الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقال خاص بمعا- نحو رؤية لفلسطين..

نشر بتاريخ: 16/03/2019 ( آخر تحديث: 16/03/2019 الساعة: 12:31 )

الكاتب: وليد سالم

أما وقد فشل حوار موسكو، وإتخذ القرار بتشكيل حكومة فصائلية برئاسة الدكتور محمد إشتية، فإنه يجدر التساؤل مجددا عن القواعد المشتركة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وداخل اسرائيل وفي خارج فلسطين رغم الخصوصيات؟. وبلغة أخرى يجدر التساؤل عن الرؤية لفلسطين التي تجمعنا معا جميعا رغم اختلافاتنا وخصوصياتنا. الرؤية ذات الطابعين المبدئي الأخلاقي، والعملي في آن معا. إن اعلاء الصوت اليوم في طرح هكذا رؤية يكتسب أهمية بالغة لتربية الأمل بيننا (محمود درويش) لمواجهة روحية النقد الرافض والمشكك من إمكانية تحقيق أي شيء التي باتت تميز مزاجنا كشعب ونخب بسبب الضغوط الباهظة الواقعة على جلودنا سيما اسرائيليا وأمريكيا.
ويجدر الذكر أن طرح رؤية لفلسطين ليس اختراعا جديدا للعجلة، فقد عمل على هذه الرؤية المئات من الأكاديميين /الأكاديميات والنخب الفلسطينية، كالدكتور يوسف صايغ والطواقم الفنية بتنسيق من الدكتور سري نسيبة في تسعينيات القرن الماضي، وإصدارات بكدار ومنها &
39; الذي حرره رئيس الوزراء المكلف عام ٢٠٠٥ وشارك في كتابته ١٤ من الشخصيات السياسية والأكاديمية البارزة، وهنالك أيضا جهود مؤسسة مسارات، وملتقى فلسطين، والأخرى المتعلقة بتطوير رؤية تنموية فلسطينية كتلك التي قادتها الدكتورة غانية ملحيس في سلسلة صدرت عن مؤسسة ماس حين كانت ترأسها، كما ساهم الدكتور نبيل قسيس والدكتور سمير عبدالله، والباحث رجا الخالدي بأجزاء أخرى، وكان لمؤسسات أخرى مثل مؤسسة معا، ودار المشرق، وباحثون وباحثات اخرين في تطوير الرؤية التنموية بما في ذلك خلال الانتفاضة الأولى، ومنهم عادل سمارة، وخليل نخلة، وعزت عبد الهادي، وخليل نخلة، وعلي الجرباوي، وهديل القزاز، وأحمد غنيم ، ووليد سالم، وآخرون. 
كما طرحت رؤى لفلسطينيي الداخل خلال العقد الأول للقرن الحادي والعشرين كوثيقة الرؤية، ووثيقة حيفا والدستور الديمقراطي، وطروحات عزمي بشارة، ونديم روحانا، وأسعد غانم وسعيد زيداني، وهنيدة غانم، وغيرها وغيرها مما يستحق العودة إليه من أجل بناء فلسطين الحاضر والمستقبل في الضفة وغزة والقدس وداخل اسرائيل وفي الشتات، ولا يوجد ما ينقصنا في هذا الاتجاه سوى الإرادة والمبادرة بما يعيد توحيد شعبنا ويعيد العافية لقضيتنا وإشعاعها الأخلاقي عالميا، ويبعث من جديد روح التحرر السياسي من الاحتلال والتحرر الاجتماعي من القيود التي تكبلنا.
لا أستطيع في مقالة موجزة العودة الى تحليل كل هذا الثراء الرؤيوي لوضع اليد على نجاحاتنا وإخفاقاتنا، ومن أجل الإشارة إلى كيفية تقدمنا إلى الأمام. ولكن حسبي الان أن اطرح فكرة واحدة للرؤية، سيما في ضوء سعي، بل أقول قرار امريكا وإسرائيل بإنهاء قضية اللاجئين، وتحويل حقوق كل الفلسطيينين الباقين في الوطن: في الجليل والمثلث والنقب، وفي القدس والضفة وغزة سواء بسواء إلى حقوق مدنية ودينية مجزوءة فحسب، فيما تحصر الحقوق القومية بما تم تسميته " بالشعب اليهودي".
