السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فيلم اميركي مستمر: الخديعة مجددا!

نشر بتاريخ: 14/06/2019 ( آخر تحديث: 14/06/2019 الساعة: 21:15 )

الكاتب: زاهر أبو حمدة



ايران ضالعة. المنفذ معروف، الاثباتات دامغة والدليل فيديو يُظهر "حرس الثورة" يُزيل لغما غير منفجر من جانب إحدى ناقلتي النفط في بحر عُمان. بعيدا عن الحادثة وما تبعها من اتهامات، تبقى الامور تحت السيطرة وعدم الانزلاق الى حرب مباشرة، لاسباب متعددة اهمها القدرة العسكرية الايرانية ونقاط الضعف عند الولايات المتحدة وحلفائها في الاقليم. لكن المطلوب حاليا رفع منسوب التهديد لفرض الشروط قبل المفاوضات وفي خلالها، ولذلك بدل اتهام ايران المباشر يصبح طرف ايراني المنفذ من دون علم القيادة. سيمفونية يعزفها الغرب عند كل ترويض دولة او جماعة تواجهه.

قبل حادثة بحر عمان، سقط صاروخ "كاتيوشا" في محيط السفارة الاميركية في بغداد. توجهت اصابع الاتهام نحو ايران واعوانها في العراق، لتثبت المعلومات لاحقا ان طرفا "شبحا" غير محسوب على خصوم طهران وراء الصاروخ اللقيط. وقبلها حادثة الفجيرة، والتحقيقات لم تكشف المخطط والمنفذ؛ إلا أن التصعيد بالنار والعمليات الغامضة له ابعاد اشمل من تشويه سمعة ايران والضغط عليها. المقصود هو تهيئة الرأي العالمي والمسرح الدولي للسيناريوهات كافة ومنها العدوان المباشر على جغرافية ايران الطبيعية والسياسية.

يذكر التاريخ أن الخديعة الغربية لشن حرب او تحقيق هدف، موجودة بوقاحة والارشيف يعج بالحوادث الكاذبة والافلام السياسية الهوليودية؛ ابرزها:

- الحرب الأميركية على إسبانيا عام 1898 للاستيلاء على جزر الكاريبي: بدأت بذريعة تفجير الأسبان لسفينة أميركية. ليتبين بعد 82 عاما، وباعتراف أميركي، ألا علاقة للأسبان بذلك التفجير وإنما ما حصل هو انفجار محركات داخل السفينة ذاتها.

- الدخول الأميركي إلى الحرب العالمية الأولى عام 1915: قصف الألمان البارجة الأميركية "لوسيتانيا" ودمروها، ليتبين فيما بعد أن السلطات الأميركية سربت معلومات لجيش الرايخ الثالث عن تلك البارجة لتدميرها وقتل البحارة الأميركيين بداخلها، لإيجاد مبرر للانخراط في الحرب العالمية ضد دول المحور آنذاك.

- معركة بيرل هاربر عام 1941: دخلت بسببها واشنطن الحرب العالمية الثانية ضد اليابان وألمانيا وإيطاليا. تبيّن لاحقاً أن القيادة الأميركية العليا كانت تملك معلومات دقيقة عن موعد الهجوم وحجمه قبيل وقوعه لكنها لم تضع القيادة المركزية في هاواي بصورة المعلومات لتفادي الخسائر الكبيرة الناجمة عنه، وبشهادة قائد الموقع نفسه فيما بعد.

- أمر احتلال كوبا في مطلع الستينات، المعروف بخليج الخنازير: كشفت وثيقة للاستخبارات المركزية الأميركية (كُشف عنها بعد مرور المهلة المعروفة على إبقائها سرية) أنها وضعت جملة سيناريوهات تبرّر غزو كوبا، منها تفجير سفينة أميركية قرب الساحل الكوبي، واتهام الزعيم فيديل كاسترو بها، أو شن هجوم على مخيمات اللاجئين الكوبيين في ديامي وقتل عدد منهم والإيحاء بدور الاستخبارات الكوبية في ذلك، أو تحضير طائرة من دون طيار تحمل رقم طائرة مدنية، وتنطلق في التوقيت ذاته مع طائرة مدنية، ثم يتمّ إنزال طائرة مليئة بالركاب بأسمائهم المستعارة، ثم يجري تفجير الطائرة الأخرى من دون طيار واتهام السلطات الكوبية بذلك.

