الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

إسرائيل تطارد أبناء الشهيد ناجي العلي في مخيم الدهيشة

نشر بتاريخ: 19/05/2019 ( آخر تحديث: 19/05/2019 الساعة: 14:49 )

الكاتب: عيسى قراقع

بعد 71 عاماً على النكبة الفلسطينية
إسرائيل تطارد أبناء الشهيد ناجي العلي في مخيم الدهيشة

لم تحسم إسرائيل حرب النكبة عام 1948 حتى الآن برغم ما ارتكبته من تهجير وتطهير عرقي وإخفاء الناس والمكان بالقوة والمجزرة والمنفى، فهي لا تزال تقاتل وتحارب في شوارع مخيم الدهيشة للاجئين، تلاحق وتطارد أبناء الشهيد الفنان ناجي العلي، تلاحق الجيل السابع صغارا وكبارا شبانا ونساء وذكريات.

هذه الدولة الإسرائيلية لا زالت قلقة، كل حروبها التي تلت النكبة لم تحسم الوعي الفلسطيني الذي بقي صاحيا متمردا متوالدا متجددا لا يفنى ولا ينسى، كل الحروب والمعارك والبطش عادت باسرائيل إلى عام 1948 إلى نفس البداية، لم تنفع الحرب، لم تنفع إزاحة الخط الأخضر وخلق زمنين متباعدين ولغتين مختلفتين، لم ينفع قانون القومية والمطالبة بالاعتراف بالدولة اليهودية النقية، لم تنفع الاجتياحات والمذابح لاخفاء وجه المخيم في صبرا وشاتيلا وعين الحلوة ومخيم جنين والدهيشة والجلزون وبلاطة وقلنديا ومخيم الفوار ومخيمات الشاطئ والبريج واليرموك وعايدة وغيرها، لم تتحول وجوه اللاجئين إلى ظلال بعيدة، لقد ظل حنظلة الفلسطيني شاهداً، ظل ذاكرة تشتعل بماء الكبريت وحجارة الفقراء، لم يندثر اللاجئون في الشتات، كل الانتفاضات انطلقت من المخيمات.

بعد 71 عاما على النكبة الفلسطينية أعلن الناطق العسكري الإسرائيلي ان إسرائيل لم تنتصر حتى الآن على المخيم، وان ما عجز عنه السلاح يجب ان تحققه صفقة القرن الأمريكية، تفكيك وكالة الغوث وشطب حق العودة ودفن جروح اللاجئين تحت اسنان الجرافات والاسرلة والمستوطنات والامر الواقع، هذه المفاتيح تزعجنا، قال الناطق العسكري الاسرائيلي، هذه المفاتيح لها جسد ومشاعر واقدام وقلب وعقل، هذه المفاتيح صارت بنادق.

الجيش الاسرائيلي وقادته اطلقوا صافرة الانذار واعلنوا حالة الطوارئ بعد 71 عاماً على النكبة، لا زال أبناء الشهيد الفنان ناجي العلي أحياء طلقاء في شوارع المخيم: حنظلة وفاطمة والمسيح، ولهذا يبرر الناطق باسم الجيش أسباب تكثيف المداهمات والإعدامات والاعتقالات في المخيم ليل نهار، هناك مطلوبين، هناك أبناء ناجي العلي، أنهم كتيبة لاجئين، يلقون علينا الحجارة وقناني المولوتوف، لم نستطع تحرير شارع أو حارة في المخيم، حنظلة يقود كل عمليات المقاومة، نراه في كل مكان، يحمل الخيمة والمفاتيح والقيود، يحرض ويؤذن للثورة واسترداد الحقوق المسلوبة.

