الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

"حل التشريعي".. خطوة أخرى في إدارة الشأن العام بالانقلابات!

نشر بتاريخ: 28/12/2018 ( آخر تحديث: 28/12/2018 الساعة: 10:13 )

الكاتب: معتصم حماده

(1)
■ كالعادة، وقبل انعقاد ما يسمى الاجتماع القيادي في رام الله (22/12)، أطلت علينا تصريحات ومقابلات ومقالات، تؤكد أنه سيكون اجتماعاً مميزاً، يترأسه رئيس السلطة، من شأنه أن يضع النقاط على الحروف، خاصة بعدما شهدته الضفة الفلسطينية من اجتياحات إسرائيلية، تركزت بشكل بارز في رام الله ومحيطها. وتوجهت الأنظار نحو هذا الاجتماع، وبقيت وسائل الإعلام تنتظر أن تصدر عنه هذه القرارات التي سوف تضع النقاط على الحروف، وأن يصدر عنه بيان ختامي، يلخص الموقف الرسمي مما جرى في الضفة من تغول أمني من سلطات الاحتلال.

وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه نحو مواقف تعزز صمود الشارع الفلسطيني، وتمهد لتنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني، خاصة بما يتعلق بالتنسيق والتعاون الأمني مع سلطات الاحتلال، خرج رئيس السلطة على المجتمعين، بالمفاجأة(غير المنتظرة) حين كشف عن قرار للمحكمة الدستورية، يجيز حل المجلس التشريعي الفلسطيني، ويعلل ذلك بأسباب غير مقنعة لأحد.

وإذا كان من شأن هذا أن يدل على شيء، فإنه يدل على أن الحالة الوطنية الفلسطينية في وادٍ، والقيادة الرسمية الفلسطينية، و المطبخ السياسي ، في وادي آخر، وأن الهم الوطني الغالب في واد، وأن الهم السياسي عند المطبخ السياسي في وادي آخر. فضلاً عن أن هذه الخطوة أي حل المجلس التشريعي، حملت في طياتها أسئلة كثيرة، وشغلت الرأي العام بعيداً عن الصراع مع الاحتلال، وعما جرى في الأسابيع الماضية، وشدت الانتباه إلى أن القيادة الرسمية ومطبخها السياسي تضمر قضايا سياسية، يبدو أنها لم تفصح عنها كاملة حتى الآن، وأن كل هذا الضجيج، حول معارضة صفقة العصر ، ما هو إلا لذر الرماد في العيون، وما هو إلا قنابل دخانية، ودخان أسود، من أجل التغطية على القضايا المضمرة.

(2)
في قضية حل التشريعي بقرار من المحكمة الدستورية، يمكن أن نلاحظ التالي:
• أن هذه المحكمة مازالت في الأساس، موضع خلاف سياسي بين السلطة، وبين الفرقاء السياسيين في الحالة الوطنية، إذ تفتقر الحالة الفلسطينية إلى دستور، وهي تستند إلى قانون أساسي، لذلك اعتبرت المحكمة الدستورية حملاً زائداً، يحمل في طياته نوايا، منها، أن تكون أداة في الصراع السياسي، يخدم المطبخ السياسي واستراتيجيته ومراسيمه.

• أن وظيفة المحكمة الدستورية، في الدول المستقلة وذات السيادة، أن تبت بدستورية القوانين، لا أن تبت بمصير المؤسسات الدستورية. أي أن تبت بدستورية قانون الانتخابات، أو غيره من القوانين، لا أن تبت بمصير مجلس النواب (أو التشريعي أو مجلس الشعب). ولم تعرف الأنظمة السياسية سابقة حلت بها المحكمة الدستورية مجلساً للشعب (النواب) منتخباً، إلا في مصر، ليس من مدخل دستورية هذا المجلس، بل من مدخل دستورية قانون الانتخابات الذي أنتج هذا المجلس. لذلك نقضت المحكمة دستورية القانون وما نتج عن هذا القانون. وهذا شيء، وما قررته الدستورية التابعة للسلطة الفلسطينية أمر آخر.