في ضوء هذا الواقع، كيف لنا أن نعمل لكي نبقى في وطننا، ليس كواقع سلبي قابل للطرد في أي وقت، وإنما في إطار إيجابي فاعل لا يعزز صمودنا على ارضنا فحسب وإنما يطلق الطاقات من جديد من أجل تحررنا السياسي والاجتماعي ؟.
ليس هذا السؤال بجديد ايضا. والإجابة عليه هي ايضا من النوع المباشر: إن إطلاق طاقات الشعب الفلسطيني يتطلب أن تعمل النخب معه، لا من أجله بدونه، ولا عليه (روبرت تشامبرز). يعني ذلك أن الشعب الفلسطيني الحر بطبيعته كما سائر ابناء البشر يستحق أن لا يقهر ويضطهد أو تهان كرامته، يستحق أن يعيش ويموت بشرف، ومن أجل ذلك يستحق أن يتم إطلاق طاقاته في مقاومة فعالة سياسيا، وقانونيا، واقتصاديا وتنمويا على طريق التحرر.
وبإنتقال من التعميم إلى التخصيص، فإن تطبيقات هذه الفكرة تتضمن بناء السيادة الفلسطينية من أعلى عبر تكريس فلسطين كرقم غير قابل للاقتلاع من خلال الكفاح السياسي والقانوني دوليا. ولكنها تتضمن ايضا الكفاح من أسفل وعلى الأرض، من خلال التنمية بالمشاركة القابلة لأن تثمر حرفيا وزراعيا وتكنولوجيا وخدماتيا وسياحيا ، والقابلة لأن تخرجنا من دائرة قطع المساعدات الدولية بهدف تركيعنا وابتزازنا.
هل هذا الخيار ممكن: نعم ممكن، وفيما يلي متطلباته: الاعتماد على الشعب الفلسطيني أولا وإطلاق مبادراته في الوطن والشتات لتنمية كلاهما وفق رؤية تحررية مرتكزة على الناس( خليل نخلة، ٢٠١١). وبناء فصل السلطات العمودي ثانيا وذلك بخلق مشاركة واسعة في المحافظات وبرلمانات محلية يتم ايضا جمعها في برلمان مركزي ومنح البلديات والمجتمعات المحلية حق المبادرة في برامج ومشروعات للتنمية المحلية ثالثا( نسيبة والأعرج في إشتية ٢٠٠٥، والجرباوي، ١٩٩٦)، وإطلاق المبادرات التنموية رابعا في القدس المنطقة ج بالرغم من الاحتلال وابتكار وسائل لحمايتها كما فعلت قرية العقبة قرب جنين، وإطلاق المقاومة المدنية في الوطن والمنافي لمواجهة إجراءات الاقتلاع وللمقاطعة الاقتصادية وسحب الاستثمارات ووقف العمالة في المستعمرات . أي بإيجاز العودة الى برنامج التحرر والكفاح، والمترافق مع اقتصاد التحرر الموجه اساسا لتلبية الاحتياجات المحلية، بتضافر الجهود بين الكل الفلسطيني في الوطن والخارج، وتحفيز الدعم العربي، ودعم المنظمات المتضامنة معنا دوليا بعد أن أوقفت امريكا مساعداتها التي كانت مشروطة عند سريانها بالخضوع للإملاءات الأمريكية والاسرائيلية.
اخيرا: هل لشعبنا في الداخل والخارج أن يعيد صياغة رؤية وبرامج مشتركة وآليات للعمل عليها بعد أن وحدتنا الصهيونية في الداخل تحت ثلاثية الاحتلال العسكري وقمع الدولة والشرطة الموازي له في أراضي ١٩٤٨، والاستيطان الاستعماري والابارتهايد ؟ ( هنيدة غانم، ٢٠١٨)، مضافا له الاستعمار الداخلي لفلسطينيي الداخل في مناطق ١٩٤٨ ايضا ( زريق ، ١٩٧٩). وهل للحكومة الجديدة في الضفة أن تأخذ الأفكار اعلاه بعين الاعتبار بعد نكوص التسوية ونكوص التنمية معا ، وكذلك حماس في غزة واللجان العاملة بين ابناء شعبنا في الشتات الفلسطيني؟.