حنظلة أضاء شعلة العودة ليلة 15/5/2019 أمام بوابة مخيم الدهيشة، وغنى نشيد موطني ، وأهدى أغنيته إلى حيفا، الساحة امتلأت بالناس القادمين من كل الأوقات والأمكنة، أجيال متداخلة، حناجر واناشيد واحدة، تساءل الاسرائيليون كيف وصل مخيم الدهيشة الى مدينة حيفا؟ كيف وصلت ام سعد؟ وتجمع الناس والاماكن الاحياء والاموات والامواج واكتمل البيت والعائلة، حنظلة معه شجرة كل العائلات والسلالات ومفاتيح البيوت وجمرات الرماد، صار المخيم بقيادة حنظلة معسكر شامخ، أدار ظهره للمحتلين وكان وجهه نحو القدس، تبرز من رأسه أشواك الأرض، وجهه حاد كالسكين، طافح بالغضب، هو لا يملك الطائرات والمجنزرات والصواريخ، إنما يحمل ريشة وكوفية وألوان بسيطة وقطعة من ورق، أدوات بسيطة ولكنها صارت قنبلة.

الجيش الإسرائيلي أعلن ان حنظلة ليس فردا، بل هو تنظيم سياسي قائم بحد ذاته، له ذاكرة جماعية ونبوءة وقدرة على التحريض والتحشيد وتهييج البحر، وان حنظلة يظهر في المخيم في كل حارة وزقة وعلى كل رصيف، انه صوت الفقراء والمقهورين والمعذبين، يبني متاريس حجارة، يقدم وردة لجريح أو لأم شهيد، يظهر مع عائلات الأسرى والمعتقلين في خيام التضامن، حنظلة يقود المظاهرة إلى حاجز قبر راحيل، حنظلة حافي القدمين جاء من قعر المخيم، مرقع الثياب، مليء بالصمت البليغ، القلب العنيد، حنظلة كل هذا النشيد.

حكومة إسرائيل تطارد حنظلة، وتقول انه ليس طفلا كما يظهر، انه طفل كبير، انه كل طفل قادم، كل طفل نشأ على وعي بقضيته الكبرى منذ الطفولة، هو كل طفل يبحث عن الحب والعدالة والسلام، حنظلة هو خريطة فلسطين التي تحولت إلى بندقية، حنظلة ابن العشر سنوات يرفض ان يكبر حتى يعود إلى قريته التي طرد منها وهو في سن العاشرة، حنظلة اخطر طفل يهدد دولة إسرائيل، استثنائي لا يموت ولا يزول، حنظلة يعتبر العودة هي الحياة، من العودة يكبر فيه الطفل، تكبر فيه شجرة الزيتون والاحلام المباركات والاغصان، وينزل الأولاد عن اللوحات وجدران البيوت في المخيمات، حنظلة يظهر كشوكة النبات البري الفلسطيني، يوجع الاحتلال، الشاهد الحي على المأساة.

حكومة إسرائيل تطارد فاطمة ابنة ناجي العلي في شوارع المخيم، فاطمة الجميلة تظهر كقمر فوق ليل المخيم، فاطمة الشهيدة الأسيرة الجريحة، فاطمة البندقية والمغنية والعروسة والحبيبة، هي أخت الرجال كما قال عنها الشهيد ناجي، تساوي ألف زلمة، فاطمة التي لا تزال تعلق على رقبتها مفتاح البيت كرمز لحق العودة.

فشل جيش الاحتلال في اعتقال فاطمة، ظهرت مرة بثوب فلسطيني في مظاهرة، ظهرت في مسيرات العودة مع رزان النجار في غزة تسعف الجرحى، ظهرت في مخيم الامعري في خيمة عائلة أبو حميد بعد ان هدموا البيت، ظهرت في روح البحر المتوسط الذي حمل دلال المغربي إلى ساحل فلسطين، ظهرت فاطمة مع ليلى خالد وهي تبني جمهورية فلسطين المستقلة في السماء، فاطمة هي آيات الأخرس وإسراء جعابيص وربيحة ذياب وعهد التميمي هي ام مهيوب خنساء مخيم بلاطة وهي ام زكريا زبيدي في مخيم جنين، فاطمة كل النساء وكل البنات، على رأسها كوفية، فاطمة هي فلسطين، هي كل المدن في العالم، فاطمة رغيف الخبز في المخيم، هي أمك، هي الحليب والمدرسة والمعجزة.

