الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشباب الفلسطيني في اوروبا.. واقع وتحديات

نشر بتاريخ: 09/02/2019 ( آخر تحديث: 09/02/2019 الساعة: 14:48 )

الكاتب: يوسف احمد
رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني


أدت النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948، واحتلال فلسطين من قبل العدو الاسرائيلي الى تشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين وتهجيرهم من وطنهم ليتوزعوا على مناطق اللجوء والمهجر وليبدأوا رحلة شتات وعذاب جديدة لإثبات الذات وبناء مجتمعات الشتات والتواصل مع الوطن السليب وإبقاء حلم التحرير والعودة حياً يورثه الآباء لأبنائهم.
لم تكن الدول الأوروبية ملاذاً أساسياً لموجات الهجرة القسرية الأولى عام 1948 التي أجبرت الفلسطينيين على مغادرة الوطن كما هو الحال بالنسبة للدول العربية المجاورة لفلسطين وخصوصاً لبنان وسوريا والأردن، باستثناء بريطانيا إذ ترجع بذور الجالية الفلسطينية فيها الى الأربعينيات حيث توجه اليها العديد من الطلاب لاستكمال دراستهم أثناء فترة الإنتداب البريطاني في فلسطين.
تغير هذا الوضع بعد هزيمة عام 1967 وكذلك الضغوطات والإجراءات التشديدية من قبل الدول المضيفة للاجئين أدت جميعها لموجة نزوح جديدة وهجرة نحو المنافي البعيدة والتي كان للدول الأوروبية منها نصيب.
شكّل الطلبة الجزء الأساسي من موجات الهجرة الجديدة خاصة إلى الدول الاشتراكية السابقة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، جزء كبير من هؤلاء الطلبة قرروا البقاء في تلك البلدان بعد نهاية دراستهم، مما يفسر إرتفاع نسبة المتعلمين من الفلسطينيين في بعض هذه المجتمعات. بعد ذلك وصل الآلاف خاصة من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد إجتياح عام 1982 إلى الدنمارك وهولندا والنرويج والسويد وألمانيا، النمسا .كذلك الأمر بعد حرب المخيمات في لبنان بنهاية الثمانينيات.
الموجة التالية للهجرة كانت بعد اندلاع الإنتفاضة الأولى عام 1987، بشكل خاص من أبناء الضفة والقطاع خصوصاً بإتجاه المانيا ومعظم هؤلاء من فئة الشباب. تلاها الهجرة الجماعية التي جاءت عقب حرب الخليج الثانية حيث التحق العديد من سكان الخليج من الفلسطينيين الميسورين نسبياً بأبنائهم المتواجدين في الشتات خاصة في بريطانيا وفرنسا، إضافة لأميركا الشمالية.
أما الموجة الأخيرة فكانت بعد إندلاع الأحداث الداخلية في سوريا والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، حيث شهدت الفترة بين أعوام 2013 -2018 موجات هجرة كبيرة خاصة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين ضاقت بهم السبل بسبب الأوضاع الانسانية الصعبة التي عانوا منها سواء في سوريا أو في بلدان ومناطق النزوح الأخرى مثل لبنان وتركيا والاردن وغيرهم .الأمر الذي دفع الآلاف من العائلات الفلسطينية والشباب والكفاءات العلمية الى البحث عن ملاذ آمن وأكثر استقرارا لهم ولعائلاتهم، فتوجهوا عبر قوارب البحر وتعرضوا للكثير من المخاطر من أجل الوصول الى الدول الأوروبية وبشكل خاص المانيا والسويد وبعض الدول الإسكندنافية الأخرى.
وكذلك الحال بالنسبة للشباب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث إزدادت أعداد المهاجرين من قطاع غزة إلى الدول الاوروبية، خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع في العام 2014 والذي إستمر لـ51 يوماً، مما دفع بالعديد من الشباب للهجرة بطرق غير شرعية بحثاً عن حياة أفضل وهرباً من الحصار والفقر والبطالة، يضاف اليهم هجرة اعداد كبيرة من الشباب الفلسطيني في لبنان الذين تفاقمت معاناتهم بسبب الحرمان من الحقوق الانسانية والاجتماعية من قبل الدولة اللبنانية وارتفاع نسبة البطالة بين صفوفهم لأكثر من 56% وفق احصاءات الاونروا.
