الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا لا يستسلم الفلسطينيون؟

نشر بتاريخ: 21/07/2019 ( آخر تحديث: 21/07/2019 الساعة: 11:49 )

الكاتب: عوني المشني

في جلسة جمعتني مع بعض المثقفين الاسرائيليين- ومن مختلف الأطياف السياسية - تناقش الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وقف احدهم يسأل او يتساءل: نحن أعداء، بيننا صراع، خضنا واياكم حروبا، لقد هزمتم ونحن انتصرنا، هذه حقيقة، ووفق المنطق والتاريخ فان الطرف المهزوم يدفع فاتورة الحرب، لماذا المكابرة، عليكم الاقرار بهذه الحقيقة، انتم الطرف المهزوم، عليكم التسليم بهذه الحقيقة، لماذا تطيلون الصراع بما يعني ذلك من الم وضحايا منكم ومنا، الاعتراف بانكم هزمتم والاستسلام هو المخرج الواقعي والمنطقي، كفى مكابرة، وفروا على نفسكم مزيدا من الالم والضحايا وواجهو الحقيقة بشجاعة .......
كان الكلام موجها لي شخصيا كوني الفلسطيني الوحيد في هذا الاجتماع، وكان وقع الحديث حادا حتى على بعض الاسرائيليين الحاضرين، ولكن كان الشغف كبيرا بسماع الرد الفلسطيني على ذلك، جميعهم صمتوا باصغاء كبير انتظارا لاجابتي، ربما كان شغفهم نابع من قسوة السؤال، او انهم توقعوا اجابة استفزازية غير معهودة!!
وللحق فان السؤال كان مباشرا الى حد الارباك، لكنه لم يأت خارج السياق، فاي متابع للصراع الفلسطيني الاسرائيلي كان بالضرورة ان يتعاطى مع هذا المنطق ولو بجزئياته، فكيف اذا كان المقصود هنا طرفي الصراع ذاتهم؟!!! لم انتظر طويلا حتى اجيب، فهذا الاصغاء يلح علي بالاستعجال خاصة انه قد يفهم من التأني وكأنه هروب من الاجابة، بهدوء لا يعكس طبيعة الجو الذي خلقه السؤال بدأت كلامي:
السياق الذي تكلمت فيه عزيزي صحيح، منطق التاريخ يقول ان المهزوم يدفع ضريبة هزيمته، ومنطق الحرب يقول ايضا ان لا صراع الى الابد، هناك نهاية محتومة للصراع اما بالاستسلام للطرف المهزوم او بحلول سياسية تعكس موازين القوى، دعنا نترجم ذلك فيما يخص سؤالك.
لننظر الى صراعنا، هزمنا في كل الحروب معكم، هذا صحيح، ليس لدينا وهم اننا انتصرنا في اي حرب، ونعلم ان موازين القوى القائمة حاليا لا تمكننا من الانتصار حتى في السنوات العشر او العشرين القادمة، نحن نفهم ذلك جيدا، ومع ذلك نواصل حربنا معكم ولا نستسلم!!!! ربما ترون ذلك حماقة، او مكابرة، ولكن لتتعمق في التفاصيل اكثر.
لا يوجد معيار يحدد الهزيمة والنصر عندما يكون الصراع بين جيش وشعب، مثلا امريكا انتصرت عسكريا في فيتنام وكذلك فرنسا في الجزائر، او إيطاليا في ليبيا، ولكن في النهاية برغم الفارق في موازين القوى وبرغم انتصار امريكا وفرنسا وإيطاليا فان شعوب فيتنام والجزائر وليبيا هي التي انتصرت ودفعت كل من امريكا وفرنسا وإيطاليا ثمن الهزيمة، اليست هذه مفارقة تستحق التفكير؟؟!!! اليس هذا السياق يحطم كل المنطق الذي تقول به عزيزي؟؟!!! الا نستنتج من ذلك ان مفهوم الهزيمة والنصر يختلف عندما يتعلق الصراع بين جيش وشعب؟؟؟ تستطيعون الانتصار على جيوش ودول ولكنكم عاجزون عن الانتصار على اطفال العيسىوية ومخيم الدهيشة!!!!! فكر عزيزي في ذلك جيدا، انتصاركم الحقيقي يعني ان يغيب الطرف الاخر الذي يدعي ملكيته لهذه البلاد، هل ترى ان الشعب الفلسطيني قد انتهى وجوده ككينونة وطنية سياسية؟؟!!! فكر في ذلك وانت تشاهد الفلسطينيين في طول هذه البلاد وعرضها.....
المسألة الثانية المرتبطة بالموضوع ماذا تعني بالاستسلام؟؟؟ هل تقصد ان الاعتراف بنتائج الصراع والتعاطي معها؟؟؟! ام هناك معنى اخر؟؟؟ اذا كان المقصود الاعتراف بنتائج مائة عام من الصراع والتعاطي معها بايجابية فذلك هو ما حصل فعلا من الطرف الفلسطيني، والذي يتنكر لذلك هو الطرف الاسرائيلي وليس نحن!!!! دعنا نفحص ذلك بعمق... نتائج مائة عام من الصراع ان كامل الارض الفلسطينية او ارض اسرائيل، او الارض المقدسة، سمها ما شئت قد تمت السيطرة عليها من قبلكم، وعلى هذه الارض من السكان ما نسبته حوالي النصف فلسطيني والنصف الاخر يهودي. هذه هي النتيجة، لا تستطيعون ومهما امتلكتم من أسلحة وقوة إبادة السبعة مليون فلسطيني كذلك الحال حتى او انتصرنا لن نستطيع إبادة سبعة مليون يهودي اسرائيلي، لا المجتمع الدولي ولا القيم ولا منظومة العلاقات الدولية تسمح بقتل سبعة ملايين من اي طرف. النتيجة ان هناك شعبين على هذه الارض، هذه هي النتيجة والتعاطي معها والاعتراف بها يقول اما ان يتقاسم الشعبان هذه الارض او يتشاركا بها. لا يوجد امكانية لنفي اي منهما، اما شراكة او قسمة، او حل يقسم ما يمكن قسمته والمشاركة فيما تبقى، الفلسطينييون تعاطوا مع هذا قبلوا بالقسمة في دولتين، قبلوا بالشراكة في دولة واحدة لمواطنيها، ويقبلون ايضا بتقسيم ما يمكن والشراكة في ما يمكن عبر حل دولتين في بلاد واحدة، والطرف الذي يرفض كل هذه الافكار هو الطرف الاسرائيلي، اليس كذلك؟؟؟؟ اعطيني سيدي موقفا اسرائيليا يتعاطى مع نتائج الصراع!!!! رفضتم في البداية الاقرار بوجود شعب فلسطين وها هو شعب فلسطين يعيش في تفاصيل تفاصيل حياتكم، يعيش في صراعكم ومجتمعكم ومستشفياتكم ومدارسكم ومصانعكم وسجونهم وعلى حواجزكم وعلى كل شبر في هذه الارض ، واعترفتم به مكرهين دونما الاعتراف بالنتائج المترتبة على وجوده، ما دام هناك شعب فلسطين فهناك الحق في تقرير المصير لهذا الشعب، هذا قانون طبيعي وتاريخي وانساني، هروبكم من هذه الحقيقية لا يخدمكم، آجلا او اعجابا سترغمون على التعاطي معها، انتم تطيلون الصراع بما يعني من ضحايا والآلام دون مبرر. اذا اعتقدت سيدي ان الفلسطينيين يجب ان ينتحروا جماعيا لتبقى اسرائيل قائمة فهذا الاعتقاد خاطئ ولا يمثل اي فهم سياسي، فالاستسلام الفلسطيني الذي تفكر به بان يترك الفلسطينيون هذه البلاد امر ليس صعبا فقط بل مستحيلا، والسبب بسيط جدا ان وجود هذا الشعب مرتبط بالمكان الذي ينتمي اليه، هذا المكان هنا، هنا فقط، حتى اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا قبل سبعين عاما مرتبطون وجدانيا بـ "هذا المكان". هل تعتقد ان الفلسطينيين يبالغون بذلك؟؟؟ هل فكرت يوما لماذا اليهود يعتقدون ان اجدادهم غادروا فلسطين قبل ألفي عام حق بالعودة بينما الفلسطيني الذي شرد قبل اقل من مائة عام لا يملك هذا الحق؟؟؟
من قال لك ان موازين القوى ثابتة؟؟؟ إمبراطوريات عظمى انهارت، بريطانيا، تركيا، بيزنطا، .....الخ كم ستتمكن اسرائيل من الصمود امام المتغيرات؟؟؟؟ مائة سنة؟؟ مئتين؟؟؟ ثلاث؟؟؟ في النهاية فان للتاريخ حركته التي تتغير. حتى لا تصلوا لهذه اللحظة هناك خيار اخر متاح، وهو السلام، واعتراف بحقوق الفلسطينين في اطار حل سياسي هو "حل الممكن".
جانب اخر متعلق بسؤالك سيدي ، هل تعتقد ان القوة العسكرية لوحدها قادرة على الاجابة على القلق الوجودي الذي تعيشونه؟؟!!! نحن ضعفاء، مضطهدين، منا الشهداء والجرحى والاسرى، لدينا فقر وبطالة مع ذلك لدينا ثقة بالمستقبل اكثر منك، الا تسأل لماذا؟؟؟ انا اقول لك لماذا. لانك تستمد استمرارية وجودك من حد السيف الذي يبشرك نتنياهو بانك ستعيش عليه للابد، بينما استمد وجودي من شرعية حقوقي تاريخيا وإنسانيا، شرعية القوة مؤقتة، قلقة، مربكة، متغيرة، لذلك فأنت تعيش فوبيا الزوال وانا أعيش ثقة المستقبل، امام هذا الوضع عليك ان تفكر بعمق، وبما يساعدك هذا في الاستنتاج بان السلام مصلحة لك قبل ان تكون للفلسطيني، لتسأل زعمائك السياسيين ما هي ضمانات استمرار وجودك هنا؟؟؟!!! هل القوة وحدها تشكل ضمانة؟؟؟ هنا يجب ان تفكر لماذا لا يستسلم الفلسطينيون!!! لانهم ببساطة يمتلكون الثقة بالمستقبل حتى وان طال انتظاره. بالنسبة لك هذا جنون!!! بالنسبة لي كفلسطيني هذا بعد نظر وهذا يمثل فهما استراتيجيا للصراع.
هذا جزء من إجابتي والجزء الاخر لم أكمله لانه قد تدخل بعض الحاضرين قائلين: كفى!!! كفى!!! انت على حق، لا يوجد نهاية لهذا الصراع الا بالسلام لا يستطيع اي شعب نفي الاخر، نحن مقتنعون بذلك.
اما صاحب السؤال فصمت وكان صمته قلقا وكئيبا.