الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأزمة المالية في التعليم الجامعي الفلسطيني وسبل الدعم الحكومي المتاحة

نشر بتاريخ: 18/04/2019 ( آخر تحديث: 18/04/2019 الساعة: 11:53 )

الكاتب: د. فاهوم الشلبي

واجه التعليم العالي الفلسطيني خاصة الجامعات منذ بداية تأسيسها في اوسط السبعينيات واوائل الثمانينيات عوائق وتحديات وقيود كثيرة انعكست سلبا على مسيرتها التطويرية، وكان أهم هذه التحديات هو كيفية تأمين وتوفير أو تغطية النفقات الرأسمالية والجارية لمؤسسات التعليم العالي التي ولدت لهدف وطني سامي غير ربحي وهو توفير فرصة التعليم العالي على مستوى البكالوريوس للشباب الفلسطيني داخل الوطن للحد من هجرته الى الخارج. هذه النفقات كان معظم مصادرها في فترة الثمانينيات من جاليات فلسطينية وأرباب عمل في الخارج لتغطية النفقات الرأسمالية ومن الصندوق القومي لمنظمة التحرير عبر مجلس التعليم العالي المؤسس عام 1977 لتغطية النفقات التشغيلية، والتي ساهمت الرسوم والأقساط التي يدفعها أهالي الطلبة بنسب قليلة جدا. وفي أواخر الثمانينيات، زادت صعوبة تغطية النفقات التشغيلية، فرسوم الساعة المعتمدة التي يدفعها الطالب أقل من نصف تكلفة الساعة المعتمدة على الجامعة، وتفاقم الوضع سوءا بعد الحرب في الخليج عام 1990 (العراق- الكويت) الذي ترتب عليها انخفاض الدعم من صندوق المنظمة بشكل كبير وملموس وكان ذلك جرس تنبيهي خطير بجفاف مصدر تمويل رئيس. ومع ذلك، استمرت الجامعات بالعمل في ظل هذه الأزمة المالية الخانقة، وفتحت أبوابها بانتظام في عام 1992 بعد انتهاء الانتفاضة الشعبية التي تخللها العديد من الاغلاقات من قبل الاحتلال، ولم تقم بزيادة رسوم الساعة المعتمدة، وحافظت على مسيرتها بصعوبة حتى نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن ثم وزارة التعليم العالي عام 1994 التي أخذت دور مجلس التعليم العالي والذي أصبح جزءا من هيكليتها الادارية لكن بدون تفعيل، وباشرت بأعمال تنسيقية تنظيمية مع مؤسسات التعليم العالي لكن غير تمويلية. وبقي الوضع المالي على حاله إلى أن جاء الفرج المؤقت في العام التالي 1995، حيث قدم الاتحاد الاوروبي مساعدة مالية للجامعات الفلسطينية العامة ، كافية لتغطية جزء كبير من رواتب العاملين فيها، واستمر الدعم الاوروبي بشكل سنوي حتى عام 1999.
وفي عام 2002، نجحت وزارة التربية والتعليم العالي وبالتعاون وبدعم من البنك الدولي، في اصدار استراتيجية لتمويل التعليم العالي الفلسطيني، تمحورت حول إنشاء آلية دعم للجامعات من خلال قسائم تعطى للطلبة من أصحاب تحصيل عالي، ومن مستوى اجتماعي اقتصادي منخفض (من اسرة فقيرة)، وملتحق في برنامج ذات اولوية وملائمة لحاجة السوق. إضافة، الى انشاء صندوق إقراض لبقية الطلبة، وإنشاء صندوق لتطوير الجودة والنوعية وطرق التدريس في مؤسسات التعليم العالي. كذلك نجحت الوزارة في تأسيس هيئة الاعتماد والجودة.
وفي العام التالي 2003، أعادت الوزارة تفعيل مجلس التعليم العالي، الذي تمكن من بلورة صياغة لمعادلة يتم بناء عليها توزيع الدعم المالي المقر في الموازنة الحكومية على الجامعات العامة. تلخصت هذه المعادلة بعدة معايير: اولها: عدد الطلبة الملتحقين في البرامج التالية ووزنه 60%: (برامج الإنسانيات 5 وحدات، العلوم الاجتماعية 7,5 وحدة، العلوم 10 وحدات، الهندسة 20 وحدة، الطب وعلومه 25 وحدة، العلوم التقنية 25 وحدة). معيار ثاني ويتمثل برتب اعضاء هيئة التدريس ووزنه 26% :(استاذ 150 وحدة، استاذ مشارك 125 وحدة، استاذ مساعد 100 وحدة، محاضر 75 وحدة، مدرس 50 وحدة)، أما الباقي 14% فموزعة ( 3% مكتبات ومختبرات، 2% بحث علمي، صندوق اقراض الطالب 5%، و4% جامعة القدس المفتوحة ). وعلى ضوء ذلك، تم احتساب نسبة كل جامعة عامة على ان لا تزيد عن 20% مهما زاد عدد الطلبة او اعضاء هيئة التدريس فيها. هذا الدعم تراوحت قيمته الفعلية بالمتوسط بين 5- 15 مليون دولار سنويا وهو دائما أقل من العجز الفعلي في الجامعات وأقل من المكتوب في الموازنة، ولم يوزع كاملا طيلة فترة العقدين الا في سنة واحدة عام 2009 وكان شبه كامل، علما ان هذا الدعم هو بمثابة دعم طوارئ ولا يعتبر حقا للجامعات العامة، فما لم يصرف في سنة ما، لا يعتبر دينا للجامعات يضاف للسنة القادمة. وكانت طريقة التوزيع حسب النسب حتى عامنا الحالي وعلى شكل دفعات (عدة دفعات خلال السنة الواحدة وبالشيكل). وعلى صعيد صندوق الاقراض، فخلال الاعوام 2002 – 2007 قدمت الجهات التالية ( الصناديق العربية، البنك الاسلامي للتنمية، اللجنة السعودية، اليونسكو، صندوق الأراضي المقدسة، والهلال الأحمر في قطر) مساعدات لصندوق الاقراض الذي اعلن تشكيله عام 2002 حوالي 124 مليون دولار، ومع الاسف ذهبت هذه الاموال مساعدات للطلبة المحتاجين وغير المحتاجين خلال هذه الفترة ولم يتمكن صندوق الاقراض من استرداد هذه الملايين. وفي عام 2008، أعيد تفعيل صندوق الاقراض بآليات جديدة وبدعم اداري من اليونسكو والبنك الدولي، ووضع نظام صارم يتناول معايير من المستفيد والقيمة وآلية السداد والكفيل، لكن تقلص حجم الاقبال على الصندوق كثيرا. ويعتبر الصندوق حاليا مفلسا، وهذا الموضوع يحتاج دراسة لمعرفة الاسباب فهناك عوامل كثيرة تحتاج اعادة تقييم وتفعيل، وإذا وجه دعم السلطة الفلسطينية لهذا الصندوق بشكل مباشر بدلا من حسابات الجامعات، فإن مصادر دعم الصندوق المذكورة سابقا ستحيى من جديد وتعاد الثقة لعمل الصندوق وسيلقى رغبة جديدة عند الطلبة واسرهم في التعامل معه، خاصة اذا كان هناك فترة راحة لمدة سنة او سنتين بعد التخرج للسداد، وأن يكون قيمة القرض السنوي كافي لتغطية الاقساط وتغطية تكاليف المعيشة معا حتى لا تتحمل اسرة الطالب اتعاب مالية.
وللمزيد من التوضيح حول مسببات الأزمة المالية وتفاصيلها، نذكر هنا مجموعة من المؤشرات المالية ذات الصلة: ففي سنوات التسعينيات، كانت رسوم الساعة المعتمدة في كليتي الآداب والتجارة - والتي تحوي اكبر نسبة من الجسم الطلابي - بالمتوسط حوالي 18 دينار، ومتوسط تكلفة الساعة المعتمدة على الجامعة في كليتي الآداب والتجارة حوالي 25 دينار، فالرسوم والاقساط في هذه الحالة لا تغطي الا حوالي 70% من المصاريف التشغيلية وبالتالي سيكون عجز مالي محقق ما لم يكن هناك مصادر دخل اخرى. أما في سنوات العقد الثاني 2010 فإن رسوم الساعة في الكليتين ارتفع ليصل بالمتوسط الى 36 دينار، أي تضاعف مرة واحدة، وجاءت هذه الزيادة بعد عدة مفاوضات مع مجالس الطلبة تخللها عدة اضرابات خلال سنوات الفترة، في المقابل وحسب تقارير جامعية داخلية، بلغت تكلفة الساعة المعتمدة في الكليتين على الجامعة حوالي 65 دينار، أي تضاعف حوالي ثلاث مرات، وبالتالي فان الرسوم والاقساط تغطي في هذه الحالة حوالي 55% من المصاريف التشغيلية. فالأزمة تتفاقم وتزيد حدتها مع الزمن، بينما مصادر دخل الجامعات من عائد ابحاث وخدمات مجتمع ومنح وتبرعات تعتبر شحيحة، ولا تشكل نسبة معنوية تذكر(بين 2 – 6 %) من المصروفات التشغيلية، ويبقى الاعتماد والرهان على الدعم الحكومي الذي لا يتزايد ولا يصرف سنويا بشكل كامل حسب المذكور في الموازنة بل نسبة منه تتفاوت من عام الى عام اخر وتتراوح بين 25 – 70 % من المكتوب في الموازنة والذي عند توزيعه يغطي حوالي 5 - 15 % من مجموع المصروفات التشغيلية، وبذلك فإن مجموع مصادر الدخل المختلفة تغطي حوالي (62% - 76%) من المصاريف التشغيلية ويبقى عجز سنوي مقدر حاليا ب ( 24% - 38%) من مجموع المصروفات التشغيلية.
لمواجهة هذا العجز، قامت الجامعات بالعمل على تقليصه، وتعايشت مع الازمة المالية بأساليب وسياسات عدة، منها:
• الاستقراض من البنوك المحلية مبالغ تكفي لتغطية النواقص في رواتب العاملين لعدة اشهر. ومثل هذا الاستقراض تكرر عند بعض الجامعات أكثر من مرة، وقد حل مشاكل انية لكنه راكم فوائد وزاد من حجم المديونية عند البعض الاخر.
• الاستقراض من العاملين في الجامعة، فبعض الجامعات عجزت منذ اكثر من عشر سنوات عن دفع رواتب كاملة، وبالتالي اصبحت مدينة لعامليها كمجموع بالملايين.
• الاستقراض من صندوق التوفير ومن صندوق تعويض نهاية الخدمة، والادلة واضحة على ذلك وعند اكثر من جامعة، فعند بعضها، اذا تصادف وتقاعد ثلاثة أعضاء هيئة تدريس في شهر واحد، تجد الجامعة عاجزة عن دفع قيمة مستحقاتهم في وقت واحد، والوضع اسوأ عند البعض الاخر، حيث لا تستطيع دفع مستحقات متقاعد واحد كاملة، بل على دفعات ولسنوات عديدة.
• اتباع سياسة التأجيل والتأخير في دفع بعض المستحقات، مثل مستحقات غلاء المعيشة ومطالبات مالية اخرى الى حين الحصول على دخل ما.
• تغيير سياسات القبول، كأن يزداد حجم القبول "الموازي" في تخصصات علمية طبية وهندسية، الذي يدفع فيها الطالب المقبول "موازي" أكثر من قيمة القسط العادي، ويزداد حجم القبول في تخصصات ادبية مثل التربية والقانون وعلم الاجتماع واللغات بشكل يفوق القدرات الاستيعابية، طمعا برسوم وأقساط طلابية دون الاهتمام للزيادة في حجم الطلبة في الشعبة الواحدة والصف الواحد، هذا التزايد في أعداد الطلبة الجدد المقبولين لم يرافقه تعيين أعضاء هيئة تدريس جدد، بل يزداد العبء التدريسي لعضو هيئة التدريس من 12 ساعة اسبوعية الى 15 أو 18 ساعة، وبذلك يصبح المدرس كأنه شخص وربع أو شخص ونصف، وتكون الزيادة في الراتب مقابل هذا العبء الاضافي أقل مما يدفع لتعيين جديد، وأحيانا، إن تعثر هذا الخيار، يتم تعيين اعضاء هيئة تدريس بشكل غير متفرغ، وهذا ايضا أكثر توفيرا من التوظيف الدائم. فلا غرابة أن يكون مجموع ساعات العمل الاضافي لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات العامة يزيد عن الف ساعة في إحدى الفصول حسب قاعدة بيانات التعليم العالي في الوزارة، وهذا يعني توفير توظيف حوالي ثمانين عضو هيئة تدريس. هذه السياسة نجحت في زيادة نسبة مساهمة الرسوم والأقساط في تغطية المصاريف التشغيلية للجامعات، فعند البعض أصبحت حاليا تغطي 100% بعد تغيير سياسات القبول فيها وعدم الاهتمام بمعايير الجودة والنوعية.