وتقدر العديد من الدراسات والإحصاءات أعداد الجاليات الفلسطينية في بلاد المجموعة الأوروبية بأكثر من ثلاثمائة الف يضاف اليهم عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني المنتشرين والموزعين على عشرات الدول في أميريكا وآسيا وافريقيا الى جانب العديد من الدول العربية.
صعوبات وتحديات:
لا يمكن النظر الى واقع الشباب الفلسطيني في اوروبا والجاليات الأجنبية بمنظار واحد، حيث يختلف واقع الشباب الفلسطيني من بلد لآخر، فنجد أن ظروف الشباب الفلسطيني الذي ولد في تلك البلدان، تختلف إختلافاً كبيراً عن واقع الشباب الفلسطيني المهاجر اليها بسبب العمل او الدراسة، او طلباً للجوء السياسي أو الانساني.
فالشباب الفلسطيني الذي هاجرت عائلته منذ سنوات طويلة وولد وترعرع ونشأ في المجتمعات الأوروبية يعيش حالة من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، واستطاع الى حد كبير الاندماج في المجتمعات الأوروبية والتعاطي مع واقعه الجديد بشكل يحمل نوعاً من الإستقرار والقدرة على التخطيط ورسم المستقبل، بسبب ما اكتسبه من حقوق وأوضاع قانونية مستقرة، وإتقانه بشكل جيد للغة البلد المقيم فيه، وتمكنه من التحصيل العلمي والأكاديمي، واحتكاكه المبكر مع المجتمع المحيط وادراكه لطبيعة تلك المجتمعات وعاداتها وتقاليدها وأساليب الحياة فيها والقدرة على التكيف معها، ولذلك يمكن القول ان فئة كبيرة من هؤلاء الشباب قد إستطاعت تحقيق نجاحات هامة على الصعيد الشخصي وايضاً ساهمت بشكل كبير في مساندة عائلاتها، كما ان العديد من هؤلاء استطاع الوصول الى مراكز هامة في العديد من المؤسسات الأوروبية التربوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي العديد من المؤسسات الحكومية، وبات الكثير منهم يمتلك القدرة على التواصل والتأثير في المجتمعات الأوروبية.
أما الفئة الأخرى من الشباب الفلسطيني المغترب في الدول الأوروبية وبالتحديد، الذين توجهوا اليها وهم في سن الشباب هرباً من الحروب وبحثاً عن فرص عمل، فيمكن القول أنهم يواجهون تحديات كبرى منذ لحظة وصولهم الى تلك البلدان، ورغم أن العديد منهم بات يعيش أوضاعاً شبه مستقرة، بسبب تسوية أوضاعه القانونية، ومنحهم حق الاقامة، حيث تتكفل غالبية الدول الأوروبية تكفلاً تاماً بالفرد وبالأسرة إجتماعياً وإقتصادياً، خاصة إذا كانوا أفرادها عاطلين عن العمل، وبمجرد حصول المهاجر على الإقامة فإنه يتمتع تلقائياً بكافة الحقوق والواجبات التي يتمتع بها مواطن الدولة، بإستثناء الحقوق السياسية المرتبطة بالحصول على الجنسية، والتي تختلف شروط الحصول عليها من بلد الى آخر. لكنهم وبالرغم من كل ذلك يواجهون تحديات عديدة سواء تلك المرتبطة بعدم اتقانهم للغة البلد الجديد، وبالتالي فإنهم لا يحظون بفرص عمل جيدة، ونجد الغالبية العظمى منهم تعمل في القطاع الاستهلاكي، هذا عدا عن المشكلات والصعوبات التي يواجهونها بسبب التغيير المفاجىء والكبير في ظروفهم الشخصية والواقع المحيط بهم، وفي القدرة على الاندماج والتكيف مع الواقع الجديد، والتي تخلق في الكثير من الأحيان إضطراباً وتناقضاً ليس بالأمر السهل تجاوزه بالسرعة الممكنة نظراً لما يحمله هؤلاء الشباب من عادات وتقاليد وأنماط حياة تختلف بشكل كبير عن واقع الحياة الجديدة هناك.
