الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

"الإصرار"

نشر بتاريخ: 13/02/2019 ( آخر تحديث: 13/02/2019 الساعة: 12:37 )

الكاتب: اللواء بلال النتشة

الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس.
ما الذي يجعل طفلاً يرقد على سرير الشفاء يصر على الدراسة وتحصيل علامات مشرقة وهو يئن تحت وطأة المرض ومع ذلك يبتسم؟
هذا السؤال طرحته على نفسي عندما قمت بعيادة مرضى السرطان والكلى من الأطفال واليافعين في مستشفى المطلع في مدينة القدس المحتلة الأسبوع الماضي، برفقة وفد من المؤتمر الوطني الشعبي للقدس والدكتور وليد نمور المدير التنفيذي العام للمستشفى وسمير جبريل مدير التربية والتعليم في محافظة القدس، ورغم أن أعيننا كانت قد إغرورقت بالدموع من هول المشهد إلا أن عيون هؤلاء " الأبناء " كانت تشع أملاً بالمستقبل فيما قلوبهم تنبض حباً بالحياة وهم في هذا المشفى العريق وفي كنف الأقصى وأسوار القدس العتيقة.
هؤلاء الأطفال يتلقون تعليمهم في مدرسة " الإصرار " التي أقامتها وزارة التربية والتعليم العالي بتوجيهات وبقرار وإشراف من الوزير الدكتور صبري صيدم في مستشفى المطلع، وذلك في إشارة واضحة على تحدي قهر المرض وهزيمته بالإصرار على مواصلة مسيرة الحياة بكل تفاصيلها، فهي لاتتوقف على المأكل والمشرب والرعاية الطبية فقط، وإنما هناك مساحة واسعة لكسب المعرفة العلمية حتى وهم على أسرة الشفاء.
من هنا تتجلى الإرادة الفلسطينية الفولاذية التي تهزم المرض وتقهر المحتل الذي يعتقد واهماً أنه بحصاره وبجبروته يستطيع أن يكسر الشعب الفلسطيني، هؤلاء الأطفال الذين شحذوا أرواحنا بالأمل يوصلون للعالم أجمع رسالة واضحة مفادها " نحن نحب الحياة ما إستطعنا إليها سبيلاً ".
على ذلك فإن وجود مثل هؤلاء النماذج الحية على قوة الفلسطيني في مواجهة كافة المحن تحتم علينا أن نبذل كل طاقاتنا ونسخر كل إمكانياتنا من أجل خدمة هذا الجيل المتحصن بالعلم والمعرفة السلاح الأمضى في مواجهة الإحتلال الذي لايرحم ولا يسلم منه الشجر أو الحجر أو البشر، ولايحترم إتفاقيات ولايسعى لإقامة سلام تعيش في كنفه الأجيال المحبة للحياة، بل يسعى بكل قوة إلى إزالتنا حتى عن الخارطة الإنسانية.
من هذا المنطلق فإننا في المؤتمر الوطني الشعبي للقدس نعمل على دعم قطاعات التعليم والصحة والإقتصاد في المدينة المقدسة، من خلال عقد الإتفاقيات مع عدد من الدول الإقليمية والمؤسسات الخارجية والمحلية وذلك في إطار جهد القيادة الفلسطينية الشرعية لجلب الدعم المالي والسياسي للقدس لتعزيز صمود أهلها ومواجهة سياسة التهويد المتواصلة بحق البشر والحجر وخاصة المؤسسات التعليمية الفلسطينية التي تدرس المنهاج الوطني حيث يعمل الإحتلال على أسرلته من خلال تزوير الحقائق التاريخية، لكن ذلك لن يمر.
إننا ومن خلال القيادة الشرعية الفلسطينية نضع أيدينا في أيدي كل الشرفاء والمخلصين من أبناء شعبنا نابذين كل الأجندات والجهات المأجورة والمشبوهة، مسخرين كل طاقاتنا من أجل بناء أوسع جبهة وطنية موحدة لمواجهة سيل السياسات الإسرائيلية المتلاحقة لتدمير الإنسان الفلسطيني في القدس وسلب إرادته ومعنوياته وتجريده من وطنيته وجعله لاهثاً وراء سراب المغريات المادية من أجل التساوق مع سياسات التهويد والحصار الذي تتعرض المدينة له، وفي هذا المقام فإنني أهيب أيضاً بكل الجهات الغيورة على لاقدس وأبنائها وبجميع أصحاب رأس المال الشريف إلى الإلتفاف جيداً لإحتياجات المدينة وأهلها وإجراء دراسات علمية وعملية عبر القنوات الرسمية الفلسطينية، تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع كي يتسنى لنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العاصمة الأبدية لدولتنا العتيدة.
بإختصار فإن القدس ليست بحاجة إلى شعارات أو تغريدات على مواقع التواصل الإجتماعي تتغنى بالأمجاد والماضي الجميل بل نحتاج إلى فعل وعمل ملموسين على أرض الواقع يشعر بهما المواطن الذي يواجه دولة إحتلال عاتية تجند كل إمكانياتها لتحويل الصراع على القدس من سياسي إلى ديني، مستخدمة كل الوسائل القذرة لتحقيق هدفها البذيء.
إن الأبواب مشرعة للعمل الجماعي والفردي من أجل القدس، فإن ضاعت هذه المدينة العظيمة فقد ضاع كل الوطن الذي هو وصايا الشهداء والجرحى والأسرى، فعلى مدى التاريخ والطغيان يحاصرها ولكنها إنتصرت عليه وهزمت أعدائها وكسرت غرورهم على أبوابها وبقيت شامخة متمسكة برسالة المحبة والسلام فلها منا السلام ولها نشيد الخلود يغنيه البقاء فتبقى.