الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلطة وتحديات الاقتصاد

نشر بتاريخ: 07/08/2019 ( آخر تحديث: 07/08/2019 الساعة: 11:49 )

الكاتب: عماد توفيق عفانة

مر أكثر من خمسة أشهر على انتظار نهوض الاقتصاد الفلسطيني من كبوته على يد د. محمد إتشيه -كخبير اقتصادي- منذ تكليفه برئاسة حكومة السلطة الفلسطينية الجديدة في مارس الماضي.
لكن وكما يقال في المثل الشعبي " لا يصلح العطار ما أفسد الدهر".
فمرور نحو 25 سنة على توقيع السلطة على اتفاقية باريس الاقتصادية مع كيان الاحتلال صنع اقتصاد قائم على المعونات الخارجية في غزة، واقتصاد يعتمد بنحو 90% في بقائه على اقتصاد الاحتلال في الضفة.
ففي حين لا تشغل السلطة سوى نحو 130 ألف موظف فقط، فان الاحتلال يقوم بتشغيل نحو ربع مليون فلسطيني في بناء كيانه وازدهار اقتصاده.
النكبة الفلسطينية تفرخت بيد قياداتها وانجبت نكبات لا نهاية لها، فاتفاق اوسلو الذي كان من المقرر ان ينتهي عام 1999 لتنتقل السلطة الى الدولة باق ولم ينتهي، حاله كحال اتفاقية باريس التي كان من المقرر ان يعلن عن وفاتها مع وفاة اتفاق أوسلو، الا ان الاحتلال نجح في الإبقاء على الاتفاق حتى بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات الذي وافق على توقيعه.
الباحث محمد عز الدين حمدان طرح في ورقة قدمها ضمن إنتاج أعضاء "منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي" الذي يشرف عليه مركز مسارات، بعنوان "نحو سياسات اقتصادية وطنية لتعزيز الصمود الفلسطيني والتحرر الوطني"، طرح عدد من البدائل بهدف طرح آليات وبدائل سياساتية تتلاءم مع الوضع الفلسطيني الحالي المتأزم، وتعزيز مقومات الصمود الوطني، والتحرر الواعي والتدريجي من الاتكالية والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي التي يكرسها بروتوكول باريس الاقتصادي.
البديل الأول: بلورة إستراتيجية وطنية للتحرر من بروتوكول باريس الاقتصادي، بهدف بناء اقتصاد صمود وطني مقاوم يتسم بالشفافية، ومتحرر من الارتهان والتبعية لاقتصاد دولة الاحتلال "الإسرائيلي".
البديل الثاني: إعادة هيكلية الاقتصاد الفلسطيني بشكل يتلاءم مع محددات مرحلة التحرر الوطني، مع التركيز على قطاعي الزراعة والصناعة، وذلك لبناء اقتصاد فلسطيني مقاوم وداعم للصمود الفلسطيني والتحرر التدريجي من الارتهان والتبعية الاقتصادية "الإسرائيلية".
البديل الثالث: استكمال الإجراءات والشروط المطلوبة من دولة فلسطين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بصفة "عضو مراقب"، بالاستفادة من حصولها على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (67/19) الذي منحها صفة الدولة المراقب، ليتسنى لها الاستفادة من حقوق وامتيازات الانضمام، والاندماج في المجتمع التجاري الدولي، وإنشاء اتفاقات تجارية تفضيلية مع الدول المجاورة، أو مع دول صديقة أخرى، على أساس ثنائي أو إقليمي، وذلك للتحرر التدريجي من التبعية الاقتصادية "الإسرائيلية".
البديل الرابع: عقد اتفاقية اقتصادية عامة بين دولة فلسطين والدول المؤيدة والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني مجتمعة، تحت عنوان "دعم مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني"، مع منح الاقتصاد الفلسطيني معاملة تفضيلية خاصة، تعزز من إمكانية استقلاله عن الاقتصاد "الإسرائيلي"، وإنشاء صندوق لتنفيذ ودعم تلك الاتفاقية العامة.
وناقش الباحث وبشكل موضوعي المقبولية، المعقولية، المنفعة، والخسائر لكل خيار من الخيارات المطروحة ثم خلص الى ان الورقة
تطرح مجموعة من البدائل، التي لكل منها ميزاته وتأثيره على بناء اقتصاد فلسطيني داعم لمقومات الصمود ومتحرر تدريجيًا من التبعية الاقتصادية "الإسرائيلية"، ويمكن المفاضلة بينها لجهة أكثرها واقعية وأقربها تطبيقًا في ظل الوضع السياسي الحالي، فيعد البديلان الأول (بلورة إستراتيجية وطنية للتحرر من اتفاق باريس)، والثاني (إعادة هيكلية الاقتصاد الفلسطيني)، الأكثر واقعية والأقرب تطبيقًا، ويجب تطبيقهما بشكل متوازٍ، لما لهما من دور في تحديد المسار الصحيح لنظام اقتصادي فلسطيني مستقل قادر على تعزيز مقومات الصمود والتحرر من التبعية الاقتصادية للاحتلال.
أما البديل الرابع (عقد اتفاقية اقتصادية عامة، أساسها التجارة الحرة) فيأتي تطبيقه في المرحلة التالية، باعتباره مسارًا مكملًا للوصول إلى الغاية المنشودة من هذه الورقة، وهو يحتاج إلى جهد ديبلوماسي مع حلفاء القضية الفلسطينية والداعمين لها.
أما البديل الثالث (انضمام دولة فلسطين لمنظمة التجارة العالمية)، فهو أقل واقعية في التطبيق، لأن تقديم طلب الانضمام يعتمد على شروط وإجراءات قانونية، كما أن قبول الانضمام يتطلب موافقة سياسية من الدول الأطراف فيها، وبالتالي يحتاج إلى جهود ديبلوماسية وسياسية كبيرة قد تستغرق وقتًا طويلًا في ظل موازين القوى الدولية الراهنة.
إلا ان هذه البدائل على معقوليتها وقابلتيها للتطبيق تصطدم وكما يقول الباحث بمدى توفر القناعة والإرادة السياسية لدى القيادة الفلسطينية، وجديتها في عملية الإصلاح وتحمل الضغوطات الإقليمية والدولية التي ستمارس عليها لوقف التدهور الحاصل في النظام الاقتصادي الفلسطيني.
إلا أن واقع الحال يقول إن السلطة التي تتمتع بعقل احادي، ومنهج انفرادي، تصر على مواصلة الانقسام السياسي مع شركائها.
ورغم اطلاع السلطة على المخططات التي تحاك ضد المشروع الوطني، والتي كان آخرها مؤتمر البحرين الاقتصادي، هل ستكون قادرة على تحمل جميع الضغوطات لبناء اقتصاد تنموي قادر على الصمود...!