وبالتالي نستطيع القول، انه وعلى الرغم من قصص النجاحات الفردية التي حققها بصورة رئيسية رجال اعمال ومهنيون ومتعلمون أسسوا أنفسهم منذ فترة طويلة، فإن غالبية أفراد مجتمعات الشتات الفلسطيني حديثة النشأة من اللاجئين يواجهون صعوبات هائلة في التكيف والإندماج في المجتمعات الجديدة. وهناك أرقام تنذر بالخطر تتعلق بواقعهم التعليمي وآفاق فرص عملهم، خاصة في البلدان الاسكندنافية، والمانيا، نتيجة لتأثير التغيرات الاجتماعية والنفسية والثقافية التي عليهم التكيف معها، على نفسيتهم (سيكولوجيتهم) الجماعية، وكذلك نتيجة لصورتهم في نظر المجتمعات المضيفة، بوصفهم مهاجرين غرباء، وتبدو واضحة خيبات الامل والارتباك والتشوش لدى العديد من الشباب الفلسطيني بسبب التغيرات العصيبة هائلة الأثر التي عليهم إختبارها. ويمتد هذا التشوش ليطال أيضاً إدراكهم لدورهم وفهمهم له في المجتمعات الجديدة التي يحاولون الدخول الى نسيجها الاجتماعي الداخلي، وكذلك إدراكهم لدورهم فيما يتعلق بوطنهم وبلدهم الاصلي وقضاياهم الوطنية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
أما الفئة التي تعيش أوضاعاً غير قانونية في تلك الدول فإنها تعيش هاجس الملاحقة اليومية من السلطات المحلية، وهذا ما يجعل وضعها غير مستقر بشكل عام، خاصة وأن العديد من الدول الاوروبية أصدرت العديد من القوانين التي تقيد طلبات اللجوء. أما من يحالفه الحظ ويتمكن من إيجاد فرصة عمل في السوق السوداء يبقى أسير الإستغلال من قبل أصحاب العمل. هذا بالإضافة الى أن الكثير منهم يعاني من حالة إغتراب نفسي وإجتماعي، وكثير منهم لم ينجح في الإندماج، ولم يتمكن من إعادة صياغة وضعه والتأقلم مع واقعه الجديد.
من نافل القول، أن الشباب الفلسطيني في اوروبا، الذي يعيش أوضاعاً مستقرة أو غير مستقرة، تبقى تدور في أذهانه العديد من التساؤلات، ويعيش الكثير من التحديات، فهو إن إستقر إقتصادياً واجتماعياً، وإن تمكن من التأقلم مع مجتمعه الجديد، لكنه يبقى يعيش حالة ترتسم حولها الكثير من القضايا المبهمة، ويعيش حالة من الصراع بين واقعه الجديد، وبين ما يحمله هو وأسرته من مفاهيم وأفكار وعادات مرتبطة بمجتمعه الأصلي، وكيفية الحفاظ على هويته الوطنية.
وبالتالي يمكن القول بهذا السياق أن مجتمعات الفلسطينيين في أوروبا تتصف بتنوع ملحوظ من حيث خلفيتها الاجتماعية والثقافية وتجربتها في بلد اللجوء الأول ووضعها القانوني ومستويات إندماجها في مجتمعاتها المضيفة الجديدة، وهو ما ينعكس على هوية هذه المجموعات وخصائص الأجيال المتوالية فيها.
