعدم التسرع وايجاد الأعذار، لصالح مزاجية مفرطة في العبث والتلسية، لنجد أنفسنا داخل مشهد اجتماعي يتسم بالتعقيد الشديد.
يحدث لنا ذلك في الوقت الذي تحولت فيه بعض التطبيقات الإلكترونية كتطبيق واتس آب WhatsApp وهو مشفر بالكامل ولا يمكن لأى شخص معرفة محتوى رسائله، إلى المساعد الأكبر في صعود الرئيس البرازيلي الجديد "جايير بولسونارو" بعد أن كانت حظوظه متدنية في الفوز، رغم إعلانه بأنه سيدمر الغابات المطيرية في الأمازون أي العبث برئة الأرض، وسينقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس، ووعد بقتل ٣٠ ألف يساري، ومنح الشرطة البرازيلية صلاحيات القتل الفوري للصوص والمجرمين.
مقابل ذلك نجد مستخدمي هذا التطبيق في بلادنا مقتصر على تبادل الصور والتهاني النمطية المكررة، والإساءات التي تلحق أفدح الأضرار بزملائهم؛ وهذا ينطبق على استخدام باقي التطبيقات ومنها الفيس بوك وهو الأكثر استخداما في فلسطين، الذي تشكل المحتويات المسيئة والضارة وغير المنتجة 90% من محتوياته، وفقا للأرقام التي ظهرت على صفحة "مارك زوكربيرغ".
وحولنا الفيس بوك وغيره من التطبيقات إلى مكرهة صحية، تعج بالأخبار الكاذبة والملفقة والصور المجتزأة من سياقها أو من تسلسلها الطبيعي إذا كانت ضمن مجموعة، وتحميلها بما يناسب ناشرها من نعوت وأوصاف، ليكتشف فيما بعد جمهور المتصفحين إنهم كتبوا التعليق الخطأ على الصورة الصحيحية.
بعد ذلك، لا يمكن استدراك الأخبار الخاطئة والكاذبة وجمعها وتصحيحها وإعادة نشرها، وكذا الصور المنشورة معها؛ يعني ذلك أن هناك ضحية واحدة لهذا العبث وهي الحقيقة، وهذا وضع لا يخدمنا في شىء، بينما يخدم خصومنا في كل شىء.
وهذه معضلة يجب أن تنتهي حتى لو تمت المبادرة إلى الطلب من "مارك زوكربيرغ" إضافة تطبيق جديد ملازم لتطبيق الفيس وغيره مخصص لفلترة الأخبار الكاذبة؛ بحيث يمكن تفعيله من قبل المستخدمين ليتم تحذيرهم من احتمال تلقيهم معلومات خاطئة.
عودة على بدء، لو بدأ التفاعل مع صورة "أحمد أبو الرب" بالاستفسار من قبل جمهور المتصفحين عن الصورة من جهاز الشرطة، لكانت النتائج مختلفة.
لأنه أتضح للجميع أن هناك قصة كبيرة تشرح وتفسر وتوضح الصورة نفسها، لخصها بيان محافظ الخليل "جبرين البكري" وتبين لنا أن ما قام به الضابط الفلسطيني لم يكن فعلاً سريا خدم فيه جيش الاحتلال، بل أنعقد على نية مساعدته علناً لأبناء شعبه، بعد أن تأكد له ولصحبه أن الطريق لن يفتح إلا بإصلاح عربة الجيش الإسرائيلي الذي أعاق حركة المواطنين عن عمد.
ولو كان الضابط ذي الرتبة السامية فوقياً لطلب من أحد مرافقيه القيام بما قام به بدلاً منه أو عنه، لكن ذلك لم يحدث؛ لأن سجل خدمته في سلك الشرطة يخبرنا بانه إنسان وكان يبادر إلى تسير حركة السير داخل مدينة الخليل عندما تصل ذروة الحركة إلى منتهاها في شهر رمضان، وغير ذلك من صور وأشكال المساعدة.
من نافلة القول، التذكير بأن الحرب تسحق العديد من الأبرياء والقليل من المجرمين الذين تسببوا بها، كما تنتشل آلة الرحمة العديد من الأبرياء وهم في قلب الجحيم، لهذا قدم لنا الأدب العالمي العديد من المقاطع التي يعلوا فيها صوت خفقان القلوب الرحيمة على ضجيج المدافع وهدير الطائرات، وتتغلب فيها الرغبة في المساعدة على الرغبة في القتل، جزء منا يحتفظ لتلك المقاطع بروايات كاملة أو صور مؤثرة؛ ومنها صورة الجندي الفرنسي الذي قص السلك الشائك لطفل من برلين الشرقية ليلتحق بذويه في الشطر الغربي من المدنية، فقتل الفرنسي وعبر الألماني وهما لا يعرفان بعضهما.
وقرأنا عن الجندي النازي الذي ساعد أطفال يهود في الفرار من معسكرات الابادة، وكيف قام "يغال آلون" بإخراج شباب قرية "أندرو" قضاء الناصرة من معسكر الاعتقال "إجليل" خلال حرب عام 1948م لأن أماً عربية أرضعته من سكان تلك القرية في صغره لأنه كان يتيم الأم.
بالمقابل قام سائق فلسطيني بإنقاذ مجموعة من أطفال المستوطنين احترقت مركبتهم بعد أن انقلبت قبل مدة من الزمن على إحدى الطرق الالتفافية شرقي رام الله ، وكيف قبل "برهام العظيم" حاكم طروادة يد "أخيلس" قاتل ولده "هيكتور" ليسمح له بدفنه.
ما قام به هؤلاء جميعاً وغيرهم بالملايين، لم يغير من صفة وهوية وأهداف الأعداء، فكل بقي ممسكاً باسمه وبمهمته، لكنهم حفروا للإنسانية ممراً ضيقاً بين جثث الجنود.
لهذا لا يجوز لنا أن ننزع عن "أبو الرب" لبوس الشرف ونلبسه لبوس العار، ونحن على غير علم بما حدث معه ومع صحبه بمن فيهم محافظ الخليل.
لهذا رأيت أن قرار رئيس جهاز الشرطة كان متسقاً مع موجة عاتية من الإدانات المسبقة والمتسمة بالغوغائية الشديدة المصممة على معادة كل ما يمت للسلطة بصلة سواء كان إنساني أو سياسي أو غير ذلك.
لهذا أضم صوتي لصوت المطالبين برد الاعتبار للضابط "أبو الرب" بمن فيهم محافظ الخليل الذي دعا إلى مراعاة الدقة وتحري الحقيقة في نشر الأخبار والصور وعدم التسرع في إصدار الأحكام وعدم الانجرار وراء الشائعات الممنهجة والعشوائية التي تصب في مصلحة أعداء شعبنا.