الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

في "الأصلانية" وفلسطينيين وليسوا بدواً

نشر بتاريخ: 21/05/2019 ( آخر تحديث: 21/05/2019 الساعة: 10:24 )

الكاتب: عبد اللطيف مهنا

يبدو أنه لا ينقصنا وقد تكسَّرت نصال التآمر على قضيتنا على النصال، وآخر طعناتها في مثل هذه المرحلة العربية المنحدرة باتت عربية اليد والجيب واللسان، إلا مثل هذه الدعوات المشبوهة والخبيثة المنطلق وبواعثه المستترة، والتي سرعان ما وجدت من يطبَّل لها ويزمّر من قاصري الوعي بين ظهرانينا، وبتشجيع مما يدعى "مؤسسات حقوقية إنسانية"، ولم تحظ حتى هذه اللحظة بمستوجب الرد المعترض على مراميها والمفنَّد لمقاصدها وخطورتها..
إنها الدعوات للاعتراف بما يصَّر الغزاة المحتلون منذ النكبة على اطلاق مسمَّى " بدو النقب" عليهم، وظل الاعلام العربي يردده ببغائياً من بعدهم، وأضيف لهم الآن "بدو المناطق"، والمقصود هنا الضفة الغربية.. الاعترف بهم ك"مجموعات اصلانية" وفق التعريف الدولي، بمعنى اعتبارهم ذوي حقوق هويَّاتية ثقافية وشيء من إدارات ذاتية، أي مثلهم مثل بقايا محميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة وكندا، وبقايا من لم ينقرض على أيدي المستعمرين الأوروبيين من شعوب استراليا ونيوزيلندة الأصليية.
أولاً، البداوة والفلاَّحية والتمدُّنية صفات اجتماعية بحتة وليست هويَّاتية، وهي تصنيفات انمحت أو كادت لدى غالبية شعبنا إثر النكبة فتحوَّلت إلى مجتمعات مخيّمات لجوء داخل الوطن والمنافي لا تنطبق عليها هذه الصفات.. في عزة مثلاً، أكثر من مليوني فلسطيني، ثلاثة ارباعهم هم لاجئون ولجئوا مما لا يقل إلا قليلاً عن ثلاثة ارباع الخارطة الفلسطينية، الأن من يستطيع التفريق هناك، لهجةً، وزياً، ومهناً، وعادات، بين أبن حيفا ويافا والمجدل وبيت دراس والمسمية والمنحدرين من عشائر تنتمي لقضاء بئر السبع؟!
وثانياً، قبل النكبة لم يك في فلسطين، والنقب تحديداً، بدواً رحلاً، بل عشائر ذات أصول بدوية تنتمى لخمس قبائل كبرى، وجميعها مستقرة على أراض تمتلكها وتزرعها وترعى فيها منذ ازمنة سبقت الإسلام وتمتد إلى أيام مملكة ماوية، وهي في غالبها "صفوف" أي تحالفات لفروع من قبائل عربية كبرى ممتدة في سائر انحاء الخارطة العربية.
.. ما تبقى منهم بعد النكبة على أرضه يعيش في معازل تحيط بها المستعمرات والمناطق العسكرية وتحولوا إلى عمال في هذه المستعمرات وأيدي عامله مسخَّرة في خدمة اقتصاد محتلهم.. إصرار الغزاة على إلصاق صفة بداوتهم كانت لسلبهم أرضهم وتصويرهم رحلاً لا من حق لهم بها، ولعزلهم عن باقي شعبهم في المحتل العام 1948، والذين صنَّفهم عرباً ودروزاً وبدواً وشركساً ومسيحيين.
"الأصلانية" هذه هي لعزلهم عن باقي شعبهم وابعادهم عن فلسطينيتهم وعلى حساب قضيتهم، أي تحويلهم من جزء من شعب يناضل لتحرير واستعادة وطن سلبه غاز مستعمر إلى جماعة شبه متحفية لها حقوق ثقافية خاصة بها وما يتيسر من حقوق إنسانية سقفها أقصاه ما قد يرفعها إلى مستوى ما هو سانح لسكان ما تبقَّى من محميات الهنود الحمر..
..هي حرب على وعيهم، يستميت الصهاينة، يشاركهم اسناداً كل الغرب، وهو الوصول بالصراع إلى حيث تصوير مسأله حق الشعب الفلسطيني وأمته، والنقبيون جزءً لا يتجزء منه ومنها، في التحرير والعودة، يساوي مطالبة الأستراليين من احفاد المستعمرين مغادرة استراليا وتركها لبقايا شعوبها التي نجت من الإبادة !
هذه الأصلانية تصفوية وحتى بدون "صفقة قرن". وفوقه، هي مستحيلة، ولا محل لها من الإعراب في مواجهة "يهودية الدولة" وفق زعم دعاتها، لجهة تناقضها أصلاً مع الاستراتيجية الصهيونية التي لم ولن تتبدَّل منذ أن وضعت في مؤتمر بازل نهاية القرن الما قبل المنصرم. لن يقبل الصهاينة المستعمرون الإحلاليون الاعتراف بجماعة اصلانية ما بين النهر والبحر وهم الذين يدعون بناء الإهرامات.. ومستحيلة لن صراعنا تناحري وصراع وجود لا حدود.. ولا تنسوا لولا الانهزامية العربية، ومعطوفاً عليها كوارث التسووية الأوسوستانية، لما وصلنا لمرحلة ترويج هكذا وصفات آخرها وليست الأخيرة هذه "الأصلانية".. لا خيار إلا حيَّ على المقاومة..