المؤسسات الوطنية مسؤوليات كبرى:
وعلى هذا الأساس وانطلاقاً من التحديات الكبرى التي يعيشها الشباب الفلسطيني في دول الاغتراب، فإن المؤسسات الوطنية والاتحادات الجالوية عليها اليوم مسؤولية كبرى في رعاية هؤلاء الشباب وتمكنينهم من تثبيت اوضاعهم وتحقيق ذاتهم ومساعدتهم على الاندماج الايجابي في مجتمعاتهم، بعيداً عن التقوقع والانغلاق الذي يؤثر سلبا على دورهم وعلى امكانية تقدمهم في الحياة الشخصية اولا وفي امكانية قيامهم بدور نشط وفعال يخدم قضيتنا الوطنية الفلسطينية.
وهذا يتطلب تشجيع الشباب على الانخراط اولا في المؤسسات والاتحادات الوطنية والجالوية المطلوب تفعيلها وتطويرها هيكليا وبرنامجيا والاهتمام في موضوع اكتساب اللغة الاجنبية باعتبارها مدخلاً اساسياً ومفتاحاً لحل الكثير من المشكلات ولا سيما في مقدمتها الاندماج الايجابي في تلك المجتمعات.
وبالحديث عن الاندماج الايجابي في هذا المجتمعات فإنما نقصد تمكين هؤلاء الشباب من الانخراط في سوق العمل وبناء حياتهم المستقبلية والعائلية، الى جانب اهمية الاندماج في بلورة هذا الوجود الفلسطيني بشكل مؤثر في المجتمع الاوروبي سواء في المؤسسات او الاتحادات او الاحزاب، وهناك تجارب هامة وعديدة على هذا الصعيد ينبغي تطويرها وتشجيعها بشكل اوسع واشمل.
إن الوجود الفلسطيني في اوروبا بات اليوم بفعل موجات الهجرة الاخيرة واتساع حجم الجاليات الفلسطينية في اوروبا يشكل عنصرا هاما من عناصر القوة الوطنية الفلسطينية ولم تعد هذه الجاليات تشكل نقطة اسناد للقضية الفلسطينية فحسب بل باتت ساحة نضال رئيسية كما هي ساحات النضال في الوطن وبلدان الشتات، بل انها تكتسب اهميها كبرى كونها على تماس مع المجتمعات والحكومات المؤثرة في السياسة الدولية.

لتشكيل لوبي شبابي فلسطيني
ويتحمل الشباب الفلسطيني في البلدان الاجنبية مسؤولية رئيسية في توعية الرأي العام والشباب الأوروبي ونقل صورة المعاناة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني جراء ممارسات الاحتلال الاسرائيلي المتواصلة بحق شعبنا وسياسته العنصرية. والارتقاء بالصيغ التضامنية الملموسة في المجتمعات الأوروبية مع قضية فلسطين، واجتذاب قطاعات أوسع من المتضامنين من الشباب والمجتمع الاوروبي، بما يزيد من جدواها، ويساهم في رفع منسوب الوعي العام في الرأي العام الأوروبي بشأن حقائق القضية الفلسطينية .
هذا الى جانب العمل لتوحيد جهود الشباب والطلبة الفلسطينيين في البلدان الاوروبية لتطوير فعلهم وانخراطهم في حملات المقاطعة الاقتصادية والاكاديمية.. للاحتلال الاسرائيلي، التي تعمل في البلدان الاوروبية،، وتحويل المقاطعة الى ثقافة وفعل نضالي وتضامني وسط الشباب الفلسطيني والاوروبي وتوسيع دائرة عملها لتشمل معظم المجالات.
كثيرة هي المهمات الملقاة على عاتق شبابنا في المجتمعات الاوروبية، والامل ايضا بهم كبير بتوحيد جهودهم ليشكلوا لوبي شبابي حقيقي وفاعل داعم للقضية الفلسطينية وهذا لن يتم الا باندماجهم الايجابي في المجتمعات الاوروبية وبانخراطهم الفاعل في المؤسسات الوطنية والاتحادات الفلسطينية التي تتحمل اليوم منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية اعادة بنائها وتفعيلها على اسس ديمقراطية، وكل ذلك يؤدي حتماً الى تعزيز استقرارهم في هذا المجتمعات ويمكنهم من بناء مستقبلهم ومن القيام بواجبهم تجاه شعبهم وقضيتهم الوطنية الفلسطينية.