الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين ورشة المنامة وقمة أوساكا

نشر بتاريخ: 11/07/2019 ( آخر تحديث: 11/07/2019 الساعة: 15:16 )

الكاتب: سامر سلامه

شهد العالم قبل أيام إنعقاد مؤتمرين دوليين كان الفاصل بينهما أيام معدودة. المؤتمر الأول أخذ إسم ورشة السلام من أجل الإزدهار والذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة بتنظيم من الولايات المتحدة ضمن ما أطلق عليه صفقة القرن. والثاني عقد في مدينة أوساكا اليابانية تحت إسم قمة العشرين التي تضم أكبر وأهم عشرون إقتصادا في العالم (قمة الدول العظمى العشرين). فإنني أعتقد أن تزامن إنعقاد المؤتمرين لم يأتي من فراغ وخاصة أن الولايات المتحدة هي العراب للمؤتمر الأول واللاعب الرئيس في المؤتمر الثاني تاريخيا. فما علاقة المؤتمرين بعضهما ببعض؟ وما هو هدف الولايات المتحدة من عقد ورشة المنامة قبل أيام من قمة العشرين؟ فقمة العشرين بحثت مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية، أبرزها النزاع الأمريكي الصيني حول الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية، بالإضافة إلى التصعيد في منطقة الخليج وتداعياته على أمن الطاقة بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران. فماذا أرادت الولايات المتحدة من مؤتمر البحرين أبعد من الإزدهار المزعوم للفلسطينيين؟.
بإعتقادي أن الأمريكيين كانوا يتحدثون عن الإزدهار في فلسطين وعيونهم مركزه على منطقة الخليج والشرق الأوسط لما لهما من أهمية إقتصادية وجغرافية إستراتيجية في مواجهة الصين بحكم أن الصين هي المنافس الحقيقي للولايات المتحدة إقتصاديا وإستراتيجيا في المستقبل المتوسط والبعيد. فللمتتبع للسياسة الخارجية للولايات المتحدة يلاحظ بوضوح أن الولايات المتحدة سعت وتسعى إلى:
1. الهيمنة الكاملة على نفط وموارد الخليج المالية لتعزيز تفوقها المالي والإقتصادي أمام الصين أولا وباقي دول العالم ثانيا،
2. السيطرة الكاملة على المضائق في المنطقة (هرمز وباب المندب) ومن ثم قناة السويس لقطع الطريق على مشروع الصين الضخم المعروف بطريق الحرير (مشروع الحزام والطريق)،
3. الإظهار أمام العالم أنها لا تزال القوة العالمية الوحيدة القادرة على التفرد في معالجة القضايا الدولية وبالتالي إضعاف روسيا والصين ودورهم في المنطقة أقله معنويا،
4. الذهاب إلى أوساكا (قمة العشرين) مسلحة بإنجازات إقتصادية وسيطرة كاملة على المنطقة لفرض أجندتها على المجتمعين التسعة عشر،
5. الإمعان في تعزيز الإنقسامات بين الدول العربية لتسهيل السيطرة عليها واللعب على حبال التناقضات فيما بينها لتمرير أي مخططات لها علاقة بالتجارة الدولية والحرب الإقتصادية مع الصين.
ولكن ماذا كانت النتيجة؟ يبدو أن رياح البحرين لم تأتي كما إشتهتها السفن الأمريكية. فهزالة المؤتمر، وإنخفاض مستوى المشاركين فيه، وعدم إستطاعة الولايات المتحدة من فرض أجندتها على الفلسطينيين (الضعفاء) وإجبارهم على الحضور، وبهاتة النتائج وعلى الأقل المعلنة قد حطم صورة الولايات المتحدة كقوة عظمى مسيطرة على العالم أمام المجتمعيين في أوساكا مما أضعف موقف الولايات المتحدة في العديد من القضايا التي جاءت لأوساكا لفرضها على المجتمعين وهذا ما برز بشكل واضح في النتائج التي أخرجت الولايات المتحدة ضعيفة أو منعزلة من المؤتمر.
فأول النتائج التي تعبر عن تراجع الولايات المتحدة عن مواقفها المتصلبة إتجاه الصين هو تراجعها عن مواجهة شركة هواوي الصينية بالتوصل إلى إتفاق مع الصين برفع العقوبات عن الشركة الصينية ورفع الحظر عن تزويد هواوي بالتكنولوجيا الأمريكية وهذا يعتبر نصرا مؤزرا للصين.
كما أن تراجع الولايات المتحدة عن مواجهة الصين تجاريا من خلال التوافق على إستمرار المفاوضات التجارية فيما بينهما وتخفيف القيود الأمريكية وعدم زيادة الضرائب على البضائع المستوردة من الصين كان التراجع الثاني أمام الصين.
أما على صعيد زيادة عزلة الولايات المتحدة فقد تمثل في توافق الدول التسعة عشر على حماية إتفاق المناخ وتقليل الإنبعاث الحراري الموقع فيما بينها بالرغم من إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق. وكذلك إعلان الدول الموقعة على الإتفاق النووي مع إيران عن إلتزامها بالاتفاق بالرغم من إنسحاب الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق أيضا. وثانيا الإتفاق الصيني الروسي بالتوقف عن إستخدام الدولار الأمريكي في تعاملاتهما التجارية البينية وإستخدام الروبل أو اليوان في تلك التعاملات الأمر الذي سينعكس سلبا على قوة الدولار الأمريكي كعملة دولية وسيعيد إحياء مقترح الصين القديم الجديد بإصدار عملة دولية بدل الدولار للتعاملات التجارية الدولية.
ومن جانب آخر فإن الإتفاق الروسي السعودي على تقليص إنتاج النفط سيأتي بالضرر على الولايات المتحدة المستهلك الأكبر للنفط الخليجي لأن الإتفاق الروسي السعودي سيؤدي إلى إرتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. كذلك التراجع الأمريكي عن معارضة بيع منظومة الصواريخ الروسية إلى تركيا يعبر عن ضعف الموقف الأمريكي أمام روسيا. وفيما يتعلق بالقضية السورية فقد أبرزت القمة دور روسيا الحاسم على الساحة السورية وقدرتها على تمرير كافة مصالحها في سوريا على حساب الولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين الدوليين في المنطقة.
فتمرد الفلسطينيين الضعفاء على الولايات المتحدة في المنامة قد منح الدول العظمى المجتمعة في أوساكا قوة دفع إضافية لصد الهيمنة الأمريكية والذي تجلى بوضوح بتراجع الولايات المتحدة عن العديد من القضايا المذكورة أعلاه. وهذا يعطينا أيضا كفلسطينيين دفعة إلى الأمام للعمل مع العالم بإعتبار أن العالم فيه قوى أخرى مؤثرة غير الولايات المتحدة التي تزداد عزلتها الدولية يوما بعد يوم بفعل سياسات إدارتها الحالية. فبعد المنامة وأوساكا أصبح واضحا أن الولايات المتحدة ليست اللاعب الوحيد في العالم وأن العالم يتحول من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب.