الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تأملات في ظل عبثية المشهد الراهن....

نشر بتاريخ: 17/02/2019 ( آخر تحديث: 17/02/2019 الساعة: 11:19 )

الكاتب: يونس العموري

ما بين موسكو ووارسو تبدو الأزمة اكثر وضوحا، ويبدو المشهد سوداويا وصارت العبثية سيدة الموقف، والخنوع عنوانا بارزا للمرحلة بكل تجلياتها، والواقع قد اضحى هلاميا واختلطت المفاهيم والمحرم محلالا بعرف قادة العرب العاربة المستعربة، وموسكو تستجدي التصالح لمن لا يتفقون على لغة البيان وتفسير ابجديات كنعان الاول ...
وفي ظل رذيلة اللحظة، والإهانة والإستهانة، اما آن الأوان لهذا الكفر من نبي يوقف غيه...؟؟ وأما آن الأوان لهذا العهر من مخرج ...؟؟ وأما آن الأوان لهذا الإنهيار والسقوط من قاع يتوقف عنده كل هذا الخنوع .... ؟؟
واصبحنا نملك حق العقاب وقطع قوت العيش والراتب اضحى ممنوع من الصرف، والضرب والقمع والسحل بالشوارع طبيعيا والقتلى يسقطون هناك بعاصمة الفقراء التي تسمى اليوم مجازا (غزة) وهي مرتع لممارسة كل اشكال القهر وتجربة النظريات الحديثة في فنون السادية البشرية، والمباشرة بتطبيق حكم امراء الإمارة الجديدة في ظل استواء مقارعة الحجة بالحجة والكلمة بالكلمة، وبالتالي لابد من سقوط القتلى من على هوامش سجال الكفر والعهر وعبثية الكلام والصراخ ...
ونحن قابعون هنا نرقب المشهد من جديد ولعلنا نشترك مع عواصم العرب والعجم بالأسف عما يجري، صرنا غرباء عنهم وعن ذواتنا، وكأننا في بلد اخر غير تلك التي تسمى مجازا اليوم فلسطين، وصرنا نحتسي قهوتنا وننعم برغد عيشنا ولو نسبيا ونرقب مشاهد القتل والذبح من الوريد للوريد واستجداء المأكل المشرب، والاستجداء هنا له علاقة جدلية بفعل التهجين والتدجين، وقد نتأثر ونخرج عن الصمت المقدس بصرخة بوسط البلد ويكون لنا القمع والضرب والسحل، ولا غرابة بذلك فتلك اوامر العسس، فسادة العسس قالوا ان ثمة مؤامرة تستهدف الوجود الوطني وشرعية الطلقة الاولى.
ونحن بهذه الأرض التي تسمى الضفة الغربية ننعم بالحكم الرشيد والعيش الكريم في ظل ادارة سادة الليبرالية الواقعية السياسية الجديدة التي تميل حيثما يجب ان تميل وفقا لتعليمات عواصم النفط ولربما ايضا عواصم صناعة البورصات والصعود والهبوط في عوالم البزنس، المهرولين نحو وارسو والباحثين عن حلول للعدو الفارسي، وهو الذبح العشوائي والمخططات العبثية، وممارسة لهو الكلام، وسادة العصر ينطقون بأسماء القتلى بكل مكان.. ويصرخون ويملئون الدنيا ضجيجا... ويتوعدون ويهددون ولربما يمارسون فن صناعة الخطابات واصول البلاغة بالكلام، واشلاء القتلى متناثرة بكل الأمكنة ... وصارت لعنة بكل الطرقات وتناشدهم بأن اخرسوا وكفوا عن مهاتراتكم، وصهيل خيولهم صارت مزعجة، ففي ظل الأحمر القاني لابد ان يمسك الكل عن الكلام ...
ولأن المشهد قد صار قاسياً بقسوة سماء الوطن المسلوب والمنكوب بمن يتحدث باسمه يسارا ويمينا، ولأن يومنا هنا قد صار مشوهاً، ولا مجال لفعل الركوع لرب عزة السموات والأرض حيث صار فعلا ارهابيا، ومطاردة ذواتنا بحواري الضفة هنا وغزة هناك يشغل بال كل الكاميرات التي تحاول أن تختبئ ما بين الأجساد المتراكضة هرباً او ربما خوفا من ان لا تصل الصورة الينا ....
مرة اخرى ايها السادة نجدنا عجزة ونجد انفسنا تقف عند اعتاب خيانة الموقف ... ربما نذرف الدموع او تقشعر ابداننا على بشاعة المشهد .. ولربما نلوم من التقط صور تكور وتقطع اجسادهم، واستجداء المأكل والمشرب والصراخ بحوارينا ... مرة اخرى نحاول ان نتعايش وهذا اللامعقول وهذا الجنون ... ولربما ايضا نتضرع الى الرب بقبولهم واحتسابهم شهداء ولعلنا هنا نمارس شيء من فعل النضال عندنا... وان كنا سنبالغ اكثر لربما نصرخ او نتكور على اجسامنا ونعاقب ذواتنا بتلك الليلة ونتمتع عن ممارسة اللهو ونساءنا ...
