الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المبادرات ... إلى أين؟!

نشر بتاريخ: 23/05/2019 ( آخر تحديث: 23/05/2019 الساعة: 11:50 )

الكاتب: د. سهير قاسم

تحمل في مضامينها لبّ التربية وعمق الأداء والتّميز كما تحمل عنوان التغيير والاستدامة ليس على المستوى النظريّ فحسب بل على أرض الواقع وفي السياق الحياتي، تنبع من عمق العمل إنها المبادرة التي نتطلع إليها بصورة فعلية وحقيقية بعيداً عن كونها باتت تسيطر وتطغى على مساحات واسعة من مهماتنا وإنجازاتنا فنشهد لها التسويق والتصفيق وتتجسد في الخطط وفي مراحل التنفيذ ليزداد عدد المبادَرات وأعداد المبادرين على اختلاف أنواعها وأشكالها في المجالات العديدة وعلى المستويات كافة، فهل ظاهرة الانتشار الحالية واقعية؟!
إن فكرة المبادرات ومأسستها وتفعليها دون شك ظاهرة إيجابية ولا يعني النظر إليها بعين النقد أنها تحمل الجانب السلبي فقط، فقد تُصبح إضاءات جديرة بالاهتمام إذا ما استُثمرت بصورة صحيحة وربما تصل بنا إلى التطوير والتحديث على مستوى نظام يقودنا إلى التغيير الإيجابي وفقاً لمجالاتها شريطة أن تنطلق من أسس فعالة بمعايير وبمنهجية علمية بعيداً عن العشوائية أو مجرد الوقوف عند مجرد الظهور الذاتي أو الشخصي لأفراد أو حتى لمؤسسات ومراكز رسمية وغير رسمية! أو ربما تُسهم في إبعاد أصحابها عن المستهدفين بالعمل فيها، من خلال ابتعاد موضوعاتها عن مجال العمل الذي يجب أن تجري في إطاره وسياقاته.
والاهتمام بالمبادرات مؤشر التّحول والترجمة الفعلية للنوعية وحسن الأداء من أجل النهوض بالمجتمع الفلسطيني خاصة إذا وُجهت إلى شرائح مهمة في مجتمعنا ليكون بمقدورها التشارك والإنجاز بما يصبّ في الصالح العام مما يتطلب الاهتمام بالإنجازات الفردية أو الجماعية في سياق البيئة الحياتية من خلال تعزيز مهارات التواصل والعمل التشاركي بالتأمل والتأمل الذاتي لتحقيق الاستدامة والقدرة على التنافس الفعال وتكون حاضنة رئيسة وفاعلة في مجتمعنا الفلسطيني لكل أداء بناء.
وتتطلب المبادرة وجود الرغبة الحقيقية لدى المبادرين الذين يسعون إلى التغيير كمحصلة لمبادراتهم لا مجرد الوقوف عند تحقيق نصر أو مكسب آني قد يفيد وقد لا يفيد في ظل عدم استثماره بالصورة الصحيحة مع تأكيدنا أهمية التنافس الإيجابي، ولكن من الأهمية بمكان الحفاظ على ذلك الإنجاز. فماذا لو تأملنا ما يجري على أرض الواقع وتساءلنا عن معايير هذه المبادرات، فهل هذه المعايير المتوافرة تنسجم والإبداع؟ هل المبادرة ذات أهداف استراتيجية تشير إلى التميز بأهداف واضحة ومحددة ضمن منهجية علمية قادرة على إبراز دورها في إحداث التغيير البناء؟ أم إنها اتخذت الجانب التقليدي لتحقق أهدافاً قصيرة وربما شكلية تعددت مرجعياتها وأهدافها وغاياتها دون جدوى!
وتعدد المرجعيات يقلل من شأن المبادرة ويجعلها عرضة للمخاطر في المؤسسة الواحدة كما يؤدي إلى التشتت والابتعاد عن تحقيق الهدف وفق حاجات المجتمع؟ فلماذا لا تجتمع خيوط الاستراتيجية وتتوحد لتكوين مرجعية ثابتة ليس على المستوى العام فحسب بل على مستوى أصحاب القرار للخروج بوثيقة واضحة المعالم يكون بمقدورها النهوض بالنظام ونحو المأسسة الفعلية الجادة والمأمولة؟
والعمل وفق معايير مشتتة يقود المبادرات وأصحابها إلى اليأس أو الاحتراق سواء الذين يبذلون الجهود ثم لا يجدون لأنفسهم طريقاً إلى النجاح أو أصحاب المبادرات التي حققت النجاح الآني؛ إذ تموت مبادراتهم ولا تُستدام، فهل تتم رعايتها لاحقا أو متابعتها؟ هل تُستكمل وتتابع! أم تموت بمجرد الحصول على المكسب، أليس من خصائص المبادرة الحقيقة أن تستمر لإحداث التغيير المنشود في البيئة التي وُجدت من أجلها.
علينا التنبّه إلى هذه المخاطر فالعاقبة ذات مردود سلبي باعتبار أن التحفيز سلاح ذو حدين: الأول قد يقود إلى التطور، والثاني قد يؤدي للإحباط والتقوقع حول الذات في ظل كثرة نسبة الخطأ في التقييم أو الابتعاد عن المعايير الدقيقة. ومن الوجهة الأخرى، هل تقنين المبادرات يكون بكثرة العدد أو بتنوعها ...، أم أن الأهم هو التركيز على النوعية والتميز ضمن خصائص المبادرة الحقيقية؟! فهل تحقق كثرة عدد المبادرات، التي يفرح بها الكثيرون، النوعية أو التطور أو تقف عند الإنجاز الذاتي والمصلحة الخاصة؟! هل تقتصر المبادرة على كونها مجرد مسابقة حققت أهدافاً ذاتية ثم عانت الموات ولا تقوى على الحياة! ألا يتعارض ذلك مع عنوانها وأهدافها المتوقعة لإحداث التغيير بغض النظر عن حجم ذلك التغيير!
من الضروري تأمل العلاقة ما بين المبادرة وتطوير النظام، فهل طبيعة العلاقة تكاملية وتقود إلى المأسسة والتطوير؟ تساؤلات كثيرة تتطلب البحث والتفكير برويّة وعمق على مستويات عامة ومؤسساتية ولا تتطلب الإجابات العشوائية، وإن كنت أخص المبادرين الذين تقع على عاتقهم المسؤولية في تقديم التغذية الراجعة البناءة، حيث إنهم من كتبوا وبحثوا فالفرص متاحة أمامهم للنقد الذاتي والتأمل في تجاربهم وإنجازاتهم خاصة.
إن الإرادة والرغبة متوافرة لدراسة الواقع وتجنيب المبادرات خطر أن أصبحت مجرد فرقعات تنتهي بتحقق نصر آني، الأمل كبير في نسج معايير نفاخر بها بعيداً عن الروتين الدوري العقيم الذي لا يتيح حتى مجرد التفكير بالإنجازات ليستمر التسابق مع الزمن عاماّ بعد عام، إن الحاجة ملحّة لإعادة تعريف المبادرة ومرجعياتها بوضوح وبآليات تعزز التشارك الفعال الذي يتوافق مع السياسة العامة وحاجة المجتمع الحقيقية بتكامل يستهدف الجميع دون استثناء لتصبح المبادرات مستدامة وأكثر ارتباطا وقدرة على الحياة والعطاء في المجتمع الذي تترعرع فيه وتنمو؟!