الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

المكتبات الفلسطينية كشريك في تحقيق التنمية المستدامة

نشر بتاريخ: 27/11/2018 ( آخر تحديث: 27/11/2018 الساعة: 14:46 )

الكاتب: عنان حمد

مختص في شؤون المكتبات

مقدمة:
لا شك بأن التنمية المستدامة أصبحت من أهم قضايا العصر الحالي، لما تهدف أليه من توازن بين الاحتياجات الحالية واحتياجات الأجيال القادمة في المستقبل، وقد عملت هيئة الأمم المتحدة من خلال البرنامج الإنمائي التابع لها ما بعد 2015 وحتى 2030 مع الشعوب وكل المستويات الاجتماعية لمساعدة الأمم للصمود أمام الأزمات والدفع نحو النمو المستدام الذي يحسن من جودة الجميع. ولقد كانت التنمية حقاً تاريخياً تتمتع به الدول، ولقد أصبح ممارسة هذا الحق في أيامنا الحالية ضرورة ملحة لتعايش الجميع معاً، وهو ما يتطلب تقديم الدعم والعمل على من أجل ضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة لجميع دول العالم و منها دولة فلسطين، وفي الوقت الذي نواجه فيه العديد من التحديات التي تؤثر بشكل كبير على البيئة و مواردها الطبيعية والصحية والتعليمة والثقافية.
ولقد تمت في الفترات السابقة العديد من الجهود المكثفة لتوفير التنمية المستدامة في العديد من الدول العربية ومن ضمن هذه الدول كانت فلسطين تستنهض مشاريع التنمية المستدامة لديها، ولقد تم التعاون بين هيئة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية من خلال مجلس الوزراء العرب بشأن توفير ضروريات التنمية المستدامة في الوطن العربي.
وقد قدمت دولة فلسطين استعراضها الوطني الطوعي الأول حول أهداف التنمية المستدامة أمام المنتدى السياسي رفيع المستوى المنعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، كجزء من التزامها بمتابعة تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030 التي اعتمدها رؤساء الدول والحكومات في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي عقدت في سبتمبر 2015.
وخلص التقرير إلى أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، وتجسيد دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضها وحدودها ومواردها، يمثل شرطا ضروريا ومسبقا لتمكين فلسطين من تحقيق أولوياتها الوطنية للتنمية المستدامة، وهو شرط لا يمكن تحقيقه دون قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه إلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها إنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية. وفي عام 2016 اتخذ مجلس الوزراء الفلسطيني قراراً بتشكيل فريق وطني، برئاسة مكتب رئيس الوزراء وعضوية كافة الأطراف المعنية من مؤسسات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، يتولى مسؤولية تنسيق الجهود الوطنية لمتابعة وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والإشراف على عملية إعداد الاستعراضات الوطنية حول سير العمل على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وهو قرار جاء من قناعة الحكومة بأن الشراكة الكاملة والحقيقية بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص هي الخيار الوحيد لمواجهة التحديات المحدقة بالشعب الفلسطيني وقضيته، ولمواجهة سياسات وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي التي تقوض من فرص التنمية المستدامة والأمل بحياة أفضل.
ومن هنا لا بد لنا أن نتكيف مع أدوات العصر من خلال توظيف طرق جديدة في التفكير، ومهارات جديدة وان نقدر ونثمن دور المكتبات بأنواعها المختلفة (العامة، الأكاديمية، المتخصصة)، على أنها المصدر الثقافي والتعليمي والمعلوماتي للمجتمع الى جانب دورها في الحفاظ على التراث الإنساني. وبذلك يمكن أن تحتل المكتبات مكانة فعالة كمشارك أساسي في تحقيق التنمية المستدامة. ومن خلال ما تقدم وما تم الإعلان عنه في القمة العالمية لمجتمع المعلومات في دورته الأولى بجنيف، عندما تم الإعلان عنه بضرورة دعم المؤسسات العامة، وفي مقدمتها المكتبات العامة بشكل خاص والمكتبات بشكل عام التي يمكن إن تؤدي دوراً مهما في بناء مجتمع المعلومات ودعمه من خلال الخدمات التي تقدمها، بالإضافة الى ما قامت به الإفلا (الاتحاد الدولي للمكتبات والمعلومات) بحث صانعي السياسات والمهتمين بالقضايا التنموية بدعم أطر المعلومات اللازمة للتنمية المستدامة وتوفير شبكات المعرفة والمصادر البشرية والمعلوماتية.
ولمعرفة دور المكتبات في خدمة المجتمع لا بد لنا من تحديد ما هي الأهداف التي تقوم بها المكتبات وتسعى لتحقيقها، والتي تتمثل بالهدف الأساسي وهو التثقيف من خلال توفير مصادر المعلومات وتقديم الخدمات، الأعلام من خلال توفير المعلومات الدقيقة عن المواضيع ذات الاهتمام بهدف وضع المستفيدين بصورة الوضع الحالي، التعليم من خلال توفير مصادر المعرفة المختلفة لجميع فئات المجتمع بما تلبي أحتياجتهم، بالإضافة الى ما سبق ذكره هو عملها الأساسي بجمع وحفظ التراث المحلي وإتاحته للجميع.

