الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التناقص في أعداد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة

نشر بتاريخ: 12/06/2019 ( آخر تحديث: 12/06/2019 الساعة: 13:00 )

الكاتب: د. فاهوم الشلبي

يتقدم طلبة الصف الثاني العشر (الصف الاخير في المراحل الثانوية المدرسية)، ومن كافة الفروع (علمي، أدبي، زراعي، صناعي، تجاري، تمريضي وفندقي الخ) في نهاية السنة المدرسية، شهر حزيران عادة، لامتحان عام يسمى "توجيهي وحديثا إنجاز". هذا الامتحان من تأسيس وزارة التربية والتعليم الاردنية خلال فترة إشراف الحكومة الأردنية الإداري على الضفة الغربية 1948-1967. وبقي معمولاً به خلال فترة الحكم العسكري الإسرائيلي لكن بتنفيذ لجنة امتحانات عامة فلسطينية، وعند استلام وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لشؤون التعليم عام 1994، باشرت بنفسها بتقديم هذا الامتحان الذي يقيس مهارات الطالب الأساسية خاصة المعرفية في كافة الموضوعات التي درسها (curriculum based) وهذا يفسر وجود عدة فروع للامتحان ويفسر اختلاف أسئلة الامتحان كمضمون باختلاف التغيرات في المنهاج.
هذا الامتحان على غاية من الأهمية من منظور الطالب، حيث يحدد قبوله أو عدم قبوله في مؤسسات التعليم العالي وبرامجها المختلفة، ويكاد يكون المعيار أشبه بالوحيد الذي تعتمد عليه وزارة التربية والتعليم العلي ومؤسسات التعليم العالي في اختيار طلبتها، على سبيل المثال: لا تسمح الوزارة لمن معدله العام اقل من 65% من خريجي الثانوية العامة الالتحاق في الجامعات الفلسطينية إلا في برامج محددة، ومع ضيق القدرة الاستيعابية للجامعات الفلسطينية قياساً لحجم الطلب ترتفع شروط قبولها لتصبح على سبيل المثال علامة 85 % هي الحد الأدنى لمن يقبل في العلوم الإدارية عند بعضها (طبعا هذا قبل سنوات وليس الان كما يري المقال).
وفقاً لما تقدم، يهم مجلس التعليم العالي، وصناع القرار في الوزارة الوقوف على نتائج الثانوية العامة في فلسطين لتعرف المصير الأكاديمي لطلبة التوجيهي ، ولتقف أمام مسؤولياتها في هذا المجال. وكذلك يهم أولياء الأمور لتوجيه ابنائهم الى المكان والبرنامج المناسب لإكمال الدراسة. وما يلفت النظر ويحتاج الى تفسير من صناع القرار والمسؤولين هو التناقص في أعداد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة خلال العقد الزمني الحالي مقارنة بالتزايد خلال العقد الزمني السابق، فإحصائيات وزارة التربية والتعليم تشير إلى أن عدد المتقدمين لامتحان التوجيهي عام 2002 هو 50799 ، وعام 2003 هو 56441 أي بنسبة تزايد حوالي 11%، وفي عامي 2004 و 2005 تقدم للامتحان 58816 و 63750 طالب وطالبة على التوالي، بينما نجد عدد المتقدمين للامتحان في عام 2015 حوالي 80000، وفي عام 2016 تناقص ليصل 77772، وعامي 2018 و2019 كان العدد حوالي 77000 و76130 على التوالي. أي بنسبة تناقص تزيد عن 5% خلال أربع اعوام. هذا التناقص يؤشر الى وجود نسب تسرب عالية من المدارس خلال سنوات العقد الحالي، ويجب حصره ومعرفة أسبابه خاصة وأن احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء تشير ان نسبة النمو السكاني السنوي في فلسطين تزيد عن 3%.
إن التعليم الأساسي في فلسطين (صف اول حتى العاشر) يعتبر الزامي ولا يجوز التسرب خلال هذه المرحلة إلا لأسباب هجرة خارج الوطن مع امكانية مواصلة الدراسة في الخارج، أو للوفاة و/أو عارض صحي و/أو اعتقال عسكري ، وعليه جاءت التقارير المحلية في التعليم لتؤكد أن نسب التسرب في هذه المرحلة ضئيلة جدا، بينما في المرحلة الثانوية (صف حادي عشر وثاني عشر) فهي أعلى بقليل عما هي في المرحلة الالزامية (وقد بلغت نسبة التسرب في مرحلة التعليم الأساسي في العام الدراسي 2014/2015 حسب الجهاز المركزي للإحصاء حوالي 1.5% بين الذكور مقابل 1.1% بين الإناث. وفي المرحلة الثانوية بلغت هذه النسبة 2.1% بين الذكور مقابل 1.8% بين الإناث). كل هذه المعطيات تقود الى التساؤلات التالية:
1- لماذا يتناقص عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة خلال سنوات العقد الحالي، بينما تزايد العدد خلال سنوات العقد السابق له؟
2- هل نسب التسرب في العقد الحالي تفوق كثيرا نسب التسرب في العقد السابق؟