- حرب اميركا ضد فيتنام: أدعى وزير الدفاع الاميركي آنذاك (عام 1964)، روبرت ماكنمارا، أن الفيتناميين أغرقوا سفينة "مادوكس" الأميركية، في خليج تونكين الفيتنامي، وانتزعت شهادة حكومة سايغون العميلة المؤيدة لاتهامهم، فكانت حرب مديدة قتل فيها 4 ملايين فيتنامي وعشرات الآلاف من الأميركيين ليخرج بعد 40 سنة ماكنمارا نفسه ليعلن أنه لم يكن هناك سفينة أميركية في خليج تونكين.

- محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن لتبرير الاحتلال الاسرائيلي للبنان عام 1982: لم تكشف تماما اذا كانت حركة فتح/ المجلس الثوري اتخذت قرارها بتوجيهات من زعيمها ابو نضال، أو بأوامر استخباراتية اخرى لا سيما وانه مع الوقت يتضح ارتباطات الجماعة مع وكالات استخباراتية ومراكز قوى وقرار اقليمية ودولية.

- الحرب على العراق: إبلاغ واشنطن للرياض عن وجود 250 ألف جندي عراقي مع دباباتهم على الحدود الكويتية - السعودية عام 1990، بهدف الغزو، وذلك لإفساح المجال للبنتاغون أن يقيم قواعده العسكرية في السعودية ودول الخليج، ليتبين فيما بعد، وفي صور التقطتها أقمار صناعية أنه لم يكن هناك دبابة واحدة أو آلية أو رجل واحد على تلك الحدود، ومن تلك الأكاذيب شهادة ممرضة كويتية في واشنطن عن وحشية الجنود العراقيين وقتلهم لأطفال رضع في مستشفى كويتي ليتبين فيما بعد أن تلك الممرضة لم تكن إلاّ ابنة سفير الكويت في الولايات المتحدة الأميركية آنذاك. اعتذر وزير الخارجية الاميركي كولن باول، عما قدّمه من أفلام ووثائق عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق وإن الشهادة برمتها كانت من صنع واحدة من أكبر الشركات الإعلامية الأميركية (هيل ونولتون)، تماماً كما كان لشركة مماثلة دور في ترتيب تظاهرة صغيرة جاءت إلى بغداد وعملت على تحطيم نصب للرئيس العراقي صدام حسين، بل ليقول البعض إن المشهد كله كان مصوراً قبل حدوثه، ليكون جزءاً من الحرب الإعلامية التي أسقطت العاصمة العراقية قبل سقوطها فعلاً عام 2003.

- الحرب على افغانسان: كشفت وثائق أميركية عدّة أن خطة الهجوم عليها وضعت قبل أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وانها كانت موضوعة على طاولة بوش الابن في 10 أيلول/سبتمبر، ووضعتها شركة النفط الشهيرة "UNOCAL" بعد فشل مفاوضاتها مع حركة "طالبان" للسماح لها بإنشاء خط أنابيب غاز من دول بحر قزوين إلى المحيط الهادئ. قال مسؤولو الشركة لطالبان، حينها: إما أن نغطيكم بالذهب أو بالموت فما عليكم إلا الاختيار. والاهم أن رئيس أفغانستان ما بعد الاحتلال، حميد كرزاي، كان أحد أبرز مستشاري الشركة.

ولأن التاريخ يتكرر بصور مشابهة، يبدو ما يحصل مع ايران حاليا ضمن مشروع اكبر لا يعرف كيف ينتهي الا انه فيلم اميركي اخر بدأ اخراجه.