• زيادة الاهتمام بفتح برامج ماجستير في الحقول التي لا تحتاج مختبرات وتطبيقات تجريبية، مثل الادارة والاعمال والتربية واساليب التدريس والعلوم السياسية والدراسات المجتمعية، إضافة الى بعض التخصصات في العلوم الطبيعية. هذه البرامج تعطي فرصة للجامعات بتحديد الرسوم والاقساط الكفيلة بتغطية كافة المصاريف التشغيلية، وقد تدر ارباحا، والذي يساعد في ذلك ان الفئات المستهدفة من الطلبة فيها هم في الأغلب يعملون كموظفين في القطاعات التجارية المصرفية والشركات او في القطاع الحكومي، فنسبة الطلبة المتفرغين في برامج الماجستير قليلة جدا ولا تكاد تذكر، وعليه، يتم التدريس بعد الدوام وأيام العطل الأسبوعية. ومعظم هذه البرامج لا يتطلب كتابة رسالة ماجستير بل يكتفى بعمل ندوة، وبذلك فإن البحث العلمي مفقود فيها وكأنها برامج بكالوريوس عادية. وهناك دوافع اخرى زادت من اهتمام الجامعات في فتح برامج الماجستير وهي توفر فرص عمل برامج مشتركة مع جامعات اوروبية وأمريكية، مدعومة ماليا ومع كادر أكاديمي بشكل كامل أو جزئي، الأمر الذي يسهل اعتمادها من الجهات الرسمية ويسهل سرعة إنشائها.
• حاولت الجامعات رفع سعر الساعة المعتمدة في بعض البرامج وبشكل خفيف، وقد نجحت في تحقيق زيادة قليلة بعد مفاوضات واضرابات طلابية، انتهت بتفاهمات ايجابية على نسب ضئيلة، لكن ما يجدر ذكره هنا، أنها لم تستطع تحصيل كافة الاقساط كاملة مع بداية كل فصل دراسي، بل يتم تقسيط المبلغ على دفعات قد لا تدفع الا عند التخرج لنسبة غير قليلة من الطلبة.
• التركيز والاهتمام المتواصل في الحصول على مشاريع مشتركة مع جامعات محلية وعربية واجنبية من خلال برامج اوروبية مثل برنامج ايراسموس، و برنامج البنك الدولي في وزارة التعليم العالي، والذي قد تستفيد الجامعة منها ببعض الاجهزة الحاسوبية والمعدات المخبرية مع الاستفادة من الاحتفاظ المؤقت ببضع مئات ألوف الدولارات قبل ان تنفق حسب خطة المشروع أو المشاريع.
كل السياسات المذكورة سابقا، هي سياسات واجراءات تضرب النوعية وتضرب مقومات الجودة، فنسبة الطلبة لعضو هيئة التدريس الواحد زادت لتصل 1: 36 تقريبا، فانخفض مستوى الاداء، وانخفض مستوى التدريس وطرق التقويم للطلبة، فكيف يمكن بغير التلقين ان يتم التدريس في صف به أربعين أوخمسين طالب، وكيف يمكن أن يُقيم تحصيل الطالب بغير الامتحانات التقليدية، ففرص المشاريع او عمل عروض أو المناقشات معدومة، وبالتالي فإن العديد من المهارات سيتخرج الطالب دون ان يملكها، ومفتقدا ايضا للعديد من المعارف التطبيقية في صلب مجال التخصص. وعليه، يمكن القول أن الجامعات حافظت على استمراريتها لكنها لم تحافظ على مستوى النوعية المطلوب، بل تراجعت في الاداء، وتراجع مستوى الخريج بشكل عام. وقد يقول قائل: كيف يكون هذا ويذكر اسم بعض الجامعات الفلسطينية ضمن افضل خمسين جامعة في تصنيف QS العالمي للجامعات؟ والاجابة تكمن بأن معايير التصنيف لا تركز على الخريج ومستواه ومهاراته بل على قضايا اخرى.
