الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

نصار طقاطقة، وعبد الرحمن إشتيوي، ونظام الأبارتهايد

نشر بتاريخ: 22/07/2019 ( آخر تحديث: 22/07/2019 الساعة: 10:23 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي

نصار طقاطقة عامل شاب في الواحدة والثلاثين من عمره، من بلدة بيت فجار بمحافظة بيت لحم، كان يتمتع بصحة ممتازة، ولم يشكو من أي مرض، وكان معروفا بنشاطه في عمله، وكما قال لي أهله فأنهم كانوا يحضرون لزفافه قبل عيد الأضحى القادم.
نصار طقاطقة أصبح الشهيد رقم مائتان وعشرون في زنازين وسجون الإحتلال الإسرائيلي.
أُعتقل في التاسع عشر من حزيران الماضي، واستمر احتجازه الانفرادي في أقبية تحقيق الشاباك الإسرائيلي حتى يوم استشهاده و لم يلتق به محاميه إلا في قاعة تمديد الإعتقال، ولا أحد يعرف أي نوع من التعذيب إستخدمه المحققون أثناء اعتقاله، وحيث أنه كان بصحة ممتازة قبل الاعتقال، وحيث أنه شاب في مقتبل العمر ولم يعاني من أية أمراض، فإن تقرير التشريح الذي أجرى له والذي يشير إلى أنه عانى من التهاب رئوي أدى إلى وفاته غير مقنع، خاصة و أن هناك معلومات تشير إلى أن الأسير طقاطقة تعرض للضرب على رأسه أثناء التحقيق .
فإما أن سبب وفاته كان أمرا آخر يعود لعنف تعرض له، ولم يتم إكتشافه في التشريح، أو أنه تعرض لظروف صحية خطيرة، أدت إلى التهاب الرئتين، الذي لا يقتل عادة في عز الصيف شابا بنيته متينة، ثم تعرض لإهمال طبي شديد حتى إستشهد.
وفي الحالتين فإن نصار طقاطقة أصبح الشهيد الفلسطيني العشرين بعد المئتين الذي راح ضحية قمع وتنكيل الإحتلال وسجونه.
هناك ثلاثة أسباب موثقة ومعروفة لإستشهاد المائتي وعشرين شهيدا في السجون.
الأول، هو التعذيب أثناء التحقيق كما حدث للشهداء عرفات جرادات، ومحمد يوسف الخواجا، ومحمد ذيب الدحدول.
والثاني هو القتل العمد إما بالضرب أو بإطلاق الرصاص كما جرى للشهيد عزيز عويسات، وأحمد أبوعميرة.
و الثالث هو الإهمال الطبي الذي يعاني منه حاليا ما لا يقل عن 750 مريضا معرضون في كل لحظة للاستشهاد.
وتشير إحصائيات منظمات حقوق الإنسان إلى أن 70 أسيرا استشهدوا جراء التعذيب، و اثنان و سبعون أسيرا استشهدوا بسبب الإهمال الطبي، وواحد وسبعون أسيرا أُعدموا عمدا مع سبق الإصرار بعد إعتقالهم والسيطرة عليهم، وسبعة اسرى إستشهدوا نتيجة إستخدام القوة المفرطة ضدهم أو إصابتهم بأعيرة نارية حية وهم محتجزون في السجون، وفي جميع الأحوال فإن حالات الاستشهاد تمثل مظهرا ساطعا لمنظومة التمييز العنصري- الأبارتهايد ضد الفلسطينيين.
أما قصة الطفل عبد الرحمن شتيوي، وعمره تسع سنوات من كفر قدوم فتمثل نموذجا بشعا آخر لآلية عمل التمييز العنصري الإسرائيلي وما يمارسه جيشه من قمع ضد الفلسطينيين.
جيش الإحتلال أطلق الرصاص الحي على الطفل عبد الرحمن وهو يلعب قرب أحد المنازل فأصابه بإصابة خطيرة في رأسه، عقب مظاهرة سلمية جرت في القرية احتجاجا على مصادرة أراضيها وإغلاق طرقها من قبل المستوطنين المستعمرين.
استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل جريمة لم يكن لها أي مبرر إذا لم يتعرض أي جندي لأي خطر، وإطلاقه من قبل قناص إسرائيلي على طفل يلعب على بعد مئات الأمتار من المظاهرة، هو جريمة لا تغتفر، وإن كانت تثبت أن جيش الإحتلال لا يقيم وزنا لحياة الفلسطينيين كبارا كانوا أم أطفالا.
تخيلوا ما كان سيحدث في إسرائيل و العالم لو أن الطفل المصاب كان يهوديا أو حتى أثيوبيا، أما كونه فلسطينيا فلم يحرك ساكنا في كيان يدعي أنه الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويصادق على إدعاءاته الكاذبة مبعوثو ترامب.
كتب توماس فريدمان، الصحافي الأميركي اليهودي المعروف ، والذي لا يمكن إتهامه بأنه منحاز ضد إسرائيل، مقالا في جريد النيويورك تايمز قال فيه " إن اليمين الإسرائيلي لديه تصور بديل لحل الدولتين ولحل الدولة الواحدة القائمة على التساوي في الحقوق، وبديله هو السيطرة على الضفة الغربية دون منح حقوق متساوية للفلسطينين" اي أن بديل اليمين" هو نظام الأبارتهايد" وأشار فريدمان إلى أمر بالغ الخطورة، حيث يقول أن تكريس هذا النظام القائم على التمييز يمر عبر ما يسميه إخصاء " نظام إسرائيل القضائي والصحافة الحرة والمجتمع المدني" .
ويضيف فريدمان إن " فوز نتنياهو في الانتخابات سيعني تقويض حكم القانون لحماية السيطرة على الضفة الغربية" وذلك ما سيضع كل يهودي في العالم أمام مواجهة الإختيار الأخلاقي حول إن كان يستطيع الإستمرار في دعم إسرائيل أم لا".
إستشهاد نصار طقاطقة، وإطلاق الرصاص الحي على رأس الطفل عبد الرحمن شتيوي، يقدمان الدليل القاطع على طبيعة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، والذي يفسر النمو المتصاعد لحركة المقاطعة (BDS) وكل أشكال التضامن العالمي مع فلسطين، بما في ذلك إعلان عضوات الكونغرس الأمريكي إلهان عمر و رشيدة طليب تأييدهما لها، و تحديهما لمشاريع مكافحتها في الولايات المتحدة .
وذلك ما لا تستطيع أن تخفيه، أو تخيفه، "صفقة القرن" و جميع اللوبيات الداعمة لإسرائيل.
لن يكون عدل، ولا سلام، في هذه الأرض إلا بإنهاء نظام الأبارتهايد العنصري وكل مؤسساته .