الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التنمية العنقودية والإستثمار في الموارد المحلية

نشر بتاريخ: 08/08/2019 ( آخر تحديث: 08/08/2019 الساعة: 12:56 )

الكاتب: سامر سلامه

أطلق دولة رئيس الوزراء محمد إشتيه مبادرة تنموية واعدة بعنوان التنمية العنقودية في محاولة لكبح التراجع الواضح في أداء الإقتصاد الوطني الفلسطيني وخاصة بعد وقف المساعدات الأمريكية وإنخفاض التمويل الدولي والعربي وأزمة المقاصة مع الإحتلال الإسرائيلي. فتأتي هذه المبادرة لتعزيز صمود المواطنين على أرضهم وتمكين الإقتصاد الفلسطيني من الإنبعاث من جديد من تحت رماد الحصار والمؤامرات التي تسعى لتدمير الإقتصاد الوطني الفلسطيني وإلحاقه بالكامل بإقتصاد الإحتلال وذلك للضغط على القيادة والحكومة الفلسطينية لتقديم تنازلات فيما بات يعرف بصفقة القرن المزعومة. فهل التنمية العنقودية ستعزز فعلا من قدرة الإقتصاد الوطني وتمكينه من الإنبعاث والنمو من جديد؟ وهل فعلا ستساعد التنمية العنقودية على توظيف الموارد المحلية بشكل فعال وزيادة الإستثمار في تلك الموارد؟ وهل فعلا ستساهم التنمية العنقودية في تعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها بإقتضاب هنا.
فقبل الإجابة على الأسئلة المذكورة لا بد أولا من إستعراض مفهوم التنمية العنقودية لنفسح المجال أمام القاريء العادي لمعرفة عما نتحدث. فالتنمية العنقودية عبارة عن مجموعة من الشركات والمؤسسات المترابطة من موردين ومصنعين ومقدمي الخدمات والمؤسسات الداعمة التي ترتبط مع بعضها في مجال عمل معين، وفي منطقة جغرافية واحدة. فبحسب خطة الحكومة سيتم تقسيم المحافظات الفلسطينية إلى عناقيد تنموية بحسب ما يتوفر في كل محافظة من ميزات تنافسية - موارد ومؤسسات فاعلة وإمكانيات وإختصاصات - سيتم ربطها ببعض ودعمها وتشجيعها للإستثمار في الموارد المحلية للمحافظة. حيث تم إعتبار محافظة بيت لحم عنقود سياحي وقلقيلية عنقود زراعي والخليل عنقود صناعي وهكذا لباقي المحافظات. أو قد تشترك مجموعة من المحافظات في عنقود واحد اذا توفرت لديها ميزة تنافسية مشتركة. وبهذا ستركز الحكومة دعمها وتوجيهها وتشجيعها وحشد الموارد المتاحة في كل عنقود (محافظة واحدة او أكثر) للإستثمار في المجال التنموي التي يتخصص به كل عنقود نحو إحداث شكل من أشكال التكامل الإقتصادي على المستوى الوطني.
ففي ظل الظروف الصعبة التي نعيشها وخاصة بعد التعثر الكامل للتسوية السياسية فإننا قد وجدنا أنفسنا نعيش في ظل منظومة إقتصادية خاصة تعتمد إعتماد شبه كامل على إقتصاد الإحتلال الأمر الذي دفع الحكومة الحالية للتفكير خارج الصندوق والبحث في وسائل وطرق فعالة قادرة على تغيير المشهد الإقتصادي أقله زيادة الإعتماد على الذات وزيادة الإستثمار في الموارد المحلية المتاحة. وبعد إطلاعي على آليات عمل التنمية العنقودية كما أعلنها رئيس الوزراء فإنني أعتقد أن هناك فرصة كبيرة لإحداث تغيير حقيقي على بنية الإقتصاد الوطني الفلسطيني وتمكينه من الإنعتاق شيئا فشيئا من نير تبعيته لإقتصاد الإحتلال. فعلى سبيل المثال لا الحصر إن تجميع الطاقات والإمكانيات والموارد والكفاءات ورأس المال المحلي في المحافظات التي أعلن عنها أنها عناقيد زراعية سيمكن كل محافظة من إنشاء شركات أو شراكات محلية لإستغلال الأراضي الزراعية غير المستغلة وسيمكن الشركات الناشئة من الوصول إلى الموارد البشرية المؤهلة ورأس المال الأمر الذي سينعكس على قدرة تلك الشركات من زيادة إنتاجها كماً ونوعاً. وبما أن المفهوم العنقودي يحتم العمل على تكامل الإختصاصات في العمل سيؤدي ذلك إلى دعم وتشجيع إنشاء شركات خاصة تعمل على تقديم خدمات أخرى مساندة مثل التسويق والتخزين والترويج وغيرها.
وفيما يتعلق بالإستثمار بالموارد المحلية المتاحة وهي كلمة السر وراء نجاح فكرة التنمية العنقودية فإن الخطة أو آلية عمل العناقيد تقوم بالأساس على الإستثمار الأمثل في الموارد المحلية المتاحة من مصادر مياه وموارد طبيعية وبشرية ورأس مال. ونحن في فلسطين لدينا العديد من الموارد المحلية الكامنة وغير المستغلة بسبب شحها في بعض الأحيان أوتفتتها أو إنتشارها. فآليات وأدوات عمل التنمية العنقودية تعمل على أساس تجميع تلك الموارد وحشدها وتوظيفها بشكل فعال لزيادة وتعظيم أثرها. فبقاء تلك الموارد مشتته لن يستفيد منها أحد. فالسر يكمن في تجميعها والإستفادة منها. فعلى سبيل المثال فإن الأراضي الزراعية المفتتة إرثيا ومصادر المياه المنتشرة في عدة مناطق في كل محافظة لن يتم الإستفادة منها إذا لم يتم تجميعها والعمل على إستثمارها كوحدة واحدة. فالتنمية العنقودية تعمل بشكل أساسي على تجميع كل هذه الإمكانيات والموارد المحلية أو تشبيكها بعضها ببعض لتساهم في زيادة فعاليتها وإستثمارها بشكل مجدي.
أما تعزيز الصمود فهو التحدي الأكبر أمام التنمية العنقودية في ظل زيادة نسب البطالة والفقر في أوساط الشباب والنساء بشكل خاص. فإن نجاح المشاريع العنقودية والتكتلات الإقتصادية المحلية سيعزز من الإقتصاد المحلي لكل محافظة وسيفتح فرص جديدة ليس فقط للعمل أمام الشباب والنساء وإنما للإستثمار أيضا. فإن وجود خدمات متكاملة في كل محافظة في إطار تخصصها العنقودي سيساهم بشكل كبير على تشجيع الرياديين الشباب والنساء على الإستثمار في مواردهم الذاتية ودمجها أو ربطها مع الإستثمارات الأكبر على مستوى المحافظة الأمر الذي سينعكس إيجابا على أداء الإقتصاد المحلي وبالتالي تعزيز فرص العمل وتقليل البطالة والفقر مما سيعزز من صمود المواطنين وبقائهم في أرضهم.
إنني أعتقد أن فرص نجاح التنمية الإقتصادية العنقودية المحلية كبيرة جدا في فلسطين وخاصة أننا نملك العديد من نقاط القوة التي تؤهلنا لإحداث تنمية مستدامة على المستوى المحلي. ولكن يبقى التحدي في مدى قدرتنا على تجنيد الشباب والنساء في هذه العملية كذلك في تشجيع رأس المال المحلي لضخ إستثمارات جماعية، وأخيرا الوصول إلى تكامل وشراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص في كل محافظة.