يتضح مما سبق، أن الأزمة المالية وردة فعل الجامعات في التعامل معها ضربت انظمة الجودة والنوعية، وبالتالي ضربت مستوى الخريج ومستوى الناتج البحثي وعدده، وأحبطت كافة المشاريع الممولة من الخارج بعشرات الملايين والهادفة لرفع مستوى نوعية التدريس وتحسين الاداء، وعليه لا بد من تدخل سريع من قبل الجهات المختصة في السلطة الوطنية الفلسطينية لعمل التالي:
اولا: للحفاظ على مستوى نوعية عالي تحت اي معالجة ودعم مالي، لا بد من ضمان وجود معايير لتحقيق الجودة. هذه المعايير قد تضعها الوزارة المشرفة (هيئة الاعتماد والجودة أو اعتماد معايير اتحاد الجامعات العربية) ويجب أن تنسجم مع المعايير العالمية، حتى تضمن خريج منافس عالميا سواء للعمل أو لإكمال الدراسة في الخارج. مثل هذه المعايير يتعلق عل سبيل المثال لا الحصر: بنسبة عدد الطلبة لكل عضو هيئة تدريس متفرغ على مستوى بكالوريوس في كل كلية او برنامج، نسبة المدرسين المتفرغين من حملة الماجستير إلى أعضاء هيئة التدريس المتفرغين من حملة الدكتوراه، نسبة أعضاء هيئة التدريس غير المتفرغين إلى مجموع أعضاء هيئة التدريس المتفرغين، العبء التدريسي لأعضاء هيئة التدريس حسب الرتبة، وحجم الطلبة في الصف العادي والقاعات، عدد البرامج الملائمة لحاجة السوق والمجتمع مع اوزان مختلفة، نسبة الناتج البحثي السنوي المنشور في مجلات محكمة الى عدد اعضاء هيئة التدريس والباحثين في الجامعة وما شابه.
ثانيا: يتم حساب تكلفة الساعة المعتمدة على افتراض تطبيق هذه المعايير في جامعة ما وبشكل نظري، وتسمى هذه التكلفة في التعليم العالي بالتكلفة المعيارية للساعة، وبالتأكيد ستكون قيمتها اكبر بكثير من تكلفة الساعة على الجامعة في الوضع الحالي، وهذا يعطي فكرة عن حجم المصروف الذي يجب ان تصرفه الجامعة على الطالب حتى يأخذ حقه في التعلم ويتخرج بمهارات مكتسبة متنوعة.
ثالثا: يتم رفع الاقساط وبنسبة طفيفة لا تتعدى نسبة غلاء المعيشة المحسوبة من قبل الجهاز المركزي للإحصاء وبالتنسيق مع مجالس الطلبة، لتقليص نسبة العجز المالي ورفع نسبة مساهمة الاقساط في التكلفة التشغيلية. أما العجز المتبقي فيتم تغطيته من خلال سياسة تمويلية تتبناها السلطة الوطنية الفلسطينية والقطاع الخاص ومحاورها التالي: قرار بتحديد نسبة نصف بالمائة أو 1 % أو ما يراه خبراء المالية والاقتصاد في السلطة على قيمة الاستيرادات لشركات ومصانع معينة، تحديدا شركات السجائر والنفط ومن ثم تخصم من ضريبة الدخل جميعها او نسبة منها عند دفعها للخزينة العامة. وان لم تف بالغرض، فيمكن فرض رسوم (نصف دينار او دينار او..) على بعض انواع المعاملات الحكومية مثل تسجيل سيارة جديدة أو ترخيص سيارة من نوع معين وسنة معينة وهكذا، على أن تجمع هذه المبالغ في صندوق أو حساب مالي خاص لدعم التعليم العالي، ثم تكلف لجنة معينة من مجموعة من الخبراء في ادارة مؤسسات التعليم العالي ومن خارج مجلس التعليم العالي للقيام بتوزيع هذه المبالغ وفق آلية ومعادلة تضمن الجودة والنوعية والتطور المستقبلي لكل جامعة، وليس على المعايير أو على المعادلة المستخدمة حاليا والمذكورة سابقا. وبذلك يكون الدعم أداة لتحقيق نوعية وتطور وليس لسد العجز والبقاء على نفس المستوى في الاداء!!. فمثلا: اذا اعتمد معيار نسبة الطلبة لعضو هيئة التدريس 1: 20 في كلية ما، وكان عدد اعضاء هيئة التدريس 50 عضوا ومجموع الطلبة 1750 طالب، فان عدد الطلبة الذي يحسب ويدخل المعادلة هو 1000 طالب فقط . وهكذا بالنسبة لطريقة حساب كل معيار نوعي من المذكورة اعلاه. قد يؤدي هذا الى طمأننة الجامعة بأن المصاريف التشغيلية مغطاة لفترة طويلة، وتبدأ بالتفكير الجدي في تطوير مراكز البحث العلمي او بالفرق البحثية والتي تتنافس في تقديم مشاريع بحثية يتم تمويلها من صندوق خاص بذلك رأسماله من الفائض من مبالغ الضرائب والرسوم بعد توزيعها على الجامعات بآلية حكيمة تضمن النوعية والتطور معا.