السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطينيون بين الاحباط والتمرد

نشر بتاريخ: 26/06/2019 ( آخر تحديث: 26/06/2019 الساعة: 18:33 )

الكاتب: عوني المشني

يكاد محمود درويش أن يكون لسان حال الفلسطينيين في مواجهة صفقة القرن وتبعياتها عندما صرخ بحزن عميق "يا وحدنا"، وربما تتشابه الظروف التي جعلت محمود درويش يقول هذا، فقد قالها بعيد حرب لبنان ١٩٨٢ التي حارب الفلسطينيين اقل من ثلاث شهور بقليل لوحدهم وبدون أي إسناد عربي. والحال بالحال تذكر فالفلسطينيين الان يواجهون صفقة القرن بشعور انهم وحيدين خاصة بعد موافقة الاردن ومصر على حضور المؤتمر الاقتصادي في البحرين والذي يمثل احد تجليات صفقة القرن التي يرفضها الفلسطينيين ، هذا الشعور بالوحدة والاغتراب الذي ينتاب الفلسطينيين يدفع الفلسطينيين باتجاهات قد يصعب قراءتها ، في حرب لبنان فان خروج الفلسطينيين من لبنان دفع الفلسطينيين لنقل مركز الثقل من لبنان الى الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا شكل احد اهم عوامل تفجر الانتفاضة الاولى سنة ١٩٨٧ ، قد يبدوا للوهلة الاولى ان الخيارات الفلسطينية اليوم أضيق ، ولكن لا احد يعرف كيف يبدع الفلسطينيين ردودا على انغلاق الأفق أماهم ، الحصار في غزة وامام انغلاق الأفق ابدع الفلسطينيين مظاهرات السياج وتبعاتها من البالونات الحارقة وغيرها ، في الضفة الغربية وامام تغول الاستيطان وارتفاع منسوب القتل الاسرائيلي ابدع شكل "الذئاب المنفردة".
الفلسطينيين يعانون اكثر من "الشهور بالاغتراب" فهم يعانون الشعور بالتغول الاسرائيلي النابع من الدعم الامريكي الغير محدود لسياسات اسرائيل التوسعية، هذا الشعور قتل الآمال او الاوهام التي علقها الفلسطينيين على اوسلو بانه يمثل البداية للخلاص من الاحتلال، يشعر الفلسطينيين بانغلاق الأفق تماما، هذا الشعور دفع البعض من النخب الفلسطينية خاصة من المثقفين باتجاه الدولة الواحدة، لكن بالمقابل هناك ممن هم في صلب السلطة الفلسطينية من يعتبر هذه المرحلة "حالة مؤقته" تنتهي بانتهاء فترة حكم الرئيس الامريكي ترامب، وهم يراهنون على عدم اعادة انتخابه، ورغم فشلهم في المراهنة على سقوط نتنياهو في الانتخابات الا ان ذلك لم يحد من تطلعهم بان اعادة الانتخابات الاسرائيلية قد يسفر عن خلط الأوراق مما يغير في المشهد السياسي.
الهم السياسي ليس هو الوحيد الذي يؤرق الفلسطينيين، فالضغوط الاقتصادية التي تمارسها الادارة الامريكية ضد السلطة الفلسطينية ينعكس على الجمهور الفلسطيني، فالوضع الفلسطيني في تراجع مستمر، تفاقم البطالة خاصة في أواسط الخريجين، وتقليص صرف الرواتب كل هذه الظروف تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، اكثر من هذا فشعور الطبقات المسحوقة من الفلسطينيين بعدم المساواة وغياب تكافىء الفرص في الوظائف والفساد في النخب السياسية هذه المظاهر زادت من الاحتقان وجعلت المجتمع الفلسطيني اشبه بمرجل يغلي. وكما قيل في المثل العربي فان "المساواة في الظلم عدالة" فان الفلسطينيين يشعرون ان الازمة الاقتصادية تقع على الطبقات الفقيرة بينما يزداد ثرى الطبقات الثرية عبر مزيد من الاستغلال والنهب لهم، والأكثر الما للفلسطينيين انهم يشعرون ان السلطة الفلسطينية تحابي الطبقات الثرية على حسابهم وبدون اي مساواة في تحمل الازمة وهذا ما يفاقم الشعور بالظلم.