ولأننا صرنا الممزقين ما بين إمارة غزة وحكامها، وحاكمية رام الله وزعماءها، صرنا التائهون بكل شيء، وصرنا نشك بفلسطيننا، ونشك بأحلامنا، ونشك بأجسادنا، وهل من الممكن أن نمتلك زمام مبادرة أحلامنا من جديد...؟؟ بعد أن صرنا مبرمجين لردود أفعالهم وفق أهواءهم ووفق رغبات سادتهم وسادة وقادة أحلاف محاورهم... وفعل القتل المتواصل .. نجدنا عجزة ... ونمارس فن اللعب على الكلمات حتى نسجل انتصارا على الخصم ... كل شيء صار مباح وفعل القتل مباح .. وتمزيق الأجساد ايضا مباح ... واغتيال الصورة مباح ... لكن السؤال الأكبر .. من الذي اباح كل هذا ..؟؟ هل هو من يتربص بأحلامنا ويقذف نيرانه علينا ...؟؟ ام انه ذاك المتربص بحوارينا ويمارس فن تطويع اذهاننا ....؟؟
كان المشهد اكثر من القدرة على الإحتمال ... وكان التناقض صارخ هذه المرة ... ما بين عاصمة الصقيع التي عجزنا غلى استصدار البيان الذي يُقال انه ختامي لجولات حوار المصالحة وما بين وارسو التي نجحت وبحضور الناطقين بالضاد والناطق بالعبرية كان ملك الملوك المتبختر زهوا بالاتفاق والتوافق على مواجهة ذوو العمامات اعداء عروبة النفط وتيه الصحاري او هكذا هم يريدون، وقد اضحى يهوذا صديقا مقبولا، وصارت تل ابيب عاصمة الدولة الجارة الصديقة في منطقة الشرق الاوسط ، وما بين الفشل والنجاح حكاية تتجلى معانيها بحقيقة الواقع المُنهار والسقوط بالأودية السحيقة ...
ونمارس فن العهر من جديد.... وحيث أن هؤلاء جميعاً قد صاروا الأمراء والزعماء هنا وهناك فمن الطبيعي إذن أن يتحول السجال والكلام إلى احتراف أصول فعل السياسة ودهاليز تسجيل النقاط بلغة المواقف على الآخر التي أصبحت هي اللغة السائدة التي يتحدث بها الجميع وصار الدم طبيعي ان يراق في ظل هذه السجالات وخلق الخصومات والعدوات الوهمية، وصارت مفردات اللغة الجديدة بعيدة عم وقائع الواقع ، وغابت لغة الثورة المقاومة والممانعة التي انسحبت من مشهد وقائع الفعل الفلسطيني الراهن وبالتالي لابد أن يأخذ الجرح الفلسطيني المعتق دوره في المعركة.. ولابد أن يعود ليقص حكايته من جديد كشاهد عيان على التضحية، وكضحية في ذات الآن ..وقد أنيط به دور الطعم الذي يتم به اصطياد الغنائم ..فهذا زمن تباع فيه بلاد وتشترى أخرى زمن تعرض فيه فلسطين بالمزاد الدبلوماسي ، أو يصطحبها أصحاب المغانم معهم في الحفلات التنكرية كبرستيج تراثي.
هو المشهد الفلسطيني بخربشات تناقضات سادتنا وألاعيب ممارساتهم إرضاءاً لمولانا... ولسيد بلاد العم سام... ولحراس عصر العولمة... بهذا المساء كانت العبثية سيدة الموقف...
وهو فعل الإنتظار من جديد .... هكذا صارت فلسطين تنشد رحمتها من سادة المدن الأخرى.. ويهرب ونهرب معهم نحن أبناء هذا الوطن بعد أن صرنا الغرباء عن المكان وصارت ذاكرتنا لا تحتمل المشهد الذي يأتينا... أي أننا نهرب من الرمضاء إلى النار... ولنا أن نختار ما بين الهرب في وضح النهار أو متسللين تحت جنح الليل خلف جدران العتمة....
وصار الناطقون المتمنطقون بالحجج ووثائق أوهام الحقيقة أبطال اللغة وسادة الموقف .. والناطق الرسمي باسم الجرح باهتاً مطارداً مطروداً خارج ذاكرة الزمان والمكان، والسادة قد انسحبوا بإرادتهم تمهيداً لما سيكون من مشاهد المخيمات المترامية على مساحات الذاكرة المدججة بالمذابح .. ثم هاهم المثقفين الذين يبصمون بالحبر على قدسية الدم فيعتقون نبله...
فلسطين هي فلسطين البريئة من غرماء الدم الواحد.. فلسطين ليست المنشطرة كأنها ذرة يورانيوم مخصبة ... قد صارت منشطرة... ولأن فلسطين اليوم ليست تلك الفلسطين التي نعرفها.. فلابد إذن من أن نرحل من فلسطينهم حتى نستعيد فلسطيننا....