أهمية المكتبات كشريك لتحقيق التنمية المستدامة؟
يظهر لنا هذا الدور من خلال ما أعلنته الإفلا (الاتحاد الدولي للمكتبات والمعلومات) والتي تتلخص بالتالي:
1. تمنح المكتبات الأفراد فرصاً للجميع: حيث تتواجد المكتبات في كل مكان (الجامعات، المدارس، المدن)، بحيث أنها تخدم الجميع.
2. تتيح المكتبات المعرفة العالمية: حيث تقدم المكتبات المعلومات بإشكالها المختلفة (المطبوعة والغير مطبوعة).
3. تمكن المكتبات الأفراد من تحقيق تنميتهم الذاتية من خلال التعلم والخلق والابتكار.
4. يوفر المكتبيون الخبرة من خلال إعطاء التدريب والدعم للحصول على المعلومات من مختلف مصادر المعلومات.
5. المكتبات جزء من مجتمع متعدد الأطراف: من خلال عمل المكتبة مع العديد من المجموعات الفعالة في المجتمع وبمختلف الظروف.
6. الاعتراف بدور المكتبات في تطوير السياسات حيث يلعب المكتبيون دورًا أساسيًا في إتاحة المعلومات والخدمات الشبكية الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، لذا يجب على صانعي السياسات أن يعززوا من دور المكتبات و يستغلوا مهارات القائمين عليها والعاملين في مجال المعرفة؛ لحل مشاكل التنمية على مستوى المجتمع.
لذا تحث الإفلا صانعي السياسات والمهتمين بالقضايا التنموية أن تفعل و ترفع من هذه المصادر القوية الحالية و تتأكد أن أي إطار تنموي بعد عام 2015 لابد وأن:
• يُقدر أهمية إتاحة المعلومات كعنصر أساسي يدعم التنمية.
• يعترف بالدور الذي يلعبه المكتبيون كأدوات تنموية.
• يشجع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على دعم أطر المعلومات اللازمة للتنمية – توفير شبكات المعرفة والمصادر البشرية و المعلوماتية - مثل المكتبات و الهيئات العامة.

ما هو دور المكتبات في دعم أهداف التنمية المستدامة؟
تستطيع المكتبات أن تقوم بدور فعال في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من خلال مجموعة من الطرق والوسائل التي توفرها المكتبات، بحيث تعمل على توفير أمكانية الوصول الى المعلومات ودعم مهارات محو الأمية وتقنية المعلومات والاتصالات والوصول الى الفضاء المجتمعي، وهذا يمكن تلخيصه بما يلي:
• تدعم مكتبات الإبداع التابعة للأمم المتحدة UN Depository Libraries نشر المعلومات والأبحاث لمساعدة صانعي القرار على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
• الوصول الى المعلومات الصحية والبيئية والزراعية هي أهداف التنمية المستدامة، وتقوم المكتبات بتوفير مصادر المعلومات التي تسمح بالوصول الى الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذه المجالات.
لقد بدأت الإفلا تعمل منذ فترة على تقوية و تطوير قدرات أعضائها من خلال مجموعة أدوات تضمن جاهزية جميع المكتبات لدعم أهداف التنمية المستدامة في العديد من دول العالم ، من خلال جعل ودمج المكتبات شركاء في التنمية المستدامة وتثبيت فعاليتها ودورها للنهوض بأدوات التنمية. ومن التجارب الرائدة التي كان للمكتبات دور مهم في التنمية المستدامة كانت في رومانيا من خلال زيادة دخل صغار العاملين في مجال الغذاء (الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة)، حيث عمل موظفو المكتبة العامة الذين دربهم برنامج Biblionet Programme مع الحكومة المحلية لمساعدة 100.000 مزارع على استخدام خدمات تقنية المعلومات والاتصالات الجديدة لتقديم طلب الحصول على إعانات زراعية، مما نتج عنه 187 مليون دولار وصلت للمجتمعات المحلية ما بين عامي 2011 - 2012. وأيضا كان هناك تجربة أخرى من خلال تعزيز فرص العمل التعلم مدى الحياة (الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة)، وذلك في بوتسوانا حيث اتخذت المكتبات العامة خطوات كبيرة من أجل دعم الأهداف الحكومية في إطار رؤيتها الوطنية لعام 2016، من خلال إدخال تقنية المعلومات والاتصالات وتحسين المهارات الحاسوبية لمستخدمي المكتبات وتمكينهم من النجاح في الأعمال التجارية والتعليم والعمالة. وكان في أوغندا تجربة ناجحة أخرى من تمكين النساء والفتيات (الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة)، حيث قامت المكتبة الوطنية بعمل تدريباً على تقنية المعلومات والاتصالات والتي خصصت للمزارعات، مما يجعلهم ويسهل إمكانية وصولهم الى التنبؤات الجوية وأسعار المحاصيل والدعم، ومن خلال أنشاء أسواق على الانترنت لبيع منتجاتهم.
وأيضا كان للاتحاد الأوروبي تجربة ناجحة من خلال ضمان العمالة المنتجة والعمل اللائق (الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة)، حيث قام 4.1 مليون شخص في عام واحد باستخدام حواسيب المكتبة العامة لدعم الأنشطة التي لها علاقة بالعمل، وتم استخدام 1.5 مليون جهاز حاسوب لتقديم طلبات الحصول على وظائف، وكانت النتيجة انه حصل أكثر من ربع مليون شخص على وظيفة.

وفي الختام كان أحد أهم نقاط خطة الأمم المتحدة لعام 2030 هو محو الأمية العالمية في الوصول للمعلومات عبر مصادر المعلومات المتنوعة وخاصة الإلكترونية، وفي مجتمع المعرفة توفر المكتبات إمكانية الوصول للجميع. ومن هنا فأنني أدعو جميع المهتمين والمسؤولين للعناية والاستفادة من مصادر المعلومات المتوفرة ودعم وتوفير مصادر معلومات في مختلف أنواع المكتبات الفلسطينية، لتكون شريكاً فعالاً في النهوض بالتنمية المستدامة في فلسطين، وتشكل رافداً آخر في رفع راية التنمية المستدامة الفلسطينية.