واضح ان هناك حالة احتقان داخلي في المجتمع الفلسطيني ولكن رغم ذلك فان الفلسطينيين توحدوا بمختلف اتجاهاتهم في رفضهم الكامل لصفقة القرن وبدون اي مظاهر اختلاف والسبب في ذلك وجيه وهو ان الصفقة بما تسرب منها وبما يشاهدونه على الارض من سياسات امريكية لم تترك للفلسطينيين اي شيئ يختلفون حوله، يريدون القدس عاصمة دولة اسرائيل ويريدون توسيع الاستيطان الى حد ضم الضفة الغربية او اجزاء منها يريدون تصفية قضية اللاجئين، ولا يوجد دولة فلسطينية حقيقية، وامام هذا الوضع كيف سيختلف الفلسطينيين على رفض الصفقة؟!!!
وعلى جانب اخر يشعر الفلسطينيين بالفخر بانهم وحدهم ودون غيرهم يواجهون سياسات اقوى دولة في العالم، يَرَوْن رئيسهم ابو مازن الوحيد ربما في العالم الذي يجاهر بتحدي الولايات المتحدة الامريكية وبصوت عالي وألفاظ جارحة وبدون خوف، هذا يعزز الشعور بالكرامة والفخر لدى الفلسطينيين، احد الفلسطينيين يقول: نحن لسنا روسيا او الصين ولكننا نقود العالم ضد ترامب. ومع كل المبالغة في هذا القول الا انه يعبر عن شعور الفلسطينيين اتجاه أنفسهم. وربما ان الأمريكيين أنفسهم يعززوا بطريقة او باخرى هذا الشعور، فعندما يغرد غرينبلانت على تويتر بان حركة "فتح" !تفشل صفقة القرن فان ذلك يساهم الى حد كبير بتضخيم إلانا الفلسطينية الى حد ان الفلسطينيين باتو مقتنعين الى حد كبير بانهم افشلوا صفقة القرن.
اختلاط مشاعر المعاناة الفلسطينية مع مشاعر متضخمة بالعزة شكلت حالة فلسطينية مفتوحة على كل الاحتمالات، نستطيع القول ان الاحباط هو شعور فلسطيني عام تجده في حديث الفلسطينية ولكنه احباط ليس بالضرورة ان يؤدي لليأس، فادراك الفلسطينيين ان قيادة الجمهور الاسرائيلي غير معني بالسلام جعل الفلسطينيين يبحثون في اتجاهات مختلفة، ليست المقاطعة هي الطريق الوحيد ولا المقاومة ايضا، هناك ايضا النزوع للمقاومة الفردية، الغير واضح حتى الان هو الى ماذا سيؤدي هذا الوضع !!!! قدرة الفلسطينيين على التكيف مع المصاعب عالية، والتجربة زودتهم بالكثير في هذا المجال، لكن في النهاية لا بد من مخرج، احيانا كثيرة يبدع الفلسطينيين حلولا غير تقليدية وليست متوقعة، هي حالة فلسطينيك فريدة، ولكنها عبر التجربة اثبت جدواها، الانسداد في الوضع الفلسطيني السائد يسير باتجاه البحث عن مخارج، وهي بالتأكيد ستكون متوفرة، ولكن كيف، هذا هو السؤال الذي يبحث عن اجابة حتى الان.
الإرهاصات للجديد الفلسطيني بدأت ولكن دون ملامح واضحة، والمؤكد ان هذا الوضع لن يستمر.