الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة القرن والسلام لمن؟!

نشر بتاريخ: 16/04/2019 ( آخر تحديث: 16/04/2019 الساعة: 19:17 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب

لا أعتقد أن الفريق الأمريكي الثلاثى المشرف على صياغة صفقة القرن من السذاجة والبساطه كما يحلو للبعض أن يصفهم ، أختلف في الرأي واعتقد أن لديهم تصور شامل وقراءة كامله لما سبقهم من مبادرات، ومحاولات، وليس صعبا ألإلمام بكل المعلومات التي قد تساهم مراكز البحث والتفكر في تقديم توصياتها ، وأكثرها مرتبطا بإسرائيل.والفرضية ألأساسية ان هذا الفريق حظوظه السياسية كبيره ودافعه له للإستمرار في الإنتهاء من هذه الصفقة. وليس صحيحا أن التاجيل سببه عدم إكتمال الصفقة ، بقدر أن الهدف والقصد التمهيد وتهيئة البيئة السياسية المحفزة والدافعة لإنجاحها.الصفقة بدأت بالتعامل والتنفيذ مع مكونات القضية ومستويات القضية .وعلى التعامل مع جوهر القضية . فأولا تفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها بإستبعاد القدس وحسمها عاصمة لإسرائيل، وتفريغ قضية اللاجئيين من هويتها ومحاولة تقزيمها بحصر مفهوم لا جئ على من ترك فلسطين عام 148، وهو ما يعنى إختزالهم ببضعة آلاف، وفى النهاية إلغاء مبرر وجود وكالة الغوث من وجودها ، ويمكن تحولها لمجرد مؤسسة أو جمعية خيرية تقدم مساعدات إنسانيه. ومن ناحية أخرى تفكيك القضية الفلسطينية فلسطينيا وهذا هو ألأخطر ، فتعميق حالة الإنقسام وتحولها لحالة إنفصال سياسى، وتحول الإنقسام لبنية سياسية منفصله، وتعميق الخلافات بين حماس وفتح، وتحول غزة إرضاءا لحركة حماس لبنية تسيطر عليها، وتوفير كل مقومات الحياة والإستمرارية لها ، وكل الذى يجرى في غزة يصب في هذا الإتجاه وتمهيدا لمرحلة الإستقلال السياسى. وأما الضفة الغربية فتدرك الولايات التحده أن مستقبلها بات مرتبط بحياة الرئيس، والعمل على تحولها لكينونة سياسية بدرجة أعلى من حكم ذاتى وإرتباطها إقليميا الأردن. لإستحالة قيام دولة فلسطينية فيها، هذا المستوى من الضعف والإنقسام والخلاف يوفر فرص نجاح مهمه للصفقة.والمستوى الثانى ولا يقل أهمية عن المستوى الأول تفريغ الحاضنه ألإقليمية للقضية الفلسطينيه، ولا شك أن التحولات السياسية الكبيرة التي تشهدها المنظومة العربية والتي قد بدات مع غزو العراق للكويت عام و1991 والموقف الفلسطيني قد أدى إلى بداية التراجع والإنفكاك، وهذا لايعنى التنازل عن القضية بالمطلق، لكن أعتقد بداية مرحلة التمييز بين المصالح وألأولويات للدول العربية ، والتهديدات التي تواجهها، وإلحاحية هذه التهديدات، والموقف من القضية الفلسطينية ، فاليوم تبرز مخاطر كثيرة الخطر والتهديد الإيراني الذى لا ينتظر التأخير والتاجيل في التعامل معه، وخطر الإرهاب والجماعات الإسلامية المتشدده ناهيك عن أولويات البناء السياسى الداخلى، هذه البيئة ألإقليمية والتحولات فيها توفر لصفقة القرن التقدم خطوات ، وتتيح لها فرصة التنفيذ ولو في بعدها ألإقليمى.ومن تحول الصراع الفلسطينيى الإسرائيلي لصراع ثنائى محدود وحول قضايا محدوده، وقراره فلسطينيا. واما المستوى الثالث والذى يوفر أيضا فرصا كبيره لصفقة القرن التحولات في بنية وموازين القوى الدولية ، وأيضا العمل على تفكيك القضية الفلسطينية ، ولم يعد ينظر إليها على أنها مفتاح لحل قضايا المنطقة ، هنا التمايز بات مقبولا بين مواقف الدول المعنية كروسيا وألإتحاد ألأوروبى ومواقفها من القضايا الأخرى ، ولعل مؤتمر باريس وعدد الدول التي حضرته يؤكد على هذا التحول. وان الهدف الأساس الآن هو التصدي للخطر الإيراني الذى بات يشكل تهديدا ليس فقط على مستوى المنطقة العربية او الخليجية بل على المستوى الدولى ، وان ألأولوية لمواجهة هذا الخطر وتمدده ووصوله لكثير من الدول الأوروبية. والنتيجة الحتمية تقزيم القضية الفلسطينية ،وإختزالها في مسائل إنسانية او رفع الحصار او توسيع دائرة الحق التي يمارسها المواطن الفلسطيني. كل هذه المحفزات تعمل لصالح الصفقة ، والتي ترتبط بإنضاجها على مستوياتها المختلفه. والخلاصة ان الهدف من الصفقة تحيقيق السلام ألإقليمى ، وتشكيل تحالف دولى لمواجهة الخطر الإيراني ، وكل هذا يعنى ان القضية الفلسطينية باتت مجرد نزاع ثنائى ،ولم تعد القضية الفلسطينية من تحدد التصورات والمدركات السياسية للدول العربية والدولية ، وانها لم تعد المحدد للأمن على مستوى كل دولة ، وهذا ما يفسر لنا التحول في تصورات تهديدات ألأمن القومى وتحولها من إسرائيل إلى إيران لتصبح إسرائيل وفقا لهذه الصفقة جزء من أي تحالف اقليمى ودولة كما رأينا في مؤتمر وارسو. ويبقى ان النهج الذى إعتمد عليه مهندسوا الصفقة الأسلوب من أعلى إلى أسفل بمعنى البدء على المستوى الماكرو دوليا والوسط إقليميا ثم القاعدى على مستوى طرفى الصراع المباشرين وبالتالي ضمان نجاح الصفقة حتى قبل ان يتم الإعلان عنها ، وتوفير الإعلان عن المواقف الرسمية منها . هذه مجرد رؤية ذاتيه لما بعد مرحلة صفقة القرن.
[email protected].