• هذه الخطوة، في اللجوء إلى المحكمة الدستورية لفض خلاف سياسي (أي حالة الانقسام)، تحمل في طياتها مخاطر سياسية كبرى. إذ من شأنها أن تقحم القضاء في الصراع السياسي، وبالتالي يتحول القضاء إلى طرف في الصراع، وليس سلطة محايدة كما يفترض أن تكون. وليست هي المرة الأولى التي لجأ فيها المطبخ السياسي إلى القضاء كسلاح لتصفية حساباته مع أفراد وتيارات سياسية. وهناك أكثر من واقعة تؤكد أن كثيرين اعتقلوا، وسجنوا، وصودرت جوازات سفرهم، ومنعوا من السفر، بقرار قضائي نزولاً عند طلب مؤسسة الرئاسة أو من ينوب عنها. وإن الجهات القضائية لم تكن تفرج عن هؤلاء، إلا بطلب من المطبخ السياسي أو من ينوب عنه، دون أن توجه للموقوفين تهمة معنية يمكن مقاضاتهم عليها.

• هذا الزج للقضاء في المعارك السياسية سوف يلحق الضرر بالسلطة القضائية، وسوف تكون في موقع الإتهام، أنها فقدت استقلالها وحيادها في البت بالشأن اليومي للمواطنين، فضلاً عن أن تحويلها إلى سلاح، لفض النزاعات السياسية سوف يحولها إلى سلطة فاسدة، فضلاً عن إفساد الحياة السياسية نفسها.

(3)
كتب الكثير، عن عدم صلاحية قرار حل التشريعي، وعن فساد هذا القرار قانونياً. ومن الطبيعي أن يكتب، بالمقابل، ما يؤيد هذا القرار. لكن المثير للسخرية، أن يقال إن هدف هذا القرار. هو أن يكون خطوة على طريق الخلاص من أوسلو، بذريعة أن هذا المجلس هو من نتائج أوسلو.

طبعا يمكن، وبسهولة، كشف سخافة هذا التبرير، وسطحيته وإفلاسه. فالرئاسة هي من نتائج أوسلو.(لاحظوا كيف تتوسع يوماً بعد يوم جوقة المديح بالرئيس والرئاسة، تحت شعار و بالشكر تدوم النعم ). وحكومة السلطة هي من نتائج أوسلو. والأجهزة الأمنية وتنسيقها مع سلطات للاحتلال هي أيضاً من نتائج أوسلو. وكل مظاهر البيروقراطية والامتيازات الكبرى، هي من نتائجه. والأهم أن الاعتراف بإسرائيل، والتبعية الاقتصادية لها، هي من أهم نتائجه. وأن المجلس المركزي، وبعده الوطني حين قراراً إنهاء العمل بأوسلو، لم يتطرقا لا إلى المجلس التشريعي ولا إلى باقي مؤسسات السلطة، بل إلى ما نتج عن التزام أوسلو من قيود. فما معنى إذن، أن تكون فاتحة الخلاص (المزعوم) من أوسلو، هي حل التشريعي، في الوقت نفسه التمسك بكل ما نتج عن هذا الاتفاق الفاسد، من مؤسسات وإدارات، وامتيازات وغيرها. الفضيحة، في الادعاء، أن حل التشريعي هو للخروج من أوسلو، أن من يقولون ذلك، إنما يحاولون أن يستغبوا الرأي العام، أو أنهم يظنون أنه رأي عام غبي، يمكن التدليس عليه بسهولة. لكن الحقيقة أن هذا القول ارتد على أصحابه بتهمة الغباء، كما ارتد عليهم بكشف استعدادهم للسير في ركاب أوسلو، ولو على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية، وأن المهم، هي المكاسب الفئوية والفردية، والحفاظ على الوضع القائم، بكل ما فيه من امتيازات فاسدة، تتمتع بها البيروقراطية في السلطة الفلسطينية و م.ت.ف، ومؤسساتها. يبقى أن نسأل: مادام حل التشريعي هو خطوة على طريق الخروج من أوسلو، فلماذا بشرنا رئيس السلطة بأن القرار يلزم بانتخابات لتشريعي جديد خلال ستة أشهر؟

(4)
هل فكر ملياً، من كان وراء هذا القرار، بما يمكن أن ينتج من تفاعلات.

