السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حكومة اشتية وإرث الماضي

نشر بتاريخ: 12/04/2019 ( آخر تحديث: 12/04/2019 الساعة: 14:02 )

الكاتب: سامر سلامه

تستعد حكومة الدكتور محمد إشتية للإقلاع وسط ظروف سياسية وإقتصادية غاية في التعقيد. ففي اللحظة التي ستحلف بها الحكومة الجديدة اليمين الدستورية ستجد نفسها أمام ملفات كبيرة وإستحقاقات أكبر وخاصة أن الشارع الفلسطيني يترقب هذه الحكومة ويتطلع لنهج حكومي جديد لتغيير الواقع المعيشي للمواطنين. وعليه فإن الحكومة ومنذ اللحظة الأولى لإنطلاقها ستكون محط أنظار وإهتمام وترقب الشارع الأمر الذي سيزيد من الضغوط عليها ويضعها أمام التحدي الأكبر والمتمثل في كسب ثقة الشارع وبسرعة كبيرة.
إنني أتفق مع كافة السياسيين والإقتصاديين والمفكرين في فلسطين أن الحكومة الجديدة مثلها مثل الحكومات السابقة لن يكون بيدها العصا السحرية التي من خلالها ستغير الواقع المعاش للمواطنين بضربة واحدة، وإنما هناك الكثير من القضايا التي ستتعامل معها الحكومة والتي ورثتها عن سابقاتها من الحكومات أو من الإتفاقيات والتفاهمات والبروتوكولات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الإحتلال الإسرائيلي والجهات الدولية الأخرى.
فأول المورثات التي ستتعامل معها الحكومة الجديدة هي قرصنة أموال المقاصة من قبل الإحتلال الإسرائيلي والتي نتج عنها أزمة الرواتب الحالية وما تبعها من آثار على عجلة الإقتصاد الوطني.
وثاني المورثات التي ستتعامل معها الحكومة الجديدة العلاقات التجارية بين السلطة الفلسطينية وكيان الإحتلال أو عبره إذ تعتبر الممارسات التجارية بين الجانبين ممارسات غير فعالة مما جعل من السلطة وسيطا تجاريا للمنتجات الإسرائيلية الأمر الذي أدى إلى ربط الإقتصاد الفلسطيني بالكامل بالإقتصاد الإسرائيلي وبالتالي أصبح الإقتصاد الفلسطيني تحت رحمة الإحتلال التي يستخدمها كورقة ضغط على السلطة الفلسطينية عند كل أزمة تمر بها العلاقات الفلسطينية مع دولة الإحتلال. كما أن قضايا العمل والعمال وخاصة فيما يتعلق بحقوق العمال الفلسطينيين المالية والفنية لدى إسرائيل ستكون إحدى القضايا الكبيرة التي ستتعامل معها الحكومة الجديدة.
وثالث المورثات التي ورثتها الحكومة الجديدة هي ضعف الثقة بالسلطة الوطنية الفلسطينية من قبل الجمهور الفلسطيني الأمر الذي يضع الحكومة الجديدة أمام تحدي إعادة الثقة بها إلى الشارع أولا قبل المضي قدما في تنفيذ بعض البرامج الإصلاحية التي تحدث عنها رئيس الحكومة الجديد الدكتور محمد إشتية.
ورابع المورثات التي ستتعامل معها الحكومة الجديدة هي إستمرار الإنقسام مع غزه وبالتالي إستمرار تحدي التعامل مع القطاع وتقديم الخدمات له وصرف الموازنات لتسهيل الحياة على أهلنا هناك في ظل إستمرار الإنقسام. فتقديم الخدمات والمساعدات لأهلنا في غزه تعتبر مسؤولية وطنية لا تستطيع الحكومة التخلي عنها، وضمان عدم إستفادة حكام الأمر الواقع في غزة من تلك المساعدات تحدي إضافي للحكومة.
وخامس المورثات هي إستمرار معدلات البطالة عند حدودها المرتفعة وخاصة في قطاع غزة الأمر الذي يتطلب مزيدا من التدخلات الإقتصادية الإستراتيجية الخلاقة التي ستغير من الواقع وإن بشكل محدود ولكن إستمرار حجز أموال المقاصة وإنخفاض المساعدات الدولية ومحاصرة الإقتصاد الفلسطيني من قبل الإحتلال وإستمرار حصار قطاع غزة وإغلاق القدس سيجعل من هذه المهمة صعبة للغاية أمام الحكومة الجديدة. أضف إلى ذلك إستمرار إرتفاع نسب الفقر وخاصة في غزة سيضع الحكومة أمام مسؤوليات إنسانية لا تستطيع التخلي عنها أبدا وستزيد من الأعباء الملقاة على عاتقها.
وسادس المورثات هو ضعف الجهاز القضائي وغياب المجلس التشريعي الفلسطيني الأمر الذي يضع الحكومة الفلسطينية أمام تحدي إستمرار إصدار القوانين الجديدة أو تعديل القوانين القديمة في غياب المؤسسة التشريعية الأولى كما أن إصلاح ودعم وتعزيز دور وإستقلال القضاء ستكون مهمة غير سهلة ولكنها مهمة ضرورية جدا لزيادة شعور الناس بالأمن والإستقرار والحماية القانونية. وأخيرا وليس آخرا فإن إرث أوسلو وإستباحة الأراضي الفلسطينية من قبل قوات الإحتلال والتوسع الإستيطاني ستشكل نقطة تحدي دائمة ستواجهها الحكومة بشكل دائم ومستمر.
فأمام هذا الإرث الثقيل وهذه التحديات الكبيرة وفي ظل غياب أي أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية وما يحاك للقضية من مؤامرات وما يسمى بصفقة القرن وتخاذل بعض الأنظمة العربية وإنفتاحها على حكومة الإحتلال وإستمرار الإنقسام وعزوف بعض الفصائل عن المشاركة في الحكومة وغيرها الكثير فإن مهمة الحكومة الجديدة لن تكون سهلة. ومع ذلك فإنني أعتقد أن هناك الكثير من نقاط القوة التي تتمتع بها هذه الحكومة وتجعلها قادرة على مواجهة هذه التحديات. فأهم ما يميز هذه الحكومة أنها حكومة الوحدة الوطنية إذ تشارك بها معظم فصائل منظمة التحرير أو تباركها.
كما أن رئيس هذه الحكومة هو شخص مهني وسياسي ورجل إقتصاد ومدعوم من حركة فتح الأمر الذي سيساعد الحكومة على وضع رؤيا إقتصادية وبرنامج عمل إقتصادي واقعي يأخذ بعين الإعتبار التحديات المذكورة. كما أن الحكومة الجديدة ستقود الإنتقال من حكومة السلطة الفلسطينية إلى حكومة الدولة الفلسطينية كما أعلن رئيسها الدكتور إشتية الأمر الذي سيزيد من التفاف الشارع حولها. ولكن يبقى التحدي الأكبر أمامها ألا وهو شعور الناس بالفرق وخلال فترة زمنية قصيرة.