الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

من دفاتر العرب المارقة:- في علم اجتماع الكذب عند العرب

نشر بتاريخ: 24/01/2019 ( آخر تحديث: 24/01/2019 الساعة: 16:37 )
من دفاتر العرب المارقة:- في علم اجتماع الكذب عند العرب
بقلم: د. محمد نعيم فرحات
لطالما كانت جامعة الدول العربية، اطارا بائسا لكنه كان ناجحا في تنظيم الفشل والعجز والخيبة والتواطؤ والخذلان والتكاذب العربي المشترك على الذات وعلى الضرورة وعلى الامة وعلى شعوبها وعلى قضاياها، باعتبار ذلك أهم عناوين انجازاتها مذ نشأت الى أن تلقى مصيرها المحتوم.
في مكان ما، يمكن القول، بأن تجربة الجامعة العربية ستدخل التاريخ، باعتبارها بنية فاشلة للغاية في تحقيق اي هدف يتطلبه التعاطي البناء مع الواقع العربي، وكانت إطارا رسميا للغاية، مكلفا للغاية، وبأسا للغاية، تمكن النظام العربي من خلالها تجسيد روحيته وقدرته السلبية للغاية.
وسيشير مؤرخوا الخيبة ، إلى ان عربا معاصرين قد كانوا أصحاب قدرة فذة في تاطير العجز والتحايل والكذب في صورة رسمية باذخة.وهناك اطاحوا بالضرورة وبالتحديث وبالتضامن وبالتنمية المشتركة وبالعلاقات البينية وبالعواطف الجماعية والمصالح معا، وبكل ما هو لازم وضروري.
وبقراءة تجارب أطر التعاون في العالم المعاصر والقديم والقادم، لن يعثر مؤرخو الخيبة على إطار يشبه جامعة الدول العربية، يسخر من دعواته وقراراته عمليا من يفترض انهم اعضاء فيه يصنعونها بكل غرائزهم، او يجري توظيفه ضد الذات مثلها.انها تجربة مثيرة في اجماع انظمة وحكام وتوافقهم على ايقاع الاذى بالذات، وانتخاب الفشل كرابح كبير ووحيد.
*
في مسرتها الطويلة المظفرة بالرداءة، ارهقت الجامعة العربية- التي يوجد في صنيعها كل ما هو عكس دلالات الاسم- واتعبت: جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الاسد واحمد بن بله والهواري بومدين وياسر عرفات وعلى ناصر محمد وحتى على عبد الله صالح ومعمر القذافي بما لهم وما عليهم، وكلهم كان عليهم تجاوز الجامعة واذى الاجماع العربي الفعلي، وليس المعلن عنه في البيانات في كافة خياراتهم الصائبة منها والخاطئة.
ولاحقا تولت الجامعة ارهاق بشار الاسد وميشال عون وحسن نصر الله اللذين ينتمون لزمن اخر، لن تتعرف عليه الجامعة العربية وأمانتها العامة والقوى المتحكمة فيها ذات يوم، ولو على سبيل الصدفة او الخطأ، وكلهم تعاملوا معها من باب، درء المفاسد والمخاطر والتواطؤ، حيث لا زال لها قوى وازنة تمثلها في الجامعة وفي الواقع.
يعرف منظمي قمم الجامعة وعمالها المحظوظين بأمتيازات وفيره، ومستضيفوها والراي العام: اليقظ او الغافي او اللامبالي، بان لا أمل سيولد يوما من الجامعة ، وانها قتيلة منذ زمن، كان من الصعب الاعلان عن موتها ، الا انها وبضوء المتغيرات التي يشهدها الاقليم والعالم سوف تكون من قتلى المتغيرات التي سيعلن عنها ،ولن يسأل عن جثتها أحد.