3- إذا كانت الإجابة بنعم على السؤال السابق، فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك: هل انخفض مستوى تحصيل الطلبة بشكل عام في المدارس مقارنة بالسابق؟ هل تدنت قيمة التعليم أكثر من وجهة نظر الطلبة ؟ هل الوضع الاقتصادي للعديد من الأسر ازداد سوءا مقارنة بأعوام سابقة؟ هل ازدادت حدة تمايز المعلمين للطلبة داخل المدارس؟ هل اداء المعلمين اختلف خلال العقدين؟ هل لتسارع انتشار الشبكة العنقودية أثر سلبي على مستويات التحصيل؟ وكلها عوامل ذات صلة بتسرب الطلبة.
4- هل من أثر سلبي لهذا التناقص على سياسات القبول في مؤسسات التعليم العالي؟
5- طالما ان التعليم الأساسي إلزامي، أين دور السلطة الوطنية والسلطات المحلية في منع التسرب؟ أين دور مجالس الآباء؟ وأين دور مؤسسات المجتمع المدني؟
قد يكون معرفة نسب التسرب أمرا سهلا، لكن من الصعب حصر الحالات كل على حدة للقيام بالمعالجة وإلزام الطالب أو الطالبة المتسربة للعودة الى الصفوف الأساسية. في هذا المجال، يقترح الباحث أن تقوم وزارة التربية والتعليم بإعطاء كل طالب التحق بالصف الأول رقم مكون من 11 خانة أو أكثر على أن يكون ذو دلالة، بحيث مثلا تخصص خانة لتدل على جنس الطالب وخانتين على المحافظة وثلاث خانات رمز للمدرسة الملتحق بها داخل المحافظة، وهكذا على أن يؤخذ بالاعتبار ان هذا الرقم سيكون هو نفسه الذي سيستخدم عند الالتحاق بالجامعة أو الكلية الجامعية او المتوسطة ؤبالتنسيق مع مؤسسات التعليم العالي، مع اعطاء الخانتين الأولى والثانية رمز صفر لكل منها ليتم تعبئتهما عند الالتحاق بالكلية أو الجامعة برمز معين لكل منها بما فيها رمز لمؤسسات الخارج، وبذلك يتم متابعة وتتبع كل طالب منذ التحاقه بالصف الأول الأساسي وحتى تخرجه من الدراسات العليا الجامعية داخل الوطن وخارجه .
لا يفوتنا هنا توضيح تركيبة وتوزيع أعداد المتقدمين للامتحان حسب الفرع ومعدل نسب النجاح لأعوام سابقة، حيث شكل المتقدمون من الفرع الأدبي حوالي 70% - 76% من مجموع المتقدمين وهم بذلك أكثر من ثلاثة أضعاف المتقدمين من الفرع العلمي (18% - 22%). أما الباقي (2% - 9%) فهم من بقية الفروع وأغلبهم من الفرع التجاري وأقلهم من الفروع التقنية. هذه التركيبة سوف تعكس نفسها على مدخلات التعليم العالي وهي المسئولة عن قلب الهرم الطلابي في التعليم العالي والمتمثلة بكبر حجم قاعدة طلبة البكالوريوس في التخصصات الأدبية الإنسانية وصغرها الحاد لطلبة الدبلوم المتوسط. نعم يوجد نمو في أعداد الطلبة المتقدمين للفرع المهني لكن العدد الكلي يبقى صغير ، إضافة إلى أن النمو الحاصل يتركز في الفرع التجاري على حساب الفروع الأخرى، وهذا الفرع (التجاري) هو أقرب من حيث المنهاج للأكاديمي (اختلاف في بعض المساقات المتعلقة بالطباعة وبرامج حاسوب إدارية) وغالبا لا يعطى في مدرسة مهنية خاصة بل في ظل مدرسة أكاديمية عادية ، وبالتالي ، فإن الخريج من هذا النوع غالبا ما يلتحق في برامج كلية التجارة والاقتصاد في الجامعات التقليدية وليس في برامج دبلوم متوسط تقنية فنية. أما نسب النجاح فقد بلغت في الفرع العلمي حوالي (83% - 87%) وهي أعلى بكثير من مثيلاتها في الفرع الأدبي والفروع الاخرى ( 52% -58%) و(50% - 53%) على الترتيب .
هذه المؤشرات تقود إلى التساؤلات التالية:
أولا: ما المصير الأكاديمي للراسبين والبالغ عددهم عشرات الألوف ؟ كم منهم سيعيد الإمتحان مرة اخرى؟
ثانيا: ما الأسباب الكائنة وراء انخفاض أعداد المتقدمين في الفروع المهنية ؟ ما أسباب فشل تطبيق خطة تطوير التعليم المهني والتقني ؟
ثالثا: لماذا الفرع الأدبي يأخذ حصة الأسد من الطلبة؟ إلى متى سيتم هذا الوضع؟
رابعا: من الذي يتحكم في فرز الطالب ليكون في الفرع الأدبي أو العلمي أو المهني ؟
خامسا: ما دور وزارة التربية والتعليم في عملية فرز الطلبة في الفروع المختلفة ؟ وما هي أفضل نسب تطمح الوزارة إلى تحقيقها في الفروع المختلفة مستقبلا ؟ أم هل تطمح الى إلغاء الفروع مستقبلا؟
في تقديري، يرغب الألوف من المواطنين الغيورين على التعليم في ايجاد اجابات شافية لهذه الأسئلة، ويأملوا من الوزارة المختصة أن يتم طرحها في ندوات يعلن عنها حتى يتمكن التربويون والباحثون والأكاديميون والمهتمون بالمشاركة، على أمل الخروج بتوجهات وخطط عملية ترفع مستوى التعليم وقيمته.