الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأخوة الإنسانية في مواجهة الشعبوية الترمبية

نشر بتاريخ: 16/02/2019 ( آخر تحديث: 16/02/2019 الساعة: 10:54 )

الكاتب: سامر سلامه

القمة المسيحية الإسلامية التي إنعقدت في أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة على هامش ملتقى الحوار العالمي بين الأديان حول الأخوّة الإنسانية، توجت بتوقيع الوثيقة التاريخية التي أخذت إسم "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" والتي وقعها زعيمي أكبر طائفتين دينيتين في العالم، البابا فرنسيس بابا الفاتيكان راعي الكنيسة الكاثوليكية والإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ممثل الطائفة السنية الإسلامية. 
الحدث لم يكن عاديا والملتقى الذي جمع أكثر من 800 شخصية دينية تمثل كافة الأديان والطوائف في العالم لم يكن عاديا أيضا والكلمات التي ألقيت في الملتقى لم تكن خطابات جوفاء، وقداس البابا في أبو ظبي الذي حضره أكثر من 170 ألف مؤمن بحضور رسمي إماراتي لم يكن حدثا عابرا. كما أن مكان إنعقاد الملتقى وزمان إنعقاده لم يكن محض الصدفة بل حضر له جيدا إذ جاء في مرحلة تاريخية أقل ما يمكن وصفها بأنها مرحلة مخاض عسيرة قبل ولادة عالم جديد لا نعرف ما هي طبيعته ولا صفاته. 
وإنني أعتقد أن مشاركة بابا الفاتيكان إلى جانب الإمام الأكبر لمشيخة الأزهر الشريف لها معان عميقة وخاصة في ظل بروز ظاهرة الشعبوية التي يقودها الرئيس الأمريكي ترمب والتي سبقها ظاهرة الإرهاب الذي إتخذ من الإسلام شعارا له وبدأ يضرب في طول الأرض وعرضها ولم يسلم منها أحد بمن فيهم المسلمون أنفسهم. هذه المقدمات قادت إلى بروز الأحزاب اليمينيه القومية والدينية المتطرفة في بعض الدول الغربية حيث نجح هذا اليمين من الفوز في بعض الدول مثل الولايات المتحدة وبولندا وهولندا وتشيكيا وأخيرا في البرازيل. لتتوج أخيرا بالظاهرة الشعبوية التي قادها ويقودها الرئيس الأمريكي ترمب وبدأت تعصف بالعديد من الدول بمن فيها الدول العربية والإسلامية الأمر الذي سيقودنا حتما إلى مواهة شرسة بين الأديان والحضارات. هذا الصراع الذي يريده اليمين المتطرف والشعبويون حول العالم.
إن بروز الشعبوية بهذا الحجم وبهذه السرعة كان الإنذار الأخير الذي دفع البابا وشيخ الأزهر إلى تدارك الأمر إنطلاقا من عمق ايمانهما بأن الأديان والشعوب والحضارات يمكن أن تلتقي وأن تعمل وتتعايش معا. فقد كان لقاءهما وتوقيعهما على وثيقة الأخوة الإنسانية صوتا صارخا في برية الحقد والكراهية التي يريدها اليمينيون والشعبويون المتطرفون الذين لا يريدون للعالم سوى أن يبقى في مواجهة مستمرة لأن المستفيد الأكبر من هذه المواجهة العالمية هو رأس المال والجماعات المتحكمة في مصادر الثروة والحكم حول العالم.
فالرسالة التي وجهها البابا كانت واضحة إذ إعتبر أن "استعمال اسم الله لتبرير الكراهية تدنيساً خطيراً" كما أن رسالة الإمام الأكبر لمسيحي الشرق الأوسط كانت بمثابة الكلمة الفصل في موضوع إحترام الإسلام للآخر المختلف حيث قال "إن المسيحيين جزء من دول الشرق الأوسط وليسوا أقليات"، ودعا المسلمين في الغرب إلى الاندماج في دولهم المضيفة. 
ودعا الشيخ أحمد الطيب المسلمين في الشرق الأوسط إلى احتضان المسيحيين في كل مكان. هذه الرسالة كافية لقطع الطريق أمام الأصوات النشاز التي تخرج من الغرب وتدعي بأن المسيحيين مضطهدين في الشرق وأنهم سيعملون على حمايتهم في محاولة مستمرة لإستمرار التدخل الأجنبي في شؤون دول الشرق الأوسط من البوابة الدينية وبحجة حماية المسيحيين.
فوثيقة الأخوة الإنسانية جاءت من رجلين يقودان نصف البشرية ويؤمنان بأن الأديان والحضارات يمكن أن تلتقي وتتفاعل أيجابيا لما فيه مصلحة الإنسانية كما وأعتقد أن الوثيقة جاءت لترد على الشعبويين والمتطرفين ومحاصرتهم ومنعهم من التطرف وتشويه الأديان ورسالتها الإنسانية لتقطع الطريق عليهم ومنعهم من النجاح والفوز في مناطق جديدة في العالم نحو حماية العالم من مواجهة يمكن أن تنهي الوجود البشري برمته إن حدثت. وهنا أقتبس ما جاء في مقدمة الوثيقة التي تلخص هواجس وتطلعات البابا والإمام الأكبر لبناء عالم منفتح على الآخر المختلف تسوده المودة والمحبه والتعاون لرفعة شأن الإنسانية جمعاء:
"وانطلاقًا من هذا المعنى المُتسامِي، وفي عِدَّةِ لقاءاتٍ سادَها جَوٌّ مُفعَمٌ بالأُخوَّةِ والصَّداقةِ تَشارَكنا الحديثَ عن أفراحِ العالم المُعاصِر وأحزانِه وأزماتِه سواءٌ على مُستَوى التقدُّم العِلميِّ والتقنيِّ، والإنجازاتِ العلاجيَّة، والعصرِ الرَّقميِّ، ووسائلِ الإعلامِ الحديثةِ، أو على مستوى الفقرِ والحُروبِ، والآلامِ التي يُعاني منها العديدُ من إخوتِنا وأخَواتِنا في مَناطقَ مُختلِفةٍ من العالمِ، نتيجةَ سِباقِ التَّسلُّح، والظُّلمِ الاجتماعيِّ، والفسادِ، وعدَمِ المُساواةِ، والتدهورِ الأخلاقيِّ، والإرهابِ، والعُنصُريَّةِ والتَّطرُّفِ، وغيرِها من الأسبابِ الأُخرى".
ومن خِلالِ هذه المُحادَثاتِ الأخَويَّةِ الصادِقةِ التي دارت بينَنا، وفي لقاءٍ يَملَؤُهُ الأمَلُ في غَدٍ مُشرِق لكُلِّ بني الإنسانِ، وُلِدت فكرةُ وثيقة الأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ ، وجرى العَمَلُ عليها بإخلاصٍ وجديَّةٍ؛ لتكونَ إعلانًا مُشتَركًا عن نَوايا صالحةٍ وصادقةٍ من أجل دعوةِ كُلِّ مَن يَحمِلُونَ في قُلوبِهم إيمانًا باللهِ وإيمانًا بالأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ أن يَتَوحَّدُوا ويَعمَلُوا معًا من أجلِ أن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ دليلًا للأجيالِ القادِمةِ، يَأخُذُهم إلى ثقافةِ الاحترامِ المُتبادَلِ، في جَوٍّ من إدراكِ النِّعمةِ الإلهيَّةِ الكُبرَى التي جَعلَتْ من الخلقِ جميعًا إخوةً".