قوات الاحتلال الاسرائيلي تطارد ابناء ناجي العلي في مخيم الدهيشة، تطارد المسيح، المسيح لا زال حيا، نزل عن صليبه، المسيح اللاجئ المقهور الجريح الأسير الشهيد المهجر المقاوم الفقير، جيش الاحتلال يرى في كل لاجيء مشروع مسيح منتظر، يحمل البشارة والرسالة والحجارة، اللاجئون هم المسيحيون الذين يمشون في درب ألامهم ويصرون على الوصول الى الحياة واعلان القيامة، المسيح في مخيم الدهيشة، خرج من الموت خرج من السجن، اتكأ على روحه وجروحه، المسيح في المخيم يضيء شجرة الميلاد، يولد مرة أخرى، ينزع المسامير من يديه ويهبط عن حبل المشنقة مشحونا بالنبوءة والحياة والصلاة.

حكومة اسرائيل تطارد ناجي العلي واولاده في مخيم الدهيشة لانها تخاف من قوة الذاكرة، تخشى هذه الجدة العجوز مع المفتاح وصورة البيت المهدوم في لوحات ناجي العلي وتراها اكثر تهديدا من مليون صاروخ وطائرة، اولاد ناجي العلي خرجوا من اللوحات ومن الزمن واستعادوا ذاكرتهم المسحوقة والمهددة والمطاردة وابرزوا قصة النكبة بهذا الصمود وبتلك الحجارة التي شكلت تهديداً لدولة عنصرية اقامت استقلالها فوق انقاض شعب بارتكاب المذبحة تلو المذبحة والكارثة.

اسرائيل تلاحق وتطارد ناجي العلي واولاده في مخيم الدهيشة، فصوت الحرية لازال عاليا في زمن مخيمات اللجوء، صوت ناجي العلي، لهذا ليس صدفة ان يكون يوم 22-7-1987 حيث اطلق الرصاص على ناجي العلي لاخماد صوته وقتل ابناءه يصادف قتل واغتيال الاسير علي الجعفري ابن مخيم الدهيشة يوم 22-7-1980 في سجن نفحة خلال الاضراب عن الطعام، سبع سنوات وناجي العلي يفتش عن الجعفري في شوارع المخيم وبين اسلاكه الشائكة، الموت هو صوت الحرية وقد اختار ناجي العلي الموت من اجل الانعتاق من الاستعباد والغياب كما اختار علي الجعفري الموت من اجل الكرامة والحرية والعودة.

ابناء الشهيد الفنان ناجي العلي ينزلون عن رسوماته في مخيم الدهيشة:
المسيح يمشي مصلوبا في الشوارع يتدلى من رقبته مفتاح العودة يفتش عن الاطفال المهجرين والغائبين، فاطمة تهتف: عائدون، وتقول: فلسطين بلادنا مش بس الضفة وغزة، فلتسقط كل السجون، يزنود الشعب اهتزي، حنظلة يصرخ في وجه الجنود: لن نرفع الاعلام البيضاء، لم نرفع سوى العلم الفلسطيني لحماية المخيمات.

بعد 71 عاما على النكبة حكومة إسرائيل تعلن انها لم تحرر مخيم الدهيشة، لم تنتصر في حرب 1948، لا زال أبناء الشهيد ناجي العلي أحياء، حنظلة وفاطمة والمسيح، المخيم كنيسة، المخيم جامع، المخيم خندق، المخيم ذاكرة، المخيم فاطمة ومخاض الولادة، المخيم يتصدى للدبابة، المخيم ينهض من كابوس التشرد والإبادة.