لنفترض، على سبيل المثال، أن أحمد بحر، نائب رئيس المجلس التشريعي، دعا الآن (وهو دعا في كل الأحوال) إلى اجتماع للتشريعي في غزة، يحضره نواب حماس والنواب الموالون لمحمد دحلان، ووفروا نصاب المجلس، أي النصف واحد. وأن بحر على سبيل المثال، خاطب البرلمانات العربية، والأوروبية والدولية الأخرى، متظلماً، خاصة في ظل الخلاف حول دستورية المحكمة الدستورية في الأساس وحول دستورية قراراها بالحل، وحصل على اعتراف بعض البرلمانات بشرعية المكون التشريعي المقيم في القطاع. ماذا سيكون عليه موقف القيادة الرسمية وفي أي نفق، ودهليز، تكون قد أدخلت الحالة الوطنية، والقضية الفلسطينية فيه، خاصة وأن التدخل الخارجي، في ظل الانقسام، في الشأن الداخلي الفلسطيني، لا يحتاج إلى إثباتات. وهذا يعني أن خطوة المطبخ السياسي تكون قد قادت نحو ليس فقط تعميق الانقسام، بل وفتحت المجال لسلطة تشريعية ، متمردة على السلطة في رام الله، لكن معترف بها من قبل بعض العواصم العربية والدولية، وهذا ما سوف يقود إلى شكل من أشكال انفصال القطاع عن الضفة. ولا يفيد عندها، القول إن هذا الانفصال هو خطوة على طريق التحاق حماس، بصفقة العصر. فهذه التهمة سبق وأن استنفذت أغراضها، وبدت سخيفة، ولا تقنع أحداً.

لذلك من حق أي مراقب أن يسأل: لماذا الآن قرار حل التشريعي، هل لإخراج حماس من المعادلة السياسية، باعتبارها جزءاً من المؤسسة، من خلال عضويتها في التشريعي؟ هذا غير مقنع، فحماس، وأياً كان موقفنا منها، هي جزء من المعادلة. يدرك ذلك جيداً الرئيس عباس، منذ أن شارك في حوار القاهرة في آذار/مارس/2005، مروراً بتشكيل هيئة تفعيل وتطوير م.ت.ف ومؤسساتها، انتهاء بمشاركتها في اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت، في 10/1/2017.

إلا إذا كانت نوايا القيادة الرسمية، حل هيئة تفعيل وتطوير م.ت.ف ، وشطب وإلغاء كل المؤسسات التي يمكن لحماس أن تكون طرفاً فيها.

(5)
من نتائج حل التشريعي، سلسلة من التداعيات، من بينها:

• أن أعضاءه هم في الوقت نفسه، أعضاء في المجلس الوطني. وبالتالي إخراجهم من عضوية التشريعي، يقودهم إلى الخروج من الوطني . والأمر نفسه ينطبق على رؤساء اللجان في التشريعي، الأعضاء في المجلس المركزي.

• أننا بتنا أمام سلطة كلها غير منتخبة، ولا تحوز على شرعية صندوق الاقتراع. الحكومة غير منتخبة، وهي تقوم بوظائفها بمرسوم من رئيس انتهت ولايته منذ كانون الثاني (يناير) 2010، وجرى تحديدها بقرار من لجنة المتابعة العربية (أي من طرف من خارج المؤسسة الوطنية الفلسطينية). ويمكن لأي كان في ظل الانقسام القائم والتوتر السائد أن يطعن، والحال هكذا، بشرعية الحكومة، وشرعية الرئيس، وبالتالي بشرعية السلطة نفسها ونعتقد أن حرب الشرعية سوف تندلع هذه المرة، بقوة أشد، بين فتح حماس، بكل ما سوف يحمله هذا من كوارث لا تحصى ولا تعد: من نتائجها إنها ستزيد من إضعاف الحالة الوطنية بكل مكوناتها.

