السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ارفع رأسك فأنت من بلاد درويش والقاسم وطوقان وكنفاني

نشر بتاريخ: 15/04/2019 ( آخر تحديث: 15/04/2019 الساعة: 22:44 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

إذا كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد قال يوماً وفي مرحلة المد القومي "ارفع رأسك فأنت عربي"، ضمن استراتيجيته العروبية التي من مفرداتها الاعتزاز بالهوية القومية، لأن هذا القائد الرمز، كان يعوّل على أمة عربية واحدة، سيكون لها مكان مؤثر تحت الشمس، بالاستناد إلى تاريخها وموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، وعوامل مشتركة أخرى كثيرة كالتكوين النفسي والثقافي والاعتقاد الديني واللغة، إلا أنه رحل قبل أن يتحول شعاره القومي إلى واقع، بيد أن ما يعانيه العرب اليوم، جعل من الشعار القومي وكأنه شعار طوباوي سابح في الخيال، بسبب الأزمات التي تعصف بدولنا العربية في ظل التفكك والتشظي وتحول بعض الدول إلى دويلات متناحرة، في حين باتت كل دولة تنشد النجاة من طوفان يجرف المؤسسات والمرافق والبيوت إلا في استثناءات انتصرت فيها "السلمية" وقطعت الطريق على المتربصين الحاقدين.
وأمام التمزق الجغرافي والسياسي العربي، ما زال الثقافي والإبداعي صامداً يشكل عامل وحدة روحية، كيف لا؟ ونحن من المحيط إلى الخليج تطربنا أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية وكاظم الساهر ونجوى كرم وميادة الحناوي وصابر الرباعي وصباح فخري وسميره سعيد ومحمد عبده وعبدالله الرويشد وعمر العبداللات وغيرهم، وشعرياً إضافةً إلى الشعر القديم، تجمعنا وتوحدنا أشعار نزار قباني ومحمود درويش وأدونيس، وفي الشعر العامي عبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وتدهشنا الأعمال الروائية لحنا مينا وأحلام مستغانمي وعبد الرحمن منيب وغادة السمان والطاهر وطار والطيب صالح ومؤنس الرزاز وجبرا إبراهيم جبرا، وهذا ينطبق على المسرح والسينما والفن التشكيلي، علماً أن الأسماء التي ذكرتها للاستشهاد ففي الغناء يوجد عشرات بل مئات المطربين والمطربات العرب وكذلك الحال في المجالات الأخرى، وهؤلاء بكل ما أنتجوا وأبدعوا هم جسور ثقافية وإبداعية تربط الشعوب العربية وتشكلها وجدانياً وروحياً.

وفلسطينياً بالرغم من المأساة وتداعياتها المستمرة، فقد أسهم الفلسطينيون في إثراء التجربة الثقافية والإبداعية الروحية العربية، وقدموا حصتهم باقتدار وما زالوا، حيث تحول مبدعون فلسطينيون إلى رموز ثقافية وإبداعية على المستوى العربي، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد ومعين بسيسو وناجي العلي وإدوارد سعيد وهشام شرابي وغسان كنفاني وفدوى طوقان وسليمان منصور ونبيل العناني ورشاد أبو شادر ومحمود شقير ود.فيصل دراج وإبراهيم نصر الله وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم الكثير الكثير، وقد قصدت أن استشهد ببعض الأسماء التي لأصحابها تأثير في المشهد الثقافي الإبداعي، ولو أردت أن أسهب لاحتجت إلى مساحة أوسع لا تكفيها بالطبع المساحة المخصصة لهذه المقالة.
والحقيقة أن الدافع للكتابة في هذا الميدان، طبيعة النقاشات والتوصيفات السوداوية التي باتت تتصدر المشهد محملة باليأس والقنوط، مسدلة الستارة على كل ما هو إيجابي، مكتفية بترويج السلبي، إما لأهداف سياسية كريهة، أو لسبب انكسار مستفحل في أعماق هؤلاء، يحاولون نقل عداوة إلى الآخرين.
ونحن المتشبثين بالتفاؤل المؤمنين بالغد وبحركة التاريخ، كيف لنا أن نصدق مصدري التشاؤم والاحباط، بينما نرى أشعار محمود درويش وقد ترجمت إلى معظم لغات العالم، أو فكر إدوار سعيد بعد أن تحول إلى مساقات أكاديمية تدرس في أرقى الجامعات، فعلى الرغم مما يحيط بنا نفوز بالمراتب العليا على مستوى التعليم ونحرز جوائز في المسرح والسينما والرواية والأغنية، بمعنى أننا ننتج ثقافياً وإبداعياً، وشعب له هذا الإرث الفكري والثقافي لا يمكن أن يُطمس أو يمحى عن الخريطة.
رموز كثر لثقافتنا وإبداعنا أغنوا المشهدين الفلسطيني والعربي، ووصل بعضهم إلى العالمية بما أنتج وابدع، حيث إن استحضار تجاربهم في هذه المرحلة الصعبة والموشحة بالسواد من شأنه أن يعطي شحنات معنوية لكل واحد فينا، فإذا كان السياسي مكبلاً محاصراً، فإن الإبداعي يفرد أمامنا أفقه المطرز بالحلم، لأننا بأمس الحاجة لبقاء طير حلمنا محلقاً، فذلك يعني ألا قوة على وجه الأرض بمقدورها أن تخنق الأمل فينا.