في أخر انشطة اللاجدوى -غير العظيمة- تنظم الجامعة العربية القمة الاقتصادية العربية الرابعة، قمة سيكون الحدث الباقي منها فقط، هو الكلام الذي قاله جبران باسيل كممثل للجيل الجديد من السيادين والاستقلالين العرب، وكواحد من الناطقين باسم العروبة الثقافية الحية والمقتدرتة الصاعدة، بعد ما قاله في خطابه عن فلسطين في عقر مقر جامعة الدول العربية قبل شهور او بضع سنوات.
وبمناسبة الحديث عن سوريا بمناسبة القمة، فإن سوريا التي كانت وظلت وبقيت حيث إختارات أن تكون،لا تعود إلى أحد، لآنها إستأنست منذ زمن موغل في القدم على أن تعود لنفسها راضية مرضية.
أما العرب المستعربة فسيعودون، او لا يعودون: جماعات او فرادى الى سوريا، وليس الى خياراتها وموقفها وموقعها، كي يتجرعوا علقم خياراتهم، وما فعلت ايديهم.العرب اللذين قالوا " اكلت يوم اكل الثور الابيض" وظلوا يخالفون الحكمة بدأب وباصرارتحسدهم عليه حتى الثيران المأكولة نفسها.
*
توعد النص الالهي العظيم الكذابين بعقاب لا حدود له، وجعل من الكذب باب الخروج الحاسم من حيز الايمان.
وتحملت تعاليم السماء كما شرحها الرسول العربي الكريم ، أن ييكون المؤمن قاتلا أو سارقا أو زانيا ضمن ظروف معينة ، لكنها لم تتحمل أن يكون كاذبا، باعتبار الكذب اعلى مراتب سوء الخلق الذي لا توبة له، ووضعت السماء ذاتها موازين الثواب والعقاب الثقيلة هناك، في الحيز الفاصل بين الكذب ومشتقاته من جهة والصدق ومعانيه وجمالاته من جهة اخرى. وفي كل الثقافات فإن الكذب عيب، وفي ثقافة العرب المعيارية دونا عن غيرها، فإن الكذب ليس عيبا فقط بل وحراما أيضا.
وفي عشر فقرات فقط تحدث عالم الاجتماع التونسي العروبي، الطاهر لبيب عن سوسيولوجيا الكذب عند العرب، قال فيها امورا لافتة: إن الكذب في اغلب ثقافات العالم لا مرادف له سوى الكذب. لكن العرب اوجدوا للكذب مرادفات عدة.ويقول الطاهر لبيب إن العرب يجيدون الكذب، لكن على انفسهم وليس على غيرهم.
أن يكون للكذب والتكاذب المشترك عند العرب -الراهنين - عدى من رحم نفسه منهم فرحمه الله والتاريخ، اعراف وثقافة ومواثيق وتوافقات عميقة وتفاهمات مستقرة . وأن يكون للكذب كل هذا الحضور، المرموق والطاغي والغالب، الفردي والجمعي، الاهلي والرسمي، وتحويله لقيمة حاكمة، لها مؤسسات قطرية وعربية معتبره يرفعونها لمرتبة الضرورة . وأن يكون له فقه يبرره ويشرعه وفقهاء وممثلين ومبدعين ومنتجين. فإن هذا يصنفهم خارج الايمان بمعناه السماوي وبمعناه التاريخي السوي والمنطقي والعقلاني، ويضعهم في حيز الاستثناء بالمعنى المزري والمعيب للكلمة،لان الكذب ليس مفردة فحسب، بل مركز لمنظومة من القيم المشتقة منه، التي تضمن الوصول لكل الطرق المؤدية للهلاك، والخروج المهين من الحضور والتحقق المرموق .حيث الكذب ،هو أب، وام ، وجد، وعم ، وخال: للغدر والفشل والخيبة والرداءة والردى والبؤس والاحباط والفقر والخراب وكل ما لا تحمد عقباه. وما كذب قوم الا وهلكوا، أما أردء الاوصاف ، فهي أن يكون المرء كذابا.