• أن هذا الوضع سوف يفتح الباب لصب الزيت على نيران الخلافات المستعرة بين قيادة فتح وتيار دحلان. وما قاله الرئيس عباس في كلمته، ومن غمز من قناته، في كلمته في الاجتماع القيادي ، كان مفهوماً للجميع. هذه المرة، كما بدا من كلمة رئيس السلطة، أنه سيدير المعركة ضد تيار دحلان ورموزه، من بوابة الإدانة بالفساد، وسرقة المال العام والرشوة، وارتكاب الجرائم، مستعيناً بعضوية دولة فلسطين في الإنتربول. أي أن فصلاً جديداً من فصول الصراع داخل البيت الفتحاوي، بمكوناته المختلفة، سوف يبداً في الأيام القادمة.

المؤسف، والمخزي، في الوقت نفسه، أنه وبدلاً من أن تستعين السلطة، بعضويتها في الإنتربول، لمطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين، عبر اعتبارهم مطلوبين للقضاء الفلسطيني بارتكابهم جرائم، قتل، ونهب الأراضي، وتعذيب أسرى ومعتقلين، وغيرهم، تبشر السلطة بأن سلاح الإنتربول سوف يوجه إلى أطراف فلسطينية، على خلاف معها، لكنها، وهذا ما يجب تفهمه، إنها بقيت جزءاً من المعادلة السياسية، ولم تخرج منها، شئناً ذلك أم أبيناً.

(6)
يبقى السؤال: هل حقاً ستجري انتخابات تشريعية بعد سنة أشهر عملاً بالقرار؟

في البداية لا بد من الاستدراك أن المطبخ السياسي عودنا على الإخلال بالمواعيد وبتنفيذ القرارات، إلا ما يراه في خدمة تمسكه ببقايا أوسلو. لذلك نحن أمام احتمالين، سوف تكشف الأيام أيهما سوف يفرض نفسه:

• أن لا تدعو رئاسة السلطة إلى انتخابات تشريعية جديدة، وأن تحافظ على نظام سياسي مشوه، كل مؤسساته، فات زمانها القانوني، وتسيّر الأمور بقوة الأمر الواقع، كما في غزة، وبحيث تبقى سياسة إدارة الأمور بالمراسيم

الرئاسية هي السائدة، في تحلل من أية رقابة شعبية أو تشريعية، مما يسهل عليها الذهاب في الاتجاه السياسي الذي ترى أنه يخدم مصالحها. فنصبح أمام سلطة بلا مجلس تشريعي، وأمام م.ت.ف، لجنتها التنفيذية معلقة على حبال الاجتماعات التشاورية، بينما القرار بيد الرئيس وحده.

• أن يدعى لانتخابات في الضفة وحدها. ويحرم منها قطاع غزة، باعتباره إقليمياً متمرداً. لكن وفق نظام يملي على اللوائح (المرشحة بنظام التمثيل النسبي) أن تسمي من مرشحيها من يمثل الضفة، ومن يمثل غزة، وبحيث تكون الانتخابات لمجلس تشريعي يمثل الضفة والقطاع، لكن دون مشاركة القطاع في الانتخابات، بغض النظر عن مدى دستورية هذا الأسلوب من عدمه، وبغض النظر عمن يحق له حرمان الشعب الفلسطيني في القطاع من ممارسة حقه في اختبار ممثليه. بالمقابل ترفض كل لائحة لا تضم مرشحين عن الضفة وعن القطاع، وبحيث تتم فبركة تشريعي مشوه، وتقديمه إلى الرأي العام باعتباره نتاجاً لعمل ديمقراطي.

مثل هذه السيناريوهات هي المتداولة الآن في رام الله، بغض النظر عن مدى واقعيتها، ومدى جديتها. وهكذا نكون قد ورثنا، في الحالتين، خطوة سياسية كارثية هي البديل لمجلس تشريعي، صدر قرار بحله، لا نأسف على وداعه، لذاته، بل، كل الاعتراض، أن تكون خطوة حله، في هذه المرحلة بالذات، لعبة لإبعاد النظر والاهتمام عن قرارات المجلس المركزي والوطني، وعن ضرورة إعادة رسم العلاقة مع دولة إسرائيل لصالح تصعيد الخلاف مع حماس، وما يحمله هذا التصعيد من أهداف مبينة لا تخدم المصلحة الوطنية مطلقاً.