الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أكبر أزمة اقتصادية تمر بها السلطة منذ ربع قرن تنعش السوق السوداء

نشر بتاريخ: 03/02/2019 ( آخر تحديث: 03/02/2019 الساعة: 12:27 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

مع إنقطاع الدعم الامريكي عن الفلسطينيين، وتشديد إسرائيل الخناق على العمال وحركة المال والتبادل التجاري بات الاقتصاد الفلسطيني يترنح تحت وطأة الخوف والقلق ولا يوجد حتى الان مقاييس ثابتة تحدد خطورة الاوضاع لأن جهات سياسية تقوم بتقديم الارقام لغايات حزبية. فاسرائيل تنشر أرقاما مزورة تارة تقوم بتضخيمها وتارة تقوم بعكس ذلك، وحماس تنشر أرقامها في غزة بطريقة تليق بحاجتها تارة من خلال التهويل وتارة من خلال العكس تماما، ووزارة المالية الفلسطينية في رام الله تنشر أرقامها بطريقة تخدم حكومتها وسياسة هذه الحكومة.

يتزامن ذلك مع "كرباج" الضرائب الذي ينزل بقسوة على ظهر المواطنين في مناطق جيم والقدس وغزة والضفة على حد سواء.
والحقيقة أن محاصرة قوات الاحتلال لمقر وزارة المالية في رام الله كان أخطر اشارة منذ اقتحام شارون لبنوك رام الله في 2003، ويجب تحميل الاحتلال مسؤولية انهيار الاقتصاد الفلسطيني ولا يوجد أية جهة أخرى تتحمل هذه المسؤولية سوى ادارة ترامب.
بحثت كثيرا في الدراسات الاقتصادية التي تصدر عن مراكز محلية دأبت على ذلك، فلم أجد أية مقترحات للحلول، والجميع يشرح الحالة وخطورتها ولا يطرح أية حلول سياسية او اقتصادية، ومن الطبيعي حين نتحدث عن أزمة اقتصادية أن نتحدث عن أسبابها اولا وعن امكانيات الحلول ثانيا.
الجبهة الشعبية إختصرت الطريق على نفسها وقالت ان السلطة طالما تخلق أزماتها وان لا حل لمعضلة الوضع الاقتصادي للسلطة من خلال المال السياسي ولكنها لم تطرح أي بدائل أفضل، امّا حماس فترى غير ذلك، وقد بحثت لنفسها عن طريق يوصلها مباشرة للمال السياسي القطري ومن دون خزينة السلطة، وكذلك الجهاد الاسلامي وهكذا..
واذا قفزنا عن حقول الألغام هذه، ووصلنا الى اللحظة التي نعيش فيها، وسألنا السؤال الوحيد الذي يجمع عليه الجميع: والان ماذا ؟

اذا إستمر الحال الراهن فان السوق الفلسطيني لن يقبل الفراغ وسيعيد توير نفسه بطريقة رديئة وبدائية، وربما تستمر الاشكال الحالية للتعامل التجاري والمالي لمدة مئة يوم اخرى فقط، ومع حلول شهر رمضان القادم سيبدأ السوق الفلسطيني بخلق ادوات اقوى للسوق السوداء تقضي على النظام الاقتصادي الذي بنته الحكومات خلال ربع قرن، وتستحدث طرائق للتبادل التجاري أكثر بدائية وأقل كلفة وأبعد ما تكون عن النظام المالي المؤسساتي.
وهذا ليس توقعا شخصيا مني، وانما متابعة لما حدث في مناطق جيم في السنوات الاخيرة حيث نشأ قرب الحواجز العسكرية للاحتلال تجارة السوق السوداء التي تبيع السولار والمواد الغذائية والسيارات وعيادات طب الاسنان وجميع البضائع بتبادل مباشر بين تجار من داخل الخط الاخضر وامثالهم من الضفة الغربية والقدس.
الطبيعة لن تقبل الفراغ، ومع تدفق عشرات الاف الخريجين العاطلين عن العمل، ومع طوابير العمال الممنوعين من العمل داخل الخط الاخضر، سيبدأ السوق باعادة تشكيل ذاته بما يشبه الحالة التي عاشتها الارض المحتلة في انتفاضة الحجارة ومقاطعة الضرائب وخلق سوق بدائي فج وخفي يعمل تحت الرادار ولكنه يلبي احتياجات المواطنين اليومية وغريزة البقاء ويدمر مفهوم الاقتصاد الوطني المركزي.
السوق السوداء ستبتعد عن المحاكم وهي تخلق لنفسها قضاة شعبيين ومحاكم عشائرية، والسوق السوداء لن تلتزم بالنظام القائم وستخلق أمنها الخاص بها مثلما حدث عند انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات، وبحجة فقدان الامان سيدخل السلاح غير النظيف على خطوط حماية القوافل ويبدأ كل شئ بالنوايا الطيبة وبحجة حماية المصالح الشعبية وبعدها ستنشأ عصابات من القتلة والمجرمين وصولا الى ما نشاهده في فنزويلا وكولومبيا والمناطق غير المسيطر عليها في سوريا والعراق وليبيا وسيناء وغيرها.
الحكومة القادمة لا يمكن أن تصنع المعجزات وتأتي بحلول سحرية.. لكن الرئاسة تستطيع